أعلنت محكمة تحقيق الموصل عن توقيف تسعة أشخاص من المستثمرين والعاملين في الجزيرة السياحية بالموصل من بين 11 شخصا صدرت بحقهم أوامر إلقاء قبض، بعد حادث غرق العبّارة الذي أودى بحياة نحو 100 شخص حتى الآن.
وشملت مذكرات القبض مالك العبّارة والمسؤولين عن مرفق الجزيرة السياحية، فضلا عن عدد من العاملين في الجزيرة.
وكانت هناك إجراءات قضائية سريعة بعد توجيه رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي بفتح تحقيق في حادثة غرق العبّارة.
تفيد نتائج التحقيق الأولية بأنه رغم تحذيرات وزارة الموارد المائية العراقية قبل أيام قليلة للقاطنين بقرب نهر دجلة من ارتفاع منسوب النهر، بسبب فتح بوابات سد الموصل، إلا أن إدارة الجزيرة لم تصغِ لتلك التحذيرات.
ويقول الخبير البيئي مروان حميد إن الأسباب التي أدت إلى غرق العّبارة عديدة، أولها "ارتفاع منسوب مياه نهر دجلة لأكثر من (٦) أمتار نتيجة الأمطار الغزيرة".
وتم رفع تعداد الإطلاقات المائية الخارجة من سد الموصل إلى (١٤٠٠) بدلاً من (١٠٠٠) إطلاقة، لتصريف المياه الضاغطة التي قد تؤدي إلى انفجار السد.
مئات اللجان التحقيقية
رئيس الوزراء عبد المهدي أبدى جديته هذه المرة بمحاسبة المقصرين، استنادا إلى ما سيصدر من اللجنة التحقيقية.
لكن على مواقع التواصل الاجتماعي كان هناك انتقاد لقرار رئيس الحكومة بتشكيل اللجنة.
يشير مدونون إلى إن أسماء المقصرين معروفة، والسبب الحقيقي هو الفساد الحكومي الموجود في المحافظة.
فيما يقول آخرون إن نتائج هذه اللجان ستسوّف، حالها كحال العديد من اللجان التي سوّفت نتائجها سابقا.
ويسخر حسام أحمد، وهو مستشار قانوني، من كل تصريحات ووعود المسؤولين والجهات الحكومية بشأن تشكيل لجان للتحقيق ومحاسبة المقصرين.
ويقول حسام الذي كان متواجدا أثناء حادث غرق العبارة لموقع (ارفع صوتك) إن "الحادث نتيجة متوقعة من جشع وطمع الذين يقدمون الخدمات الترفيهية للناس، خصوصا في الأعياد والمناسبات. أصبح هؤلاء الناس ضحية إهمال الجهات الحكومية المعنية بالرقابة والمحاسبة".
ويشكك المستشار القانوني بقدرة الأجهزة الأمنية على معاقبة ومحاسبة المتهمين بالحادثة، مضيفا "لقد مررنا بحوادث ومصائب ومجازر كثيرة، وكانت النتيجة الاستنكار والتعازي والحداد فقط، بينما الجناة يختفون بقدرة قادر".
ويتابع أن الجناة سيعمدون كالعادة إلى "استخدام الرشاوي لإغلاق ملف الجرائم، كما حدث ويحدث، لأن الفساد المالي والإداري قد وصلا مرحلة لا يمكن التخلص منهما بسهولة"، حسب قوله.
لجنة سقوط الموصل
ومن بين اللجان التي شكلت سابقا، لجنة التحقيق بقضية سقوط الموصل بيد داعش في حزيران/يونيو 2014.
ورغم "حجم الكارثة الكبير حينها" كما يصف المحلل السياسي معن الجبوري، إلا أن اللجنة "لم تخرج بنتائج ملموسة، ولم يتم محاسبة المتسببين بسقوط المدينة".
لكن رئيس لجنة التحقيق بسقوط الموصل النيابية حاكم الزاملي يحمل الحكومة التنفيذية والسلطة القضائية مسؤولية عدم التعامل مع نتائج لجان التحقيق.
ويوضح الزاملي في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن نتائج التحقيق التي خرجت بها اللجنة "أدانت المتورطين بسقوط الموصل وكانوا تقريبا 36 شخصا بدءا بالقائد العام للقوات المسلحة ومرورا بالقادة الأمنيين والمحافظ والمسؤولين الحكوميين".
ويتابع "نحن أنجزنا التحقيق وأحلنا النتائج إلى الحكومة التنفيذية والقضاء، لكن تلك الجهات لم تأخذ بتلك التوصيات".
المال السياسي أقوى من اللجان
يعتبر الزاملي وهو رئيس لجنة الأمن والدفاع في الدورة البرلمانية السابقة، أن "المصالح السياسية والمال السياسي هما وراء تسويف النتائج التي تصدر عن لجان التحقيق"، مضيفا أن الصراعات السياسية أيضا لها عامل مهم في فشل النتائج التي تصدر عن اللجان".
في المقابل، يشير الخبير الأمني هشام الهاشمي إلى أن ملف التحقيق بحادث العبّارة سيكون فيها فرق واضح عن اللجان السابقة التي "لم نقف على نتائجها لا بشفافية ولا ببحث استقصائي"، متوقعا أن تنتهي التحقيقات بمحاسبة حقيقية للمقصرين.
ويقول الهاشمي إن "هذه اللجنة فيها الكثير من الإنجاز المباشر منها مذكرات القبض التي صدرت، وإلقاء القبض على 9 متهمين من أصل 11 متهما صدرت بحقهم أوامر إلقاء قبض"، مضيفا في حديث لموقعنا "هذا على عكس اللجان السابقة التي انتهت بالتسويف أو إخفاء نتائجها".
ويعتبر الهاشمي أن تفاعل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي "لن يسمح هذه المرة بتسويف النتائج".
الأمان والسلامة
ولا تتوقف أسباب غرق العبارة عند الفساد والاهمال الحكومي، بل إن غياب شروط السلامة في العبارة لعب دورا في حجم الخسائر البشرية.
يعلق الزاملي "في كل دول العالم يجب أن تحوي العبارات المائية والزوارق على ستر نجاة، وهذا لا يوجد في العبّارة التي غرقت"، مضيفا أن هذا الموضوع "تتحمل مسؤوليته الحكومة المحلية التي يتوجب عليها مراقبة الموافق السياحية في المحافظة".
ويتابع الزاملي "محافظ الموصل هو من يتحمل المسؤولية، ولا يحتاج رئيس الوزراء إلى تشكيل لجنة للتحقيق تسيّف ولا تصل إلى نتائج".