السيدة عالية محمد باقر أمينة مكتبة البصرة وإلى اليسار غلاف الكتاب الأميركي عنها
السيدة عالية محمد باقر أمينة مكتبة البصرة وإلى اليسار غلاف الكتاب الأميركي عنها

علي عبد الأمير ومشعل العبيد:

في صيف 2003، صدر كتاب في الولايات المتحدة، يوثق قصة أمينة مكتبة البصرة، عالية محمد باقر وما فعلته لإنقاذ آلاف الكتب والمراجع المهمة خوفاً عليها من الحرائق بالتزامن مع الحرب التي شهدت البصرة مرحلتها الأولى.

الكتاب موجّه للصغار كتبته، بالرسوم، الأمريكية جانيت وينتر، المولودة في شيكاغو سنة 1939 والمقيمة في نيويورك، والتي وضعت كتباً عن حكايات معاصرة لإبطال حقيقيين من باكستان، كولومبيا وأفغانستان.

كتابها "أمينة مكتبة البصرة: قصة حقيقية من العراق"، ​​نال شهرة واسعة ليس في

أميركا وحسب، بل في مناطق عدة من العالم، وترجم إلى كثير من اللغات.

تعرّف مواقع النشر العالمية الكتاب على النحو التالي: "هذه قصة حقيقية عن كفاح أمينة مكتبة البصرة لإنقاذ مجموعة الكتب التي لا تقدر بثمن، وعن حب الأدب واحترامه في العراق كما في جميع أنحاء العالم، فالمعرفة لا تعرف حدوداً".

وبفضل التأثير الواسع لحكاية السيدة الأمينة، تقدمت جهات خيرية وإنسانية دولية بالكثير من المنح والمبادرات التي أعادت مكتبة البصرة إلى الحياة بعد إحراقها خلال الحرب.

رحلة مع الكتاب

بعد إحالتها على التقاعد قبل سنوات، عادت عالية محد باقر المولودة بمنطقة المعقل وسط البصرة إلى مدينتها قادمة من كربلاء، لتتحدث عن رحلتها المهنية والإنسانية.

تقول "أكملت دراستي بقسم المكتبات في كلية الآداب بالجامعة المستنصرية ببغداد. عملت بعد تخرجي في عام 1977 إلى عام 1983 في مكتبة المعقل التي لم تعد موجودة منذ تسعينات القرن الماضي بعد أن أصبحت مقرا لأحدى الجهات الأمنية".

​​

وبين عامي 1989 و1994 اشتغلت السيدة باقر في مكتبات الناصرية، قبل أن تعود إلى البصرة لاستلام منصب أمينة المكتبة المركزية فيها.

وعن قصة إنقاذها جزءاً مهماً من مكتبة البصرة، توضح عالية محمد باقر في حديث إلى موقع (ارفع صوتك) إنه في "عام 2003 وفي بداية الحرب، عملت مع أربعة من موظفي المكتبة المركزية على حماية الكتب الموجودة فيها من خلال نقل عدد مهم وكبير منها إلى المطعم المجاور للمكتبة، بمساعدة صاحب المطعم الأخ أنيس الذي خصص مكاناً واسعاً لوضع الكتب فيه".

ما تفعله النار بالكتب؟

في الساعات الأولى بعد سقوط النظام العراقي السابق، عمّت الفوضى وأعمال السرقة والتدمير الواسع في البصرة.

تقول السيدة باقر عن تلك الأوقات الحرجة "كان الخوف هو أن تسرق الكتب خصوصاً مع وجود آلاف المخطوطات والمطبوعات التاريخية النادرة، مع العلم أن المكتبة استغلت من قبل المحافظ الأسبق إبان حكم نظام صدام حسين كثكنة عسكرية ومن هنا كانت مخاوفي على ضياع الكتب".

وتضيف "بعد أن دخلت القوات البريطانية إلى البصرة، أصبحت المكتبة مكشوفة ولذا قررنا مع عدد من الموظفين أن ننقذ ما يمكن إنقاذه من الكتب خوفا من السرقة، ولم يخطر على بالي أن يتم حرقها. وبالفعل عملنا على نقلها إلى المطعم المجاور للمكتبة ومن ثم نقلها إلى منزلي واستمرت هذه العملية 10 أيام".

25 ألف كتاب صارت رماداً

كانت المكتبة تضم ما يقارب 40 ألف كتاب بين مخطوطات وكتب نادرة ومهمة، لم يتبق منها سوى 15 ألفا بعد ان تم حرق المكتبة.

وتتابع أمينة المكتبة "كتبت صحافية أمريكية مقالة عن الموضوع، وصارت بعد ذلك قصة للأطفال ضمن كتاب، وترجمت إلى عدة لغات بعد نشرها كنموذج لبطلة عراقية".

وتوضح "لاحقا، قامت القوات الأجنبية بترميم المكتبة وأعدنا الكتب الموجودة لدّي إلى رفوفها".

وتختم حديثها بالقول "الكتاب الذي تم تأليفه عني انتشر في دول العالم ما عدا العراق للأسف الشديد، وهو يدرّس كما عرفت في مدارسهم هناك كموضوع عن التضحية والإيثار".

 

 

 

 

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.