طبيبة في مستشفى ببغداد حيت يواجه الأطباء تهديدات واعتداءات ما يؤدي لتركهم البلاد بشكل جماعي/ وكالة الصحافة الفرنسية
طبيبة في مستشفى ببغداد حيت يواجه الأطباء تهديدات واعتداءات ما يؤدي لتركهم البلاد بشكل جماعي/ وكالة الصحافة الفرنسية

يشكو أطباء عراقيون داخل البلاد من تكرار تعرضهم للحوادث والانتهاكات من قبل المواطنين من ذوي المرضى، ما دفع العديد منه إلى الهجرة.

وبعد أن نُقل عن وزارة الصحة العراقية إعلانها أن 20 ألف طبيب هاجر من البلاد بسبب "الأجور والتهديدات"، عادت الوزارة لتوضح في اتصال مع موقع (ارفع صوتك) أن الرقم المنقول عنها "مبالغٌ به"، لكنها أكدت أن المهاجرين هم بالآلاف.

المتحدث باسم الوزارة سيف البدر كان أوضح أن "التهديدات والملاحقات العشائرية التي يتعرض لها الطبيب تعتبر عاملاً ثانياً للهجرة.. الطبيب يتعرض بشكل يومي لهذه الاعتداءات تبدأ باللفظ الشتم والقتل والتهديد العشائري" بسبب الأخطاء الطبية.

القضية ليست أجوراً 

لكن هناك من يؤكد أن تاريخ الطب في العراق يثبت وجود أطباء كبار وأساتذة مرموقين في هذا العلم رفضوا ترك البلاد والهجرة الى الخارج، ولَم تكن الأجور أو الحوافز سبباً يدفعهم لمغادرة الوطن، بحسب ما توضحه الطبية الأخصائية ندى الجبوري، النائبة السابقة في البرلمان والعضوة الحالية في المجموعة الاستشارية النسوية لممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق في حديث إلى (ارفع صوتك).

لكنهم أصبحوا تجّارا!

لكن هناك من يؤمن برأي بات مسموعاً على نطاق واسع في العراق، ألا وهو "تحول الأطباء إلى تجار"، كما يلفت إلى ذلك الكاتب والناشط المدني أحمد حميد البغدادي بقوله "الطب في العراق بات تجارةً مربحةً لمن يريد الخوض في هذا المجال. تسعيرة الكشف الطبي عالية جداً بالخصوص في مناطق العاصمة بغداد، إذ لا تقل عن 20 دولارا وتصل أحياناً الى 100 دولار بحسب نوعية الطبيب والكشف الطبي".

ليس هذا وحسب. ويكشف البغدادي في حديثه إلى (ارفع صوتك) عما يسميه "أشبه بالتحالف بين الطبيب والصيدلي، بشأن كميات الأدوية التي ينبغي استخدامها من قبل المريض. وضرورة شرائها من صاحب الصيدلية الذي يقطن في عيادة الطبيب الذي يتوجه له المريض".

هنا ثمة حاجة إلى تفعيل عمل نقابتي الأطباء والصيادلة "للإشراف على عمل هاتين الشريحتين بصورة مباشرة، وتحديد كشفية الطبيب بسعر موحد أو مناسب أو متقارب على الأقل. الكثير من الفقراء الذين لا يستطيعون مراجعة أطباء القطاع الخاص، نتيجة هذه الغلاء الفاحش، يذهبون مضطرين إلى مستشفيات القطاع العام، والأخيرة تعاني من حالات مزرية على مستوى الاختصاصات الطبية وعلى مستوى التعامل وحتى على مستوى النظافة".

في بغداد، أصبحت الشوارع تكنى باسم الأطباء كما في مناطق الكرادة والحارثية والسعدون وبغداد الجديدة، وغيرها من المناطق البغدادية، نتيجة نجاح استثمارات القطاع الطبي الخاص، والإقبال الكثيف على تلك العيادات مع ضمور العيادات الشعبية الحكومية، جراء التردي الحكومي المزمن في البلاد.  ولا ننسى غلاء الأدوية الفاحش في أغلب صيدليات العاصمة وغيرها من المحافظات، خصوصاً في محافظات الفرات الأوسط، وتحديداً في كربلاء والنجف وبابل، ينهي البغدادي حديثه.

الخطف والقتل

عامل مؤثر آخر في ملف هجرة الأطباء تشير إليه الدكتورة الجبوري، فقد أصبح الخطف والقتل العاملين الأشد قوة بعد 2003 لدفع الأطباء إلى الهجرة حفاظاً على سلامتهم من خطر كان يحدق بهم بشكل يومي ومنهجي.

"كنت طبيبة اخصائية في مؤسسة مدينة الطب تعرضت للخطف، وعلى أثرها تركت العمل لأكون طبيبة في وزارة الصحة بالمملكة الأردنية الهاشمية لمدة أكثر من سنتين"، تقول الجبوري.

وتلفت إلى أن ما تعرض له الأطباء لم تستطع الحكومات المتعاقبة وقفه أو التخفيف منه، مؤكدة "في المناطق المحتلة من داعش تعرض الأطباء للعمل القسري وتحت تهديد السلاح وكذلك للقتل، بالتالي هناك جيلٌ من الأطباء الشباب اللذين يسعون الى الاختصاصات الطبية المختلفة والتي من الصعب تحقيقها بدون هجرة لعجز الجامعات في تحقيق هذه الامتحانات المطلوبة لهذه الاختصاصات في العراق، وبعد السفر لنيل شهادة اختصاص يبدأ العمل بمؤسسة طبية متقدمة علميا من الصعب تبديلها بمستشفى داخل العراق هي في حقيقتها أقرب إلى كراجات السيارات".

قانون العشيرة لا قانون الدولة

ويبقى موضوع الفصل العشائري في حالة حصول مضاعفات طبية أثناء العلاج أو بعد إجراء العمليات الجراحية أو وفاة المريض السبب الرئيسي لهجرة الأطباء لـ"شعورهم أنهم يعيشون في قانون العشيرة وليس قانون دولة رصينة"، تختم الجبوري حديثها لموقعنا.

ويحيل الأستاذ بكلية التقنيات الصحية والطبية ببغداد الدكتور مضاء محمد صالح ظاهرة الاعتداءات الجسدية والأحكام العشائرية التي يتعرض لها الأطباء إلى عنف اجتماعي متصاعد.

"نحن نعيش في بغداد. ولا يمر يومٌ إلا ونسمع بحالة ضرب وإهانة واعتداء بحق الأطباء في المستشفيات العامة وهم يمارسون مهنتهم الإنسانية في مجتمع مستذئب ويتعرضون أحيانا للقتل أو دفع الدية (الفصل) لأسباب في معظمها ليس بها أي وجه حق لذوي مريض قد قضى نحبه في المستشفى".

الدكتور صالح يؤكد "غياب أي رادع يحمي الطبيب ويوفر له فرصة حقيقية في الدفاع عن نفسه وعن حقه فيضطر في معظم الأحيان إن لم تكن له عشيرة قوية أو حزب نافذ يحميه ان يذعن للباطل خوفاً على حياته من بطش الجبارين ويضمر ما نوى عليه بمغادرة أرضه وأرض آبائه وأجداده والهجرة إلى بلد يعرف قيمته الإنسانية والمهنية".

 

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

من عروض مسرح الدمى في الموصل
من عروض مسرح الدمى في الموصل

تسعى مؤسسة "السلام المستدام" وهي مؤسسة عراقية غير حكومية، عبر استخدام مسرح الدمى الى إعادة تأهيل الأطفال في الموصل وتخليص أذهانهم من الاثار النفسية للحرب والدمار.

وأطلقت المؤسسة في 5 سبتمبر الحالي مبادرة "مسرح الدمى" التطوعية عبر عرض مسرحي للدمى بالتعاون مع المخرج عادل العمري، بمشاركة أكثر 50 طفلاً تراوحت أعمارهم ما بين 5-12 عاما، وشملت المبادرة التي نظمت في الجانب الأيمن من الموصل تقديم مجموعة من النشاطات الفنية للأطفال المشاركين وجميعهم من وجميعهم من جانب المدينة، الذي مازال يعاني من دمار الحرب.

ويقول مدير مكتب مؤسسة "السلام المستدام" في مدينة الموصل، مهند حازم محمد، لـ"ارفع صوتك" أن فكرة المبادرة هي لـ"نشر السلم المجتمعي والتماسك المجتمعي عن طريق البذرة الأولى وهي الأطفال، لذلك هذه المبادرة تعمل على تنمية قدرات الأطفال وتوعيتهم عبر الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها بشكل عام والاماكن المخصصة للعب بشكل خاص"، مشيرا الى أن المؤسسة تهدف الى صناعة مسرح ثابت للدمى داخل مقرها أو مقر مركز قليتا للتنوع الثقافي، التابع للمؤسسة الواقع في الجانب الأيمن من الموصل.

وعاش أطفال الموصل أوضاعا إنسانية صعبة في ظل الخوف والجوع  خلال أكثر من 3 سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مدينتهم، ومازالت مخيلة الأطفال الذين عاصروا التنظيم تحتفظ بمشاهد القتل والتعذيب، الذي كان مسلحو داعش ينفذونها في الموصل ضد أهالي المدينة والمناهضين لـ"داعش"، الى جانب عمل التنظيم الإرهابي  عبر مكاتبه الإعلامية التي كانت منتشرة في احياء المدينة  على نشر فكره بين الأطفال وغسل ادمغتهم، ولم تتوقف مأساة الأطفال هنا، بل زادت عمقا وسط الدمار الذي خلفه التنظيم والمعارك التي شهدتها المدينة للتخلص منه. وكانت للموصل القديمة من اعمال التدمير حصة الأسد لأن المعارك النهائية لتحرير المدينة تركزت فيها.

فريق مسرح الدمى في مؤسسة "السلام المستدام"

ويوضح محمد أسباب تركيز المبادرة على الموصل القديمة، "استهدفت المبادرة المدينة القديمة وتحديدا حي سوق الشعارين المحاذي لجامع النبي جرجيس لان هذه المنطقة عانت ما عانته من دمار ولا توجد فيها ساحات أو مناطق مخصصة للعب الأطفال. تحتوي فقط شوارع، وغالبا أطفال هذه المنطقة يلعبون في الشوارع، لذلك ركزنا على موضوع لعب الأطفال في الأماكن الآمنة".

وتستعد المؤسسة حاليا لتنظيم 3 عروض مسرحية أخرى ضمن مبادرة مسرح الدمى، يشمل الأول التوعية بالنظافة الشخصية، والثاني موضوع القلم والممحاة الذي يحتوي على رسائل حول اهمية الكتابة والقراءة بالنسبة للطفل، واما الثالث سيكون عن النزوح وتأثيره على تنشئة الأطفال وفهم أهمية الاهتمام بالآخرين والاهتمام بالعائلة والقيم وبر الوالدين.

 وتعمل المؤسسة على ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي من خلال عرض مسرحيات دمى، التي تهتم مواضيعها بالتعايش السلمي والسلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية والعنف.

ويضيف محمد "نخطط لمسرح ثابت بأدوات ثابتة وبالتعاون مع أكاديميين متخصصين في مجال مسرح الدمى لتوعية هذا الجيل كي نبدأ بداية صحيحة للنهوض بواقع المدينة وحماياتها من أي فكر يؤذيها ويدمرها".

ويؤكد محمد على أن مشروع المسرح الثابت سيتضمن تصوير مسرحيات الدمى التي تعرض، ومن ثم نشرها على الانترنت ليشاهدها الأطفال في كافة أنحاء العالم وليس فقط الموصل، و"يرى العالم أن هذه المدينة التي كانت منكوبة قادرة على الرجوع لدورها الأساسي".

وفي منتصف يوليو عام 2017 عندما كانت معارك تحرير مدينة الموصل تقترب من الانتهاء، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسف" في بيان أن "جراح الأطفال الجسدية والنفسية العميقة سوف تستغرق وقتاً أطول لتلتئم. وقد تكبد نحو 650,000 طفل من الصبيان والبنات الذين عاشوا كابوس العنف في الموصل، ثمناً باهضاً وعانوا الكثير من الأهوال على مدى 3 سنوات".

وتؤكد المتخصصة في علم النفس هاجر العبدالله الزبيدي، على أن مبادرة مسرح الدمى ولعب الأطفال يعززان من قدرة الطفل على فهم البيئة المحيطة به.

وتضيف الزبيدي لـ"ارفع صوتك": "لهذه النشاطات تأثير كبير جدا يُسهم في تقوية ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على حلّ المشاكل التي يمكن أن تعترض سبيله لوحده من خلال مساعدة دميته والتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها".

وتشير الزبيدي الى حاجة أطفال الموصل للدعم والمساعدة من أجل التخلص من الصدمات التي تعرضوا لها والتخلص من الماضي واثاره وهذا يكون "عبر إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع عبر مجموعة من الوسائل كممارسة الألعاب ومنها الدمى ومشاهدة المسرحيات وغيرها من الوسائل الترفيهية".