مجموعة من ضحايا الألغام والمتفجرات في قرية قرب البصرة 2009
مجموعة من ضحايا الألغام والمتفجرات في قرية قرب البصرة 2009

علي عبد الأمير ومشعل العبيد

في قرية صغيرة تابعة لقضاء شط العرب بالبصرة والمحاذي للحدود الإيرانية، وصل عدد ضحايا الألغام وبقايا المتفجرات الحربية إلى 123 ضحية بين قتيل وجريح في غضون سنوات قليلة.

تلك قرية "جرف الملح" التي صارت "قرية البتران"، لفرط ما بتر من أعضاء أبنائها الباحثين عن لقمة العيش وسط حقول الموت التي خلفتها حروب العراق الطويلة.

أكثر الإصابات التي حدثت بين جامعي الفافون (الألمنيوم المستخدم في صناعة الأدوات المنزلية والعلب المعدنية لحفظ الأغذية وغيرها) ونحاس الذخائر الحربية، كان في تسعينيات القرن الماضي.

تلك الإصابات لحقت بالكثير ممن عملوا في هذه "التجارة المميتة"، إذ كان ينفجر لغم أو قنبلة مدفع، في أية لحظة، بوجه باحث عن رزقه بين حقول الألغام.

حوادث جديدة يضاف بسببها جرحى وقتلى لم يسجلوا في الإحصاء الذي قامت به "دائرة شؤون الألغام" خصوصا بين "العربان " الذين اتخذوا من البحث عن معادن مخلفات الحرب من الألغام والمقذوفات مهنة لا يريدون تركها.

تلك مشاهد ووقائع يبلغها لموقعنا، طارق خلف، الناطق باسم معوقي منطقة جرف الملح.

"كان ضحية ذخيرة دبابة بعد أن حاول تفكيكها بواسطة مطرقة فانفجرت وحولته إلى أشلاء"، يقول ضياء عبد الله عن عمه الذي "دفعته الحاجة للمجيء من النجف إلى البصرة ليعمل بجمع الألمنيوم والنحاس في بقايا المقذوفات والألغام".

 

حقائق الموت المعلن في عام

ويقدم مدير "المركز الإقليمي لشؤن الألغام في المنطقة الجنوبية"، نبراس فاخر مطرود التميمي، تفاصيل عن عمل واسع ضد مخاطر الموت التي تمثلها بقايا الحروب من مقذوفات غير منفلقة وألغام.

وبحسب التميمي، فقد قام المركز الإقليمي الجنوبي لعام 2017 بالعمليات التالية:

*تطهير مساحة ٣٢،٦٩٧،٩٥ مترا مكعبا من محافظات البصرة وميسان وذي قار والمثنى.

*العثور على  2160 لغماً ضد الأشخاص و37 لغماً ضد الدبابات و13822 قنبلة عنقودية وأكثر من 69 ألف قطعة مختلفة الأنواع من الذخائر الحربية.

 

وعد سابق: 2018 سيكون عام الخلاص

في عام 2013 نشرت صحيفة "الصباح" البغدادية تحقيقاً حمل عنوان "مسؤول في وزارة البيئة: ملزمون بإزالة الذخائر حتى العام 2018".

وفيه نقلت الصحيفة الحكومية عن المهندس عيسى الفياض مدير عام دائرة شؤون الألغام في وزارة البيئة قوله "على صعيد المساحات الملغومة في البصرة، استطعنا وضع خطة مدتها خمس سنوات ( 2014 ـ 2018 ) لتخليص محافظة البصرة من آثار ومخاطر الألغام".

 

وعد جديد:  2068 موعدنا مع عراق بلا ألغام

لكن لدى مدير "المركز الإقليمي لشؤن الألغام في المنطقة الجنوبية"، نبراس فاخر مطرود التميمي، رؤية تنفي ما حدده المهندس الفياض فقال في تصريح إلى موقعنا "تحتاج الدولة العراقية إلى أكثر من 50 عاما لرفع ما تبقى من ألغام الحروب وذخائرها المنتشرة بمناطق جنوب البصرة وشرقها" أي عام 2068.

وفي مساحة الأرض التي شهدت معارك ضارية في الحرب مع إيران  1980-1988  وحرب تحرير الكويت 1991 ملايين الألغام والمقذوفات التي أوقعت خمسة آلاف ضحية في المناطق الجنوبية مسجلين رسمياً حتى 2014، ولا يستبعد التميمي أن يكونوا عشرة آلاف.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

من عروض مسرح الدمى في الموصل
من عروض مسرح الدمى في الموصل

تسعى مؤسسة "السلام المستدام" وهي مؤسسة عراقية غير حكومية، عبر استخدام مسرح الدمى الى إعادة تأهيل الأطفال في الموصل وتخليص أذهانهم من الاثار النفسية للحرب والدمار.

وأطلقت المؤسسة في 5 سبتمبر الحالي مبادرة "مسرح الدمى" التطوعية عبر عرض مسرحي للدمى بالتعاون مع المخرج عادل العمري، بمشاركة أكثر 50 طفلاً تراوحت أعمارهم ما بين 5-12 عاما، وشملت المبادرة التي نظمت في الجانب الأيمن من الموصل تقديم مجموعة من النشاطات الفنية للأطفال المشاركين وجميعهم من وجميعهم من جانب المدينة، الذي مازال يعاني من دمار الحرب.

ويقول مدير مكتب مؤسسة "السلام المستدام" في مدينة الموصل، مهند حازم محمد، لـ"ارفع صوتك" أن فكرة المبادرة هي لـ"نشر السلم المجتمعي والتماسك المجتمعي عن طريق البذرة الأولى وهي الأطفال، لذلك هذه المبادرة تعمل على تنمية قدرات الأطفال وتوعيتهم عبر الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها بشكل عام والاماكن المخصصة للعب بشكل خاص"، مشيرا الى أن المؤسسة تهدف الى صناعة مسرح ثابت للدمى داخل مقرها أو مقر مركز قليتا للتنوع الثقافي، التابع للمؤسسة الواقع في الجانب الأيمن من الموصل.

وعاش أطفال الموصل أوضاعا إنسانية صعبة في ظل الخوف والجوع  خلال أكثر من 3 سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مدينتهم، ومازالت مخيلة الأطفال الذين عاصروا التنظيم تحتفظ بمشاهد القتل والتعذيب، الذي كان مسلحو داعش ينفذونها في الموصل ضد أهالي المدينة والمناهضين لـ"داعش"، الى جانب عمل التنظيم الإرهابي  عبر مكاتبه الإعلامية التي كانت منتشرة في احياء المدينة  على نشر فكره بين الأطفال وغسل ادمغتهم، ولم تتوقف مأساة الأطفال هنا، بل زادت عمقا وسط الدمار الذي خلفه التنظيم والمعارك التي شهدتها المدينة للتخلص منه. وكانت للموصل القديمة من اعمال التدمير حصة الأسد لأن المعارك النهائية لتحرير المدينة تركزت فيها.

فريق مسرح الدمى في مؤسسة "السلام المستدام"

ويوضح محمد أسباب تركيز المبادرة على الموصل القديمة، "استهدفت المبادرة المدينة القديمة وتحديدا حي سوق الشعارين المحاذي لجامع النبي جرجيس لان هذه المنطقة عانت ما عانته من دمار ولا توجد فيها ساحات أو مناطق مخصصة للعب الأطفال. تحتوي فقط شوارع، وغالبا أطفال هذه المنطقة يلعبون في الشوارع، لذلك ركزنا على موضوع لعب الأطفال في الأماكن الآمنة".

وتستعد المؤسسة حاليا لتنظيم 3 عروض مسرحية أخرى ضمن مبادرة مسرح الدمى، يشمل الأول التوعية بالنظافة الشخصية، والثاني موضوع القلم والممحاة الذي يحتوي على رسائل حول اهمية الكتابة والقراءة بالنسبة للطفل، واما الثالث سيكون عن النزوح وتأثيره على تنشئة الأطفال وفهم أهمية الاهتمام بالآخرين والاهتمام بالعائلة والقيم وبر الوالدين.

 وتعمل المؤسسة على ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي من خلال عرض مسرحيات دمى، التي تهتم مواضيعها بالتعايش السلمي والسلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية والعنف.

ويضيف محمد "نخطط لمسرح ثابت بأدوات ثابتة وبالتعاون مع أكاديميين متخصصين في مجال مسرح الدمى لتوعية هذا الجيل كي نبدأ بداية صحيحة للنهوض بواقع المدينة وحماياتها من أي فكر يؤذيها ويدمرها".

ويؤكد محمد على أن مشروع المسرح الثابت سيتضمن تصوير مسرحيات الدمى التي تعرض، ومن ثم نشرها على الانترنت ليشاهدها الأطفال في كافة أنحاء العالم وليس فقط الموصل، و"يرى العالم أن هذه المدينة التي كانت منكوبة قادرة على الرجوع لدورها الأساسي".

وفي منتصف يوليو عام 2017 عندما كانت معارك تحرير مدينة الموصل تقترب من الانتهاء، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسف" في بيان أن "جراح الأطفال الجسدية والنفسية العميقة سوف تستغرق وقتاً أطول لتلتئم. وقد تكبد نحو 650,000 طفل من الصبيان والبنات الذين عاشوا كابوس العنف في الموصل، ثمناً باهضاً وعانوا الكثير من الأهوال على مدى 3 سنوات".

وتؤكد المتخصصة في علم النفس هاجر العبدالله الزبيدي، على أن مبادرة مسرح الدمى ولعب الأطفال يعززان من قدرة الطفل على فهم البيئة المحيطة به.

وتضيف الزبيدي لـ"ارفع صوتك": "لهذه النشاطات تأثير كبير جدا يُسهم في تقوية ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على حلّ المشاكل التي يمكن أن تعترض سبيله لوحده من خلال مساعدة دميته والتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها".

وتشير الزبيدي الى حاجة أطفال الموصل للدعم والمساعدة من أجل التخلص من الصدمات التي تعرضوا لها والتخلص من الماضي واثاره وهذا يكون "عبر إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع عبر مجموعة من الوسائل كممارسة الألعاب ومنها الدمى ومشاهدة المسرحيات وغيرها من الوسائل الترفيهية".