كتب: علي عبد الأمير
قبل أشهر قليلة كان العراق أسير موجة جفاف حادة جاءت على نحو نصف أراضيه الصالحة للزراعة، بينما ومنذ أسبوع تقريبا تجتاح العراق موجة فيضان عارمة تمتد من شماله إلى جنوبه.
هل هو التغير المناخي؟ أهو سوء إدارة المياه وتقادم البنى التحتية في الموارد المائية من سدود ونواظم تصريف؟ أم في سياسات دول المنبع (تركيا وإيران) التي تجد في ضعف العراق فرصة تحقيق مكاسب على حسابه، ما أدى إلى انخفاض نسبة الموارد المائية للعراق إلى النصف بحسب ما أورده مستشار وزارة الموارد المائية ظافر عبد الله لـ "موقع الحرة".
قد تكون تلك الأسباب مجتمعة معاً في ذلك التطرف المناخي الحاد من الجفاف إلى الفيضان.
بلاد الرافدين عطشى!
في الجفاف الذي تزامن مع الصيف الماضي، انخفضت حصة العراق من المياه إلى النصف تقريبا بعد أن يحصل على 70 مليار متر مكعب، ومن المتوقع أن تصل إلى 17 مليار متر مكعب فقط بحول 2025، وقد يصل العراق إلى الجفاف الكامل بحلول 2040، وتراجعت حصة الفرد العراقي إلى ألفي متر من المياه بعد أن كانت تفوق ستة آلاف متر سنويا، وذلك حسب البنك الدولي.
وفيما تحمل الحكومة العراقية بقوة في أزمة المياه على تركيا لكنها تغض النظر عن حليفتها الإيرانية، فمن الجانب الشرقي من الحدود العراقية كانت إيران قد سبقت تركيا في محاولات استنزاف مياه نهر دجلة وأغلقت الكثير من روافد النهر إلى العراق منذ سنوات بسبب توسيع استصلاح الأراضي الزراعية، حيث يوجد 42 رافدا ونهرا مشتركا بين العراق وإيران يصب بعضها في نهر دجلة والبعض الآخر في منطقة الأهوار وشط العرب جنوبا.
وقام الإيرانيون ببناء سدود قبل دخولها الحدود العراقية كما حولوا مجرى بعض الأنهر المتجهة إلى العراق وأعادوها إلى الأراضي الإيرانية.
مياه عالية تغرق مساحات واسعة
في الربيع الحالي ارتفع منسوب المياه في اثنين من أكبر سدود العراق على نهري دجلة والفرات بعد موسم أمطار غزيرة شهدتها البلاد. كما أنعشت وفرة المياه الحياة في منطقة الأهوار والمناطق الزراعية في وسط وجنوب البلاد.
فكمية المياه المخزونة في أكبر السدود على دجلة والفرات، وهما "الموصل" و"حديثة"، بلغت 27 مليار متر مكعب بعدما كانت لا تتعدى ثلاثة مليارات. ودعا خبراء عراقيون في إدارة المياه إلى وضع خطط لتوفيرها وتقنين استخدامها لتجنب عودة شح مياه الري والشرب.
ويدعو مختصون إلى الحكمة في إدارة ملف المياه والابتعاد عن الإسراف، وتأتي هذه الدعوة بعدما تصاعدت حدة الانتقادات لوزارة الموارد المائية لا سيما من قبل حكومة البصرة التي حمّلت الوزارة مسؤولية هدر المياه وهلاك المزروعات خلال أزمة السيول التي ضربت المحافظة مؤخراً.
شط العرب إلى مستوى قياسي
ومع ارتفاع مناسيب المياه في شط العرب والأنهر الصغيرة المتفرعة منه في البصرة، بعد جفاف متواصل لأكثر من ثلاثة أعوام، تساؤل المواطنون عن سر هذه المستويات غير المسبوقة لمناسيب المياه في شط العرب والأهوار شمال المدينة وشرقها.
ونقل مراسل "ارفع صوتك" في البصرة مشاهد مصورة لشط العرب، وهو يظهر عند مستويات قياسية لم يصل إليها في غضون نصف قرن، كما نقل عن أحد مشغلي الزوارق التقليدية في شط العرب.
إلى ذلك حذر ناشطون بيئيون مما اعتبروه خطراً جدياً يمثله هذا الارتفاع في مناسيب مياه شط العرب واعتبروه نذيراً بحدوث فيضانات في البصرة ومناطقها الشرقية على وجه الخصوص، وكذلك غرق بعض القرى المنخفضة والقريبة من شط العرب جنوباً، والأخرى القريبة من قضاء القرنة شمالاً والمحاذية لأهوار محافظتي ذي قار وميسان.
السيبة على حافة الغرق
وأعلن الناشط البيئي رمضان البدران مخاطباً أبناء محافظته "نظموا أمركم أيها البصريين وشكّلوا فرق دفاع مدني تطوعية ممن تعرفون حصراً. الأمر سيتفاقم في غضون ساعات، وقد يدوم بضعة أشهر".
ودعت النائبة د. صفاء مسلم بندر، حكومة البصرة المحلية إلى حماية الدور السكنية والأراضي الزراعية بسبب ارتفاع مناسيب المياه واتخاذ كافة الإجراءات الجدية اللازمة قبل حدوث الكارثة في ناحية السيبة التي كانت قبل نحو عام تعاني من الملوحة والجفاف التام.
وأضافت أن "ارتفاع مناسيب المياه في شط العرب يعود لعدد من الأسباب أهمها فتح نهر الكارون (من الجانب الإيراني) وهبوب الرياح الجنوبية الشرقية وتأكل سداد الأنهر لعدم وجود صيانة بشكل دوري.
يذكر ان ناحية السيبة من أقدم النواحي في محافظة البصرة، وانشأت إداريا منذ قيام الدولة العراقية المعاصرة عام 1921م، يبلغ عدد سكانها حالياً 160 ألف نسمة حسب سجلات دائرة الاحوال المدنية.