حلاقة شعر الرأس "نمرة صفر"
حلاقة شعر الرأس "نمرة صفر"

ثلاثة أيّامٍ قضاها محمد جاسم وهو ناشط عراقي في مركز شرطة الخالدية في قضاء الحبانية خرج من بعدها حليق الشعر، وفق روايته.

وكانت الشرطة استدعت محمد على إثر منشور في صفحته الشخصية على موقع فيسبوك انتقد فيه عمل الدوائر البلدية في منطقته. واعتبرت الجهات الأمنية هذا الانتقاد إساءة لقائممقام قضاء الحبانية من قبل الشاب ذي الثلاثين عاماً.

​​

​​

وبعد ثلاثة أيام من الحبس، حلقت شرطة قضاء الحبانية شعر رأس محمد "نمرة صفر"، حسب ما يقول.

يعمل محمد في منظمة "أيادي الرحمة" الإنسانية، ويقول إن منطقته حي الشهداء في قضاء الحبانية تعاني من الإهمال منذ عام 2004.

"رغم حصولنا على موافقة المحافظ مطلع العام الجاري لتبليط الشارع، لم تقم أي جهة بتبليطه"، يضيف في حديثه لموقع (ارفع صوتك)، مشيراً إلى أنّ هذا ما دفعه لكتابة المنشور.

ويروي أنّه عند الساعة العاشرة مساءً في أول يوم من هذا الشهر (يوم كتابة المنشور)، اتصل به أحد أفراد الشرطة وطلبه للاستفسار. "عند وصولي إلى مركز الشرطة أودعت مباشرة إلى الحبس، دون أن يلتقي بي أحد أو يتم التحقيق معي".

بعد ثلاثة أيام من الحبس دون أي تحقيق وبسبب زيادة ضغط الرأي العام والإعلام، حصل الناشط المدني على أول فرصة للتحقيق.

ويوضح محمد "جاءني شرطي بيده ورقة فيها نسخة للمنشور، سألني هل هو لك؟ أجبت نعم، وطلب مني أن أبصم على الورقة، وبصمت".

ويتابع "بعد 10 دقائق جاءني نفس الشرطي وأراد أن يحلق شعري، لم أسمح له وطلبت أن يقرر القاضي الحكم بحقي. قال لي الشرطي -نحن حاليا من دون قانون- كتفوا يدي وحلقوا رأسي".

ويعتبر الناشط محمد أن حلاقة الشعر نمرة صفر هي "محاولة ردع وتخويف تتنافى مع حقوق الإنسان".

​​​

​​

نمرة صفر للمتحرش

ويبدو أن حلاقة الشعر "نمرة صفر" كعقوبة انتشرت في الأنبار وتكرّرت في حالات مختلفة.

ففي الرابع من نيسان/أبريل الجاري، تعرض ناشط مدني آخر وهو عبد القهار العاني إلى محاولة حلق شعره نمرة صفر أيضا.

يروي العاني، الذي يعمل مع جمعية نور علي الخيرية، على صفحته في فيسبوك، أن قوة من الشرطة حاولت قص شعره في شارع السينما بالرمادي، ولكن تدخل آمر فوج طوارئ الأنبار العميد عمر محمد، كان سببا في نجاته من عقوبة الحلاقة. وذلك بعد أن اتهمته الشرطة مع مجموعة أخرى من الشبان بمحاولة التحرش بفتيات.

ويلفت محمد جاسم فيلفت إلى أن "ثلاثة أشخاص قبله اعتقلوا أيضاً بسبب منشورات على موقع فيسبوك ولكن أطلق سراحهم".

ولم يسلط عليهم الضوء بسبب بعدهم "عن الرأي العام".

​​

​​

شرطة الأنبار تنفي

لكن شرطة الأنبار نفت علاقتها بأي حالة حلاقة للشعر كعقوبة.

يقول آمر أفواج طوارئ الأنبار العميد عمر محمد خميس إن أجهزة الأمن "لديها أوامر وضوابط بمعاقبة الشباب المتحرشين في الأماكن العامة والمتسولين، لكن العقوبات لا تتضمن حلاقة الشعر".

ويوضح في حديث لموقع (ارفع صوتك) "مناطقنا تحكمها أعراف وتقاليد تتنافى مع الظواهر السلبية التي بدأت تنتشر في شوارع الأنبار، كالتحرش والتسول".

الحلاقة في لقانون العقوبات

ويضم قانون العقوبات العراقي (رقم 111 لعام 1969)، 506 مادة عقابية، إضافة إلى قرارات مجلس قيادة الثورة، لم تتطرق أي منها لعقوبة حلاقة الشعر.

يقول الخبير القانوني علي جابر التميمي، إن عقوبة التحرش تتراوح "بين الحبس لثلاثة أشهر والغرامة أو كلاهما وفقا لما يقيمه القاضي"، موضحا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "حتى لو كانت هناك تعليمات وأوامر من مراجع أمنية عليا بعقوبات معينة، فيجب ألّا تكون فوق القانون".

ولا تسمى أفعال التحرش والتسول جرائم، بل تعتبر "مخالفات".

وفيما يخص موضوع القذف والتشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، هو الآخر معالج من قانون العقوبات بعدد من المواد.

ويشير التميمي إلى أن قرار محكمة التمييز باعتبار وسائل التواصل الاجتماعي هي "وسائل إعلام"، أوضح للجهات القضائية طرق التعامل مع المخالفات.

وجميع العقوبات الواردة بحق التشهير والقذف لا تتضمن أيضا عقوبة "حلاقة شعر الرأس".

ويتابع التميمي "حلاقة شعر الرأس إضافة إلى كونها انتهاك لحقوق الإنسان، فهي مخالفة واضحة لأفراد الأمن الذين يقومون بها".

​​

​​

عقوبة عدي

ويلفت المتحدثون فضلا عن التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن عقوبة حلاقة الشعر نمرة صفر تعود بهم إلى فترة النظام السابق، حيث "كان عدي، نجل رئيس النظام السابق صدام حسين يعاقب الفنانين والإعلاميين واللاعبين بحلاقة الشعر"، يقول الناشط المدني محمد.

ويضيف القانوني علي التميمي "هذه العقوبة كانت دارجة لدى المؤسسات العسكرية، كان يعاقب بها الجنود ومنتسبي الأجهزة الأمنية".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.