الرئيس الفرنسي يصافح الرئيس العراقي أثناء حضوره مؤتمرًا صحفيًا في قصر الإليزيه في باريس
الرئيس الفرنسي يصافح الرئيس العراقي أثناء حضوره مؤتمرًا صحفيًا في قصر الإليزيه في باريس

عقب محادثات أجراها الرئيس العراقي برهم صالح مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتفق الجانبان على تسليم العراق 13 فرنسيا من مقاتلي داعش، ألقي عليهم القبض عليهم أثناء قتالهم في صفوف التنظيم في سوريا.

وأعلن صالح خلال مؤتمر صحافي، الإثنين 25 شباط/ فبراير، بعيد المحادثات، أنه ستتم مقاضاة المقاتلين الذين يتم تسليمهم إلى بغداد من قبل قوات سوريا الديموقراطية بموجب أحكام القانون العراقي.

​​

​​

خلاف وتوافق على المحاكمة

قرار تسليم الفرنسيين للعراق له معارضوه في فرنسا، الذين يشيرون إلى إن المحاكمة قد تفضي إلى عقوبة الإعدام المحظورة في فرنسا.

ويعاقب قانون مكافحة الإرهاب في العراق بالإعدام لكل من أدين بالتورط في أعمال إرهابية (المادة 4).

لكن فرنسا أصرّت على ضرورة محاكمة مواطنيها محليا بعد إلقاء القبض عليهم في سوريا أو العراق.

وشدد ماكرون على هذا الموقف الاثنين، قائلا إن "الأمر عائد لسلطات هذه الدول لاتخاذ قرار، بشكل سيادي، بشأن محاكمتهم هناك".

وأضاف "يحق لهؤلاء الأشخاص الاستفادة من حمايتنا القنصلية. وسيتم تقديم خدمتنا الدبلوماسية" لهذا الهدف.

يرى الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي أن الاتفاق الفرنسي العراقي "يرضي الجانبين (العراق وفرنسا)، ففرنسا ستتجنب التعامل مع عودة صعبة للمتشددين، وبالتالي، فإن بغداد قدمت لها خدمة".

يضاف إلى ذلك حجم ضغوط المنظمات الإنسانية التي ستدعو إلى محاكمة هؤلاء وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، وهذا أمر تخلصت منه فرنسا بموجب هذا الاتفاق.

والتحق أكثر 700 فرنسي بتنظيم داعش خلال السنوات الأربع الماضية (من بين 5000 مقاتل أوروبي)، لتحتل بذلك فرنسا الرتبة الأولى بين الدول الأوروبية.

وفي نهاية العام الماضي، قالت تقارير صحفية فرنسية إن مصير ما بين 250 إلى 300 من هؤلاء المقاتلين ما يزال مجهولا.

ويقول الهاشمي في حديث لموقع (ارفع صوتك) إن العراق لديه مرونة في استخدام ورقة عدم رغبة الدول الغربية بعودة مقاتلي داعش من جنسياتها "في عمليات الحصول على دعم لوجستي ودبلوماسي من أجل إعادة المناطق المنكوبة".

​​​

​​​​الموقف القانوني للمحاكمات

تشير المادة 53 من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي والمادتان 6 و9 من قانون العقوبات العراقي، والمادتان 14 و15 من القانون المدني إلى أن "كل الجرائم التي ترتكب على الأرض العراقية يكون للقضاء العراقي ولاية عليها".

ويقول الخبير القانوني علي التميمي إنه وفقا لتلك المواد "فإن كل من يرتكب جريمة أو أجزاء من الجريمة داخل العراق، يحاكمون في العراق وفق للقانون العراقي".

ويرجح أن يحاكم المقاتلون الفرنسيون وفق قانون مكافحة الإرهاب.

يوضح التميمي إذا أظهرت التحقيقات أن "جرائم هؤلاء العناصر أثرت على الوضع العام، وثبت انتماؤهم إلى تنظيم داعش، سيطبق عليهم قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 عام 2005".

​​

​​

الأدلة موجودة

ويفيد مصدر استخباري لموقع (ارفع صوتك)، رفض الكشف عن اسمه، أن "العراق يمتلك وثائق وأدلة على تنفيذ هؤلاء المقاتلين الفرنسيين لجرائم داخل أراضيه".

من جهته، يلفت الخبير بشؤون الجماعات المسلحة الهاشمي إلى أن "العراق استدعى هؤلاء من سوريا على اعتبار أن هناك وثائق وشهادات تؤكد أن هؤلاء الـ13 عنصرا قاموا بعمليات إرهابية".

ويضيف "العراق جرمهم على اعتبار أنهم قاموا بعمليات ضد القوات المسلحة والمدنيين في المنطقة الشمالية والشمالية الغربية من محافظة نينوى".

ويتوقع الهاشمي أن المحاكمة ستتم فقط على جرائم ارتكبت في العراق وليس لعملياتهم في سوريا، بحكم أن "قانون مكافحة الإرهاب العراقي يخص الذين ارتكبوا جرائم تصنف أنها إرهابية على الأراضي العراقية".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.