رجال فارون من الباغوز تتحقق قوات قسد من إمكانية انتمائهم لداعش/وكالة الصحافة الفرنسية
رجال فارون من الباغوز تتحقق قوات قسد من إمكانية انتمائهم لداعش/ وكالة الصحافة الفرنسية

في تموز/يونيو 2014، أعلن أبو محمد العدناني، لسان داعش الأفصح، قيام دولة إسلامية على أراض شاسعة بين العراق وسوريا.

تباعا، أعلنت مجموعات جهادية في مصر وليبيا وتونس ونيجيريا ومناطق أخرى ولاءها للتنظيم. بل، إن حركات "أعرق" مثل طالبان والقاعدة خسرت مناطق نفوذ لها في أفغانستان واليمن لصالح منشقين بايعوا البغدادي.

لكن كل هذا انتهى. حتى العدناني لم يعد موجودا بعد أن قتل بغارة أميركية في صيف سنة 2016.

والتنظيم الذي سيطر يوما ما على أراض بحجم بريطانيا تقريبا، لم يعد له سيطرة معلنة سوى على جيوب ضيقة من قرية صغيرة في سوريا قرب الحدود العراقية، قرية الباغوز التي لم يسمع بها الكثيرون من قبل، لكنها قد تدخل التاريخ قريبا على أنها آخر قلاع الخلافة.

​​

"أقل من كيلومتر مربع وعدة مئات من المقاتلين"، يقول أحد مقاتلي "قسد" لمراسل (الحرة) الموجود في الباغوز عن تحصينات داعش.

ما الذي حصل؟

بصورة تشبه كثيرا الطريقة التي صعد بها نجم أحد أكثر التنظيمات وحشية في التاريخ الحديث، أفل نجم التنظيم بسرعة فاجأت الكثيرين.

قاوم مسلحو داعش القوات العراقية حينما بدأت بشن هجوم مضاد يهدف إلى استرجاع الأراضي التي سيطر عليها التنظيم بعد 2014.

لكن بعد عام ونصف تقريبا، أعلن العراق تحرير آخر المناطق التي كان يسيطر عليها داعش.

وبتحرير الموصل، انفكت أغلب "الإمارات الداعشية" خارج سوريا عن سلطة الخليفة، بعد ان استشعرت الضعف في الرجل الذي لم يظهر وجهه سوى مرة واحدة فقط طوال مدة "خلافته" القصيرة.

ولم يبق للخليفة حينها سوى أجزاء متناثرة من جنوب شرق سوريا، بالإضافة بالطبع إلى عاصمته الرقة.

لكن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، قضمت مناطق نفوذه شيئا فشيئا.

وبتحرير الرقة، كان واضحا أن الخلافة انتهت تماما. لكن التنظيم دافع بشراسة عن آخر معاقله في دير الزور، وأوقع الكثير من الخسائر بين مقاتلي "قسد".

مع هذا، لم يستطع التنظيم أن يصمد طويلا. حاول دس مقاتليه مع آلاف المدنيين الذين نزحوا من مناطق القتال، لكن قوات قسد والتحالف الدولي اعتقلت الآلاف منهم، ومن بينهم أجانب وعرب من جنسيات متعددة.

هل انتهى الأمر فعلا؟

على الصعيد العسكري، ربما التنظيم تعرض لأكبر انتكاساته منذ تأسس. مقاتلوه مشردون في صحاري سوريا والعراق، ومصادر تمويله المعلنة انتهت، كما أن ترسانته من الدبابات والمدافع والرشاشات الثقيلة دمرت تماما، ومع أن خطر مسلحيه ما يزال قائما، وربما لمدة طويلة، لكن احتمالية نهوض داعش من جديد كتنظيم يسيطر على أراض شاسعة ضعيف جدا.

حتى مقاتلوه يبدون متعبين تماما، غير راغبين في القتال، ويظهرون بصورة كان التنظيم يحرص دائما على أن تظهر تسجيلاته الحماسية عكسها تماما.

​​فكريا، الأمر مختلف تماما. تظهر نساء التنظيم الشابات ثباتا أمام شاشات التلفاز وهن يتحدثن عن "دولة الإسلام" وعن "الخليفة حفظه الله".

تتعهد بعضهن بالاستمرار في "الجهاد" وهن يحاولن لملمة أطفالهن من مقاتلي داعش للبحث عن خيمة في صحراء سوريا الباردة.

"أدمغة مغسولة"، يقول البعض مطالبا بإعادة تأهيلهن وحماية الأطفال من الانزلاق في التطرف.

​​​لكن آخرين يطالبون باتخاذ إجراءات انتقامية قاسية من النساء، تصل إلى درجة "التوزيع على الإيزيديين كسبايا وجوار تعويضا عن نساءهم". هكذا!

​​ وهو ما حذرت منه منظمة العفو الدولية ضمن تقرير لها تناول وضع عوائل "يفترض ارتباطها بداعش" في العراق.

​​الخلافة انتهت. لكن مصير الخليفة غير معروف. ولم يصدر التنظيم أي بيان يشير إلى نواياه المقبلة، مع هذا، يبدو واضحا أنه عاد إلى أسلوب شن الهجمات والتراجع إلى مضافات ومكامن في الصحراء والتلال.

قبل ثلاثة أيام، شن التنظيم هجوما على مصفاة بيجي النفطية، وهي معطلة أصلا بسبب المعارك الشرسة التي شهدتها المنطقة طوال سنوات سيطرة التنظيم.

لم يعرف الهدف من الهجوم. لكنه أوقع ضحايا وأعقبه انسحاب لمسلحي التنظيم إلى مايعرف بـ"الجزيرة" وهي أرض صحراوية كبيرة تمتد بين كركوك وصلاح الدين وديالى والأنبار.

كما أن صيادين من النجف فقدوا خلال بحثهم عن الرزق في بحيرة الثرثار التي جعلتها خطورة الوصول إليها مليئة بالأسماك وخالية من منافسة الصيادين.

تقع البحيرة على بعد كيلومترات قليلة من الرمادي، ويعتقد أن داعش مسؤولة عن اختفاء هؤلاء الصيادين.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.