في سوق الحي وسط مدينة الصدر شرقي بغداد، تتزاحم المئات من "البسطات" على أرصفة وشوارع المنطقة.
غير بعيد عن صورة السيد محمد صادق الصدر العملاقة التي تتوسط السوق، يفترش علي بسطته لبيع بضاعته المتواضعة من المواد البلاستيكية.
ورغم بساطة ما يبيعه لكنه مضطر لدفع مبلغ "عشرة آلاف دينار" لمن أسماهم "عناصر المكتب" (في إشارة إلى مسلحين ينتمون لمكتب الشهيد الصدر التابع للتيار الصدري).
يتساءل الشاب الثلاثيني الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط خشية على حياته: "أبيع هنا على باب الله، وفي كل أسبوع أدفع عشرة آلاف دينار للمكتب، لماذا؟ ماذا يقدمون لي؟"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "حجتهم تقديم الحراسة! عندما نسألهم حراسة ممّن؟ لا يجيبون".
يضطر علي لدفع المبلغ حاله حال المئات المتواجدين في هذا السوق "خشية من رجال يدعون انتمائهم إلى التيار الصدري"، في مدينة عرف عنها "النفوذ الواسع للمليشيات المسلحة".
لم تنجُ هذه البسطات التي باتت الملاذ الأخير للمئات من الخريجين كمشاريع مؤقتة تقيهم شر البطالة من "هيمنة مليشيات الأحزاب الدينية" كما يصف الشاب علي، وهو خريج كلية الآداب جامعة بغداد، ملوحا بحركة يد بسيطة إلى عدد من السيارات المضللة رباعية الدفع، ركنت في جوار مكتب السيد الصدر بأرقام حكومية.
القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي ينفي تورط مكتب الشهيد في مدينة الصدر بهذه القضية، موضحا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "مكتب السيد لا يتدخل بمثل هذه الأمور ولا يساوم الآخرين، لكن هناك أشخاص خارجين عن القانون يتحدثون باسم مكتب السيد الشهيد الصدر".
وفي مناطق شرق بغداد ينشط "أكثر من جناح مسلح تابع للحشد الشعبي"، وفقا للزاملي الذي يشير إلى "ضرورة إحالة هؤلاء الأشخاص (الذي يدعون انتمائهم لمكتب الصدر) للقضاء مهما كانت خلفيتهم السياسية والأمنية".
النفي أمر متوقع
لكن صاحب البسطة علي يعتبر موضوع النفي "أمرا متوقعا"، ويشير إلى أن "هذه المبالغ الزهيدة بمجملها تتحول إلى أموال طائلة لا يعلم مصيرها فيما بعد، ولا يمكن لأشخاص عاديين القيام بمثل هذه الجباية".
النفي كان حاضرا لدى أمانة بغداد أيضا.
يقول مدير إعلام الأمانة حكيم عبد الزهرة "الأمانة تقوم برفع المتجاوزين بين الفترة والأخرى لكن سرعان ما يعودون إلى نفس الأماكن".
تتعرض فرق رفع التجاوزات التابعة لأمانة بغداد إلى ردود أفعال مسلحة من قبل أصحاب البسطيات المتجاوزين على الأرصفة والشوارع، وفقا لعبد الزهرة، وهو ما يدفع بتلك الفرق إلى طلب إسناد من قبل قيادة عمليات بغداد.
ويوضح عبد الزهرة "نتعرض للمواجهة مع المتجاوزين باستمرار، لكن الحديث عن جهات مسلحة تحمي المتجاوزين هو حديث خالٍ من الصحة تماما".
مشهد داعش
ويختتم الشاب علي حديثه بالقول "عمي الله يخليك الدواعش ندري بيهم يأخذون خاوة من المصالوة قبل سنين، بس احنا شعدنا هنا بالمدينة؟".
يذكرنا علي بمشهد سابق، في فترة سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل، حيث كان عناصر داعش يفرضون "إتاوات على أصحاب المحلات والبسطيات المتنقلة"، كما يتذكر محمد اللهيبي.
ويروي لموقع (ارفع صوتك) "كان الدواعش يفرضون علينا ما يسموه جباية الدولة الإسلامية، وهي إتاوات تختلف قيمتها حسب المنطقة وحسب حجم المواد المباعة"، مضيفا "كانوا يقولون إنها لنصرة دولة الإسلام ولسد حاجات المجاهدين".
يقول محمد الذي يمتلك محلا صغيرا بناه في حديقة منزله بمنطقة المنصور في الجانب الأيمن من الموصل، "كنت أبيع مواد التنظيف وأدفع 25 ألف دينارا شهريا".
فيما يدعو الزاملي جميع الجهات إلى التعاون مع مكتب الشهيد الصدر لكشف المتورطين ومعاقبتهم، لـ"خطورة الموضوع" على حد قوله.