أطفال مصابون بالثلاسيميا في مستشفى الديوانية
أطفال مصابون بالثلاسيميا في مستشفى الديوانية

في العراق، هناك نحو 22 ألف مصاب بمرض "الثلاسيميا" وفقاً لوزارة الصحة.

العشرات منهم لا يستطيعون الحصول على العلاج اللازم لهم.

هذا النقص في العلاج دفع عشرات الأهالي للاعتراض في وقفة احتجاجية في الديوانية جنوب العاصمة بغداد منذ يومين.

خلال الوقفة، أشار أحد المحتجين إلى أن "الموت يهدّد نحو 500 مصابا بالمرض بسبب شحة الأدوية منذ ستة أشهر".

الخوف من التشوّه

في مستشفى الأمراض النسائية والأطفال بالديوانية، يتجمع عدد من المصابين بانتظار فرصة الحصول على علاج.

يقول أحدهم "نحن مرضى الثلاسيميا نحتاج للدم بشكل أسبوعي، نحتاج للعلاج الذي إذا لم يتوفر سنتعرض لتشوهات بالوجه".

الخوف من التشوّه همّ معظم الحاضرين.

تجلس إحدى المصابات في حضن والدها، يقول الأب بنبرة لا تخلو من القلق "المرض سبب في تشوه أشكالهم، ومشكلة العلاج أنه غير متوفر في الأسواق ليتمكن الشخص من شرائه".

يؤكد المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر وجود أزمة في العلاجات. ويقول "هناك وفد مكتمل من الوزارة سيذهب للتعاقد على دفعات جديدة من العلاج، خصوصا بعد اكتمال الموازنة العامة".

ويضيف لموقع (ارفع صوتك) "هناك شحنة من العلاجات المستوردة في طريقها إلى العراق".

ويعد أن الأزمة ستحل خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

​​

​​

ما هو الثلاسيميا؟

ينتج مرض الثلاسيميا عن خلل وراثي انحلالي، يؤدي إلى نقص حاد في إنتاج بروتينات خاصة في الدم تسمّى الغلوبين، وهي المكون الرئيسي للهيموغلوبين الموجود في خلايا الدم الحمراء.

ومادة الهيموغلوبين مسؤولة عن حمل الأوكسجين من الرئتين إلى مختلف أجزاء الجسم، وبالنتيجة يؤدي نقص الهيموغلوبين إلى فقر الدم (أنيميا)، وتكسّر سريع في خلايا الدم الحمراء، ونقص كمية الأوكسجين التي تصل أجزاء الجسم المختلفة.

ويؤثر مرض الثلاسيميا على عمر خلايا الدم الحمراء، حيث تحصل طفرة في مكونات الهيموغلوبين، ما يؤدي إلى تكسر هذه الخلايا. ويحاول الجسم تعويض النقص عن طريق زيادة التكاثر وبالتالي تصبح كثير من عظام الجسم مصنعاً للنخاع العظمي، ما يؤدي إلى انتفاخ جمجمة الرأس وتضخم الطحال والكبد.

​​

​​​نداء استغاثة

وكانت مفوضية حقوق الإنسان قد حذرت من تجاهل متطلبات مرضى الثلاسيميا الذين يعانون من فقدان العلاج منذ أشهر.

وأكّدت أنها تلقت مجموعة من الشكاوى ووصفت ذلك بالانتهاك الخطير لحقوق الإنسان.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أثار ناشطون ومدونون حملة "نداء استغاثة"، طالبوا فيها الحكومة بتوفير علاجات للمصابين.

​​

​​

أزمة صحية عراقية

نقص العلاجات وشحها أزمة حاضرة في محافظات أخرى وليس في الديوانية فقط. ففي ميسان جنوب العراق، نحو 500 حالة مرضية تعاني من الأزمة.

أم مروان من أهالي المحافظة تعاني ابنتها من الثلاسيميا. تقول المرأة التي تبدو أنها العقد السادس من عمرها "نعاني من نقص العلاج، كانت نسبة الحديد في دم ابنتي 500، والآن ارتفعت إلى 1500".

وتضيف في حديث لموقع (ارفع صوتك) "أحيانا نحصل عليه من الأسواق لكنه بأسعار مرتفعة".

ويصل سعر العلاج خارج المؤسسات الصحية الحكومية إلى ٤٠٠ دولار أميركي.

 

زواج خارج المحكمة

ويقول أخصائي الأمراض الانتقالية الدكتور نوفل جاسم مرتضى إن الوقاية من الثلاسيميا تكمن في الفحص قبل الزواج عبر الفحوصات الطبية المعنية.

هذه الفحوصات تكون بأمر قاضي المحكمة، إذ لا يستكمل إجراءات عقد الزواج ما لم تقدم وثيقة تثبت صحة الفحوصات الطبية، لكن الزواج خارج المحكمة (رجل الدين) وتزويج القاصرات، كانا سببين في تجاهل هذه الفحوصات، وبالتالي لارتفاع نسبة هذا المرض في العراق.

ويضيف نوفل في حديث لموقع (ارفع صوتك) "الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن البعض يتحايلون على المحكمة ويعمدون إلى تقديم فحوصات طبية غير صحيحة أو مزورة عبر دفع الرشاوي".

ويتابع "وفقا لنتائج الفحوصات الطبية، يتم تقييد زواج الذين من الممكن أن ينقلوا هذا المرض لأبنائهم".

ويشير إلى أن أهم التحديات التي تواجه المرضى تتمثل بعدم وجود مراكز متخصصة لعلاجهم في المحافظات العراقية كافة، لذا يضطر المرضى إلى زيارة العاصمة بغداد كل شهر تقريبا لتلقي العلاج.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.