من مقهى للإنترنيت ببغداد في أيلول/سبتمبر 2003.
من مقهى للإنترنيت ببغداد في أيلول/سبتمبر 2003.

كتب: علي عبد الأمير

قبل ثلاثين عاماً، قدم مهندس برمجيات باللغة الإنجليزية اقتراحا "غامضاً ومثيراً" إلى رئيسه حول نظام لإدارة المعلومات، سيعرف لاحقا باسم شبكة الويب العالميةWorld Wide Web.

كان المهندس تيم بيرنرز لي في أوائل الثلاثينيات من عمره عندما قدم الفكرة في العمل، وهو مختبر للفيزياء في سويسرا.

لم يتم التعاقد معه لإنشاء نظام اتصال عالمي. لقد ترك الفكرة جانبا ببساطة، لأنه لاحظ عدم الجدية في التعامل مع اختراعه الذي غيّر العالم كليا في وقت لاحق.

اليوم، يقدم نصف سكان العالم معطياتهم الروحية والمادية على الإنترنت، عبر حوالي ملياري موقع.

وللعراقيين حصة من هذا الحضور. 

الإنترنت في العراق بعد حرمان وتعسف

من بلاد محكومة بالعزلة وثقافة كراهية الآخر ومنع الاتصال به إلى بلاد منفتحة حد الفوضى. هذا التحول في العراق في الشهور الأولى بعد سقوط النظام الديكتاتوري في 2003، أخذ ملامح الانفتاح الإعلامي والاتصال من دون رقيب عبر شبكة الإنترنت التي انتشرت مقاهيها في بغداد حتى بلغت نحو 100 في ظرف ثلاثة أشهر، بعد أن كان عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وتحت رقابة أمنية مشددة قبل 2003.

هذا الانفتاح شجّع الشباب العراقيين ليكونوا زبائن دائمين لمقاهي الإنترنت، خصوصاً في أحياء بغداد الرئيسة. ففي حي المنصور افتتح حتى صيف 2003 أكثر من 15 مركزاً.

منذ افتتاحها، استقطبت هذه المراكز الطلبة الجامعيين والأساتذة، وخصوصا الشباب.

ويبدو أن البحث عن فرصة عمل يمثل واحدا من الدوافع الأساسية للشباب لزيارة مقاهي الإنترنت، فأغلبهم بدأ يستخدم الإنترنت للبحث عن فرص عمل، والبحث عن مواقع يقدمون لها معلومات شخصية عن تحصيلهم الدراسي وسيرهم الذاتية، وبعضهم حصل على عنوان بريد إلكتروني لتسلّم رسائله من الجهات التي خاطبها.

وكان الحصول على المعلومات الجديدة التي حرم منها العراقيون سابقا دافعا اساسياً، فالإنترنت أضاف معلومات جديدة لذاكرة الأجيال الشابة وزوّدها بمعارف عجزت جامعاتهم ومراكزهم العملية والعلمية سابقاً عن توفيرها.

من بين أول مراكز الإنترنت ببغداد بعد نيسان/ أبريل 2003، كان المركز الذي يديره عمران الجادرجي في حي المنصور، وكان يزوره يومياً أكثر من سبعين شخصاً معظمهم من الشباب.

كان دوام المركز من الساعة التاسعة صباحاً وحتى التاسعة ليلاً، ومن بين زبائنه شابات وموظفات وجامعيات، جاء ترددهن على المركز مؤشراً على رغبة في المعرفة والاطلاع.

مؤسس المركز يقظان الجادرجي كان يبشر بلون جديد للحياة مع الإنترنت. "المواقع ذات فائدة كبيرة، ومنهجي في العمل هو عدم وضع أي رقيب، بل منح الشباب حريتهم الكاملة في اختيار أي موقع يرغبون الاطلاع عليه، الرقابة يمكن ان تخلق ردود أفعال عكسية، والصحيح هو انتهاج الشفافية في التعامل مع الشباب".

أبواب مفتوحة

تجربة معظم مراكز الإنترنت في بغداد اعتمدت الحرية في تعاملها مع الشباب الذين يزورون المركز يومياً. حيث خدمة الدردشة والرسائل الصوتية، بل حتى الرسائل المصورة وإن كانت محدودة لكن الطلب على هذه الخدمة كان كبير جداً.

انقطاع التيار الكهربائي كان يثير استياء الشباب الذين يخرجون في انتظار عودة التيار، ويتحدثون فيما بينهم عن مواقع الإنترنت وما اكتشفه كل واحد منهم.

هناك من وجد في مراكز الإنترنت فرصة للتعرف على أصدقاء جدد، بعدما كان الأمر صعبا سابقاً لارتفاع أسعار خدمات الإنترنت ومواقعه الحكومية المراقبة بشدة.

مبكرا، في تلك الأيام من 2003 بدا العراقيين من أكثر الشعوب تعلقاً بالإنترنت، نظراً لحرمانهم من هذه الخدمة الاتصالية المهمة في السابق، حيث كانت هناك خدمة محدودة أولا وسيئة النوعية ثانياً وخاضعة للرقابة من قبل أجهزة نظام صدام الأمنية.

مراكز الإنترنت في بغداد التي تزايدت في صيف 2003 كانت تجربة ناجحة شجّعت بعض أهالي المحافظات لتأسيسها وفتحها هناك، فكانت الحلة وكربلاء والموصل والبصرة أولى المدن العراقية التي وفرت خدمة الإنترنت للمرة الأولى بلا رقيب، باستثناء ضوابط الحياء، وخشية توجيه النقد من قِبل عامة الناس.

نبض العراق والعالم

ومع تصاعد مؤشرات التداول الحر للأفكار وتوسع مصادر الحقيقة في العراق عقب نهاية الديكتاتورية، توسعت شركات خاصة بخدمة الإنترنت المرتبطة بالأقمار الصناعية، قبل أن تبدأ مؤسسات حكومية بتوفير الخدمة في الأعوام التالية، ولكن الأخيرة ظلت سيئة النوعية ويشكو منها العراقيون كثيراً.

بعد 16 عاما من دخول الانترنت إلى البلاد، صارت الشبكة الدولية متداولة لا على ملايين أجهزة الكومبيوتر فقط بل ملايين الهواتف النقالة، وتضع الناس بتماس مباشر مع نبض الوطن والعالم.

 

 

 

 

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

مئات القتلى والجرحى في حريق بحفل زفاف شمالي العراق
مئات القتلى والجرحى في حريق بحفل زفاف شمالي العراق

"بغضون ثوان قليلة اشتعلت الصالة"، حفل زفاف تحول إلى مأتم شعبي ونشر الحزن في كافة أرجاء العراق، بعدما اندلع حريق ضخم أسفر عن مقتل وإصابة المئات في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، نتيجة اشتعال النار في قاعة حفلات كان يقام فيها الحفل بمنطقة الحمدانية.

ويقول العضو السابق في مجلس محافظة نينوى، سعد طانيوس، والذي كان حاضرا لحظة وقوع الكارثة: "العريسان كانا يرقصان وسط الصالة، ومن ثم أطلقت المفرقعات النارية التي وصلت شرارتها إلى السقف، لينشب حريق ضخم بثوان".

التسابق نحو المخرج

وأضاف طانيوس، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "القاعة اشتعلت بشكل سريع ومرعب، والسقف وقع على رؤوس الحاضرين"، مشيرا إلى أن "الأمر ازداد سوءا بعدما انقطعت الكهرباء في وقت كان الجميع يتزاحم للوصول لباب المخرج وهو واحد مع الأسف (..) هناك ناس تحت الركام".

ونقل مراسل "الحرة" عن شهود عيان قولهم إن الحريق اندلع بعد استخدام بعض المدعوين ألعابا نارية داخل قاعة الزفاف.

وأعلنت مديرية الدفاع المدني في نينوى في وقت سابق إطفاء الحريق بشكل كامل وإخراج كافة الضحايا من القاعة، لكن الناشط الذي يشارك في تنسيق عمليات الإغاثة في المدينة، صقر آل زكريا، رجح في حديثه لموقع "الحرة" تواجد ضحايا تحت الركام.

وقال زكريا إن "جميع سكان مدينة بغديدا خسروا أقارب في الحريق".

ومدينة بغديدا التي تقع في قضاء الحمدانية في محافظة نينوى هي مدينة تعيش فيها أغلبية مسيحية، وأغلب عائلاتها تربطها صلات قرابة وثيقة ببعضها البعض.

وأوضح طانيوس أن "من كان قريبا على باب المخرج تمكن من الهرب حيّا، أما من كان على الطاولات الخلفية فتوفي نتيجة الاختناق أو اشتعال الجسد"، صامتا لثوان: "الألم كبير جدا، نينوى والعراق في حالة صدمة كبيرة".

وبحسب المتحدث باسم الدفاع المدني جودت عبد الرحمن فإن ما تسبب بهذا العدد الكبير من الضحايا هو أن "مخارج الطوارئ كانت مغلقة، والمتبقي باب واحد هو الباب الرئيسي لدخول وخروج الضيوف".

وأضاف لوكالة فرانس برس أن "معدات السلامة غير ملائمة وغير كافية للمبنى" ما فاقم أيضاً من حدة الأعداد.

ومن بين الجرحى رانيا وعد (17 عاما) التي أصيبت بحرق في يدها ونقلت إلى مستشفى الحمدانية مع شقيقتها المصابة أيضاً لتلقّي العلاج. 

وقالت الشابة لوكالة فرانس برس: "(..) اختنقنا ولم نعد نعرف كيف نخرج"، مشيرة إلى أنّ عدد المدعوين إلى حفل الزفاف "كان كبيراً جداً".

التحقيقات جارية لمعرفة الأسباب 

وعن السبب الذي أدى إلى هذه الشرارة، يقول طانيوس: "السقف يتكون من مواد سريعة الاشتعال، لأن الشرارة التي وصلت إلى السقف أدت إلى كل هذا الضرر الكبير". 

وقال الدفاع المدني العراقي إن "قاعة الأعراس مغلفة بألواح الكوبوند سريع الاشتعال والمخالفة لتعليمات السلامة والمحالة إلى القضاء حسب قانون الدفاع المدني المرقم 44 لسنة 2013 لافتقارها إلى متطلبات السلامة من منظومات الإنذار والإطفاء الرطبة في منطقة الحمدانية بمحافظة نينوى".

وأضاف أن "الحريق أدى إلى انهيار أجزاء من القاعة نتيجة استخدام مواد بناء سريعة الاشتعال واطئة الكلفة تتداعى خلال دقائق عند اندلاع النيران".

ووفقا لمصدر تحدث للحرة في تقرير سابق، فإن "ما ساهم في الحريق هو كون الجدران مصنوعة من مادة سندوتش بنل (...) والسقوف والجدران مغطاة بستائر قماشية للزينة، وقد أسهمت أيضا بانتشار الحريق بسرعة".

بدوره، دعا الرئيس العراقي، عبد اللطيف رشيد، الأربعاء، إلى فتح تحقيق بحادثة حريق الحمدانية التي خلفت مئات القتلى والجرحى.

وأعلنت وزارة الداخلية العراقية إصدار أوامر قبض بحق 4 من أصحاب قاعة الأعراس في الحمدانية.

في المقابل، حاول موقع "الحرة" التواصل مع محافظ نينوى،نجم الجبوري، لمعرفة التهم الموجهة إلى هؤلاء الأربع أشخاص وعمّا إذا كان سبب الحريق هو مواد البناء المستخدمة أم خطأ في تجهيز وتنظيم الحفل، إلا أنه لم يجيب.

لكن المتحدث باسم الداخلية العراقية، خالد المحنا، قال في حديث لقناة "الحرة" إن "الحادث يتعلق بالإهمال وعدم اتباع إجراءات السلامة"، مشيرا إلى أنه "تم التحفظ على عدد من الأشخاص على خلفية الحريق". 

بدوره، يشدد سعد منصور، وهو صحفي من نينوى، على أن "أهالي المنطقة يحمّلون المسؤولية لصاحب القاعة التي تخالف السلامة العامة، وغير المجهزة بمواد بناء تقاوم الحرائق، وحتى أن اشتعال النيران أدى إلى ما يشبه الانفجار داخل القاعة". 

وكان قائد عمليات نينوى قد أعلن أنه لم يتم إلقاء القبض على صاحب القاعة بسبب فراره بعد وقوع الحادثة، بحسب مراسل الحرة. 

من جانبه،  أعلن رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني "الحداد العام في جميع أنحاء العراق 3 أيام".

كما أعلن محافظ نينوى الحداد وتأجيل الاحتفالات الخاصة بمناسبة مولد الرسول حتى إشعار آخر.

وأعلنت دائرة صحة محافظة نينوى، تسجيل مئة حالة وفاة وأكثر من 150 مصابا كحصيلة أولية جراء حادثة حريق قاعة الأعراس في قضاء الحمدانية بمحافظة نينوى، فيما لفت المحنا إلى أن هناك " 93 قتيلا". 

حالة الجرحى 

وعن حالة الجرحى في المستشفيات، يقول  طانيوس إن "الحالات حرجة والكوادر الطبية تحاول خدمة الجميع".

وأعلنت وزارة الصحة بدورها عن "استنفار دوائر الوزارة في محافظة نينوى والدوائر المجاورة لها لإسعاف وعلاج المصابين" و"إرسال شحنات تعزيزات طبية من بغداد والمحافظات الأخرى".  

وقال النائب عن محافظة الموصل، أحمد الجبوري، في تصريح لقناة "الحرة"، إن مستشفيات الموصل الحكومية والاهلية والقطاع الخاص قاموا بواجبهم على أكمل وجه تجاه حريق الحمدانية، والعلاجات الآن متوفرة في مستشفى الحروق الذي يضم حالات حرجة ومتوسطة.

وأضاف: "مستشفيات المحافظة استقبلت حالات حرجة عدة، تم نقل جزء منها الى إقليم كردستان لإستكمال العلاج"، مشددا على أن "هناك لجنة تحقيقية شكلها رئيس الوزراء للوقوف على الحقائق ننتظر نتائجها وتشخيص المقصر ومحاسبته".