علي عبد الأمير
أصدر مجلس القضاء الأعلى العراقي اليوم، بيانا مقتضباً يعتبر فيه "جرائم التهديد عبر ما يعرف ب (الدگات العشائرية)، صورة من صور التهديد الإرهابي وفق احكام المادة 2 من قانون مكافحة الاٍرهاب".
ويبدو هذا أمرا لافتا لجهة تغول القيم العشائرية وتضخم ترساناتها المسلحة، فمع تراجع حضور الدولة على مستويات عدة، تصاعد دور قوى خارج الدولة وقانونها الذي يحكم حياة المواطنين.
ومن بين تلك القوى الصاعدة النفوذ بعد 2003، كانت العشائر التي ما لبثت أن دخلت في صدام ليس مع القانون فحسب، بل بين بعضها البعض في صراع مسلح واسع على النفوذ في مناطق جنوب البلاد الغنية، وعلى قضايا اجتماعية وسياسية في مناطق أخرى.
وكانت وزارة العدل العراقية أثارت سجالاً حين أعلنت "انطلاق مشروع التحكيم العشائري ودخوله حيز العمل" في نيسان/أبريل الماضي.
صحيح إن الوزارة أوضحت إن هذه الخطوة تأتي جاءت لـ "ترسيخ أسس القانون وإشاعة ثقافة التسامح في حل النزاعات وليس أن تكون بديلاً للقانون"، لكنه بدا وكأنه "اعتراف بأهلية العشائر على الدولة"؟
واعتماد هذا المبدأ سيؤدي إلى "سيادة الرأي العشائري على الرأي القانوني، وبالتالي سيضعف تطبيق القانون وسيلجأ الناس إلى العشائر بدل المحاكم وهذا مؤشر خطير يهدد الوضع العام في البلد وربما يؤدي إلى ضياع الحقوق"، يقول الخبير القانون علي جابر التميمي.
"بلد عشاير" لا بلد قانون
وحيال هذه التوجهات "التي تعود بالبلد إلى الوراء"، يقول الخبير القانوني، مؤكدا "سيؤدي إعطاء التحكيم العشائري صفة قانونية، إلى تعطيل القوانين النافذة ويحوّل البلد إلى بلد عشاير وليس بلد قانون".
إقرار وزارة العدل مبدأ التحكيم العشائري "إقرار من قبل مؤسسات الدولة بالسلطات الموازية التي تتنافس معها في فرض السيطرة على المجال العام، بل هي تعني هشاشة الدولة في العراق"، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، الدكتور أياد العنبر.
وظلت الدولة العراقية المعاصرة منذ تأسيسها 1921، تشهد صراع ثلاث سلطات للسيطرة على المجتمع وهي: سلطة مؤسسات الدولة، سلطة رجل الدين، وسلطة رجل العشيرة.
وفي حين يبرز العنبر سياقاً اجتماعيا تعايشت فيه تلك السلطات وتنافست بفرض قيمها على المجتمع، فإنه يضع معادلة مهمة: "كلما ضعفت سلطة مؤسسات الدولة المعنية باحتكار العنف المنظم كلما ضعفت شرعية الدولة، وسمحت للسلطات الأخرى بفرض هيمنتها وشرعيتها على المجتمع".
جبهات القتال العشائرية
وسجّل الشهر الأخير من العام الماضي، جولةً من جولات الحروب العشائرية المستعرة في مناطق الهارثة، القرنة وجوارهما بمحافظة البصرة. الجولة شهدت مواجهة مسلحة انتهى إليها خلاف عشائري بسبب ضربة جزاء في مباراة لكرة القدم.
ذلك المشهد "الحربي" هو ما بدا متكررا في البصرة التي كانت إلى حين الحاضرة المدنية الثانية الأكبر في العراق. وكثيرا ما تتطور النزاعات العشائرية إلى صدامات مسلحة تستخدم فيها شتى الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ولأسباب تبدأ من الخلاف على النفوذ المالي والسياسي ولا تنتهي بحيوانات فلاحين من عشيرة معينة تدخل مزارع أبناء عشيرة مجاورة، مرورا بقضايا اجتماعية تبدو لا تذكر في أهميتها لو تسنى للقانون أن يحسمها.
وتشهد محافظة ميسان (شمال البصرة)، تصاعدا في وتيرة النزاعات العشائرية المسلحة، فيما يحذر مواطنون من خطورة سطوة الأعراف العشائرية، مطالبين بحصر السلاح بيد الدولة وتفعيل سلطة القانون.
لا أحد بمنأى عن سيف العشائر
ووصل تأثير التهديدات والاعتداءات العشائرية إلى ضرب المعلمين والأطباء والمحامين وإقامة الحد العشائري على كثير من أصحاب المهن والأدوار الاجتماعية، وهنا يشير مدير عام تربية محافظة ميسان رياض الساعدي إلى أن "ظاهرة تعرض المدرس أو المعلم للتهديد العشائري موجودة في معظم المحافظات، لكنها تكثر في المحافظات الجنوبية"، موضحا أن "العشائر لا تبالي بالقانون وتسير خلف مصلحتها، وإن كان على حساب القانون".