عائلة عراقية تتحلق حول الزائر الجديد/ مجلة "ألف باء" العام 1970
عائلة عراقية تتحلق حول الزائر الجديد/ مجلة "ألف باء" العام 1970

علي عبد الأمير

تقرّ الأمم المتحدة، بتأثير التلفزيون المتزايد في صنع القرار من خلال لفت انتباه الرأي العام إلى المنازعات والتهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن ودوره في التركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، فأعلنت في العام 1996 اعتبار يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر يوماً عالمياً للتلفزيون.

اللافت في صلب القرار الدولي هو البعد الثقافي المؤكد على التواصل الإنساني "ليس اليوم العالمي للتلفزيون احتفاء بأداة بقدر ما هو احتفاء بالفلسفة التي تعبر عنها هذه الأداة. فقد غدا التلفزيون رمزاً للاتصالات والعولمة في العالم المعاصر".

هذا المعنى يبدو حاضراً في حال التلفزيون العراق الرائد، والذي جاء تأسيسه 1956، مؤشراً على جانبين عام وشخصي، مثلهما حضور عاهل البلاد، الملك فيصل الثاني، المعرض البريطاني التجاري ببغداد، وعرضت فيه شركة (باي) منظومة بث تلفزيوني.

الحدث أثار انتباه الملك فيصل الثاني، المولع شخصياً بالتقنيات الحديثة، فضلاّ عن سياسة الدولة العراقية القائمة على الانفتاح والتواصل مع العالم المتقدم، فتم شراء المعدات المعروضة (هناك من يقول إنها قدت هدية من الشركة المنتجة إلى الحكومة العراقية)، ونصبت في موقع الاذاعة بمنطقة الصالحية، ومنها انطلق "تلفزيون بغداد" ليصبح الأقدم في الشرق الأوسط والوطن العربي في عام 1956.

ومن خلال ذلك الحدث نتعرف على الحقائق التالية:

*بدأ أول بث لتلفزيون العراق في الثاني من أيار/مايو 1956.

*وجه الإذاعي الرائد محمد علي كريم، هو أول من أطلّ عبر شاشة التلفزيون لتقديم البرنامج الأول، والذي تضمن أغنيات قدمت مباشرة بأصوات نجوم الغناء حينها: ناظم الغزالي وحضيري أبو عزيز وعفيفة اسكندر وغيرهم.

*في وقت مبكر من عمر "تلفزيون بغداد" كانت البرامج الدرامية والأحداث الثقافية والتربوية المحلية والغربية، تشّكل معظم وقت البث.

​​*توفره على تقنيات النقل الحي من مواقع الحدث.

سيارة البث الحي لتلفزيون بغداد/ مجلة ألف باء 1970

​​​​

​​*ظل "تلفزيون بغداد" يعتمد البث الحي للبرامج والأخبار حتى دخول "الفيديو- تيب" 1966، ليبدأ عصر البرامج المسجلة.

* مثلما بدأ التلفزيون مؤشراً على نهج حكومي ظل كذلك لعقود طويلة، بل هو نقل حتى الانقلابات العسكرية، ففي 9 شباط/ فبراير 1963، تم اعدام عبد الكريم قاسم، أول زعيم في العهد الجمهوري، ونقل الحدث علناً إلى الجمهور.

*استحدث نظام البث بقناتين في العام 1969، فخصصت الأولى للأخبار والبرامج الجماهيرية، بينما القناة الثانية، فكانت تشهد البرامج الثقافية العراقية والعروض السينمائية والتلفزيونية الأجنبية.

* تحول التلفزيون في العام 1976 تدريجياً إلى البث الملون على القناتين.

*ظل البث التلفزيوني حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي بست ساعات تبدأ من السادسة حتى 12 ليلاً.

*على مدى 40 عاماً، حفرت البرامج والفقرات التالية موقعها القوي في التلفزيون العراق: "الرياضة في أسبوع" لمؤيد البدري، "العلم للجميع" للراحل كامل الدباغ، "السينما والناس" الذي كانت تقدمه اعتقال الطائي، "عدسة الفن" من تقديم خيرية حبيب، المسلسل الدرامي الشهير "تحت موس الحلاق" للمخرج الراحل عمّانوئيل رسام (ع.ن.ر)، فقرة فيلم الأسبوع العربي، أما على القناة الثانية (قناة 7) فكانت المسلسلات والمنوعات الغنائية الأجنبية هي الأكثر شهرة.

*كان التلفزيون العراقي يخضع لسلطة الإعلام الحكومي ويلتزم بكل التغطيات الخاصة بالأنشطة الرسمية والتي كانت تمتد لساعات، بخاصة بعد تولى صدام حسين السلطة وإدخال بلاده في عدد من الحروب التي ألقت بظلالها القوية على وسائل الإعلام.

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.