صحفيون يجرون مقابلات في مقر مجلس النواب العراقي
صحفيون يجرون مقابلات في مقر مجلس النواب العراقي

يحتل العراق المرتبة الخامسة في منطقة الشرق الأوسط في نمو استخدام الإنترنت والهواتف النقالة في المنطقة، وفق إحصائيات الإنترنت الخاصة التي أصدرها الاتحاد الدولي للاتصالات في عام 2014.

ورغم عدم توفر إحصائية دقيقة لعدد مستخدمي الإنترنت لدى وزارة الاتصالات العراقية، إلا أن الأرقام التي رصدتها اللجان المختصة في مجلس النواب تشير إلى تصاعد أعداد مستخدمي الشبكة الإلكترونية في العراق.

هذا التصاعد كان مدعاة للمجلس إلى تقنين الاستخدام وتحديد مدياته وفرض الجزاءات عند إساءة استخدامه وتجريم الأشخاص الذين يرتكبون هذه الأفعال.

وشرع المجلس بكتابة قانون "الجرائم المعلوماتية" الذي ما زال في طور كتابة مسودته الأولى.

صارم ويهدد حرية التعبير

تبدأ مواده القانونية بالحديث عن مواجهة الذين ينشرون العنف والتطرف ويحرضون على الإرهاب والطائفية.

وهو ما يعلق عليه رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية هادي جلو مرعي بالقول "قانون ظاهره الرحمة وباطنه العذاب"، موضحا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "بدايته جيدة، فهي تركز على جملة جرائم يمكن أن تكون مؤذية للأمن القومي، لكنه يذهب باتجاه آخر".

ويتابع "ما هو أخطر يتمثل بتجريم انتقاد الأحزاب ونظام المحاصصة والرموز الدينية والسياسية على مواقع التواصل، يجرم ويحكم بالسجن والغرامات".

​​​​

​​

أما منظمة العفو الدولية فقد أبدت قلقها البالغ إزاء مشروع "قانون جرائم المعلوماتية" في رسالة مفتوحة موقعة من تسع منظمات غير حكومية أخرى، وقد تم تقديم الرسالة إلى الحكومة العراقية.

وحذرت المنظمة من أن القانون المقترح "سيخلق مناخا من الرقابة الذاتية في البلاد"، واصفة القانون بأنه "صارم ويهدد حرية التعبير".

وقالت في بيان رسمي إن "قانونا جديدا للجرائم المعلوماتية يفرض عقوبات شديدة بالسجن وغرامات باهظة ضد المنتقدين السلميين، الذين يعبرون عن أنفسهم عبر الإنترنت، سيكون بمثابة انتكاسة مفجعة لحرية التعبير في العراق".

لكن عضو اللجنة القانونية النيابية فائق الشيخ يعتبر القانون "مهذبا ومشذبا لحرية الإعلام والتعبير عن الرأي"، على حد وصفه، ويقول في حديث لموقع (ارفع صوتك) إن "فيه ردع لمن يستغل مواقع التواصل الاجتماعي للتسقيط والتشهير، وهذا ما يستفز البعض".

ورغم أن الشيخ يشير إلى أنه ليس في دور "المدافع عن القانون"، لكنه يوضح "نحن مع الردع والعقوبات ومحاسبة الذين يتجاوزون على الأعراض والحرمات".

ويتابع "أي إنسان، سياسي أو غير سياسي، إذا تعرض لتسقيط أو إهانة بإمكانه محاسبة لمرتكب فعل الإهانة".

​​

​​

في طور التشريع

وتعتبر جرائم النشر على شبكة المعلومات الإلكترونية أو ما يصطلح عليها قانونا "الجرائم المعلوماتية" من الجرائم المستحدثة في الوسط التشريعي والقانوني.

وينبغي على المشرع عند صياغة أي تشريع متعلق بهذه الجرائم أن يلتفت إلى اختلاف طبيعة هذه الجرائم عن الجرائم التقليدية، وذلك لتعلقها بأساليب مستحدثة ترتبط بالمعالجة الإلكترونية للبيانات.

يقول رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية إن القانون "بحاجة إلى النقاش الموسع والدراسة والاستئناس بآراء المواطنين والمثقفين والنخب الأكاديمية والفكرية والصحفية"، محذرا من أن هذا القانون "قد يذهب بالبلد إلى المجهول خاصة، ونحن نعيش احتقان اجتماعي نتيجة سوء الخدمات والفساد الذي يضرب مؤسسات الدولة".

وهنا يشير عضو اللجنة القانونية النيابية إلى أن القانون ما زال في طور التشريع ولم يأخذ صيغته النهائية، كما أن النقاشات المتعلقة به لم تستنفذ بعد، موضحا "كل ما ورد ليس دقيقاً لأن القانون لم يأخذ صيغته النهائية".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.