المرجع الديني محمد اليعقوبي
المرجع الديني محمد اليعقوبي

حفلات التخرج تحت رقابة رجال الدين. والسبب "فعاليات منافية للدين والأخلاق والذوق العام".

قبل أيام فقط، تداول متصفحو مواقع التواصل الاجتماعي في العراق صور وفد تابع للمرجع الديني محمد اليعقوبي زار جامعة ذي قار للوقوف على مدى "تنفيذ ضوابط حفلات التخرج".

زار الوفد ثماني كليات تابعة للجامعة (جنوب العراق)، والتقى برئيس الجامعة.

وعلى موقعه الرسمي، نشر المرجع اليعقوبي بياناً دعا فيه إلى "ضبط" حفلات التخرج "وتقنينها بما لا ينافي الآداب العامة".

​​

​​

توجيهات غير مسموعة

ورغم الضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الطلبة في جامعة ذي قار "لم يعيروا أهمية للزيارة والتوجيهات الصادرة عن الوفد"، وفقا لطالبة الإعلام في نفس الجامعة زهراء الزيدي.

تقول الزيدي وهي في المرحلة الرابعة والأخيرة من دراستها الجامعية إن "زيارة الوفد وتوجيهاته لم تلقَ اهتماما من الطلبة، لذلك لم تتأثر خطتنا للاحتفال"، مضيفة في حديث لموقع (ارفع صوتك) "بصراحة، صار لدينا نفور من توجيهات وتدخلات رجال الدين، لأنهم باتوا يتدخلون حتى بأشياء صغيرة تتعلق بحقوق شخصية".

وتلفت الطالبة الزيدي إلى موضوع أهم "كان من الأجدر بالوفد الزائر تناوله"، موضحة "إذا كانوا فعلا مهتمين بحياة الطالب الأكاديمية المفروض بدل معارضة حفلات التخرج، الأجدر الضغط والمناشدة لبناء قاعات لطلبة كلية التربية بجامعة ذي قار التي زاروها".

ويدرس طلبة كلية التربية للعلوم الإنسانية وكليات أخرى في جامعة ذي قار في كرفانات، وفقا للطالبة زهراء، التي تؤكد أن هذه الكليات "توقفت عن الدراسة لمدة أسبوع بسبب الأمطار".

وتفتح طالبة الإعلام ملفا آخرا بقولها "يتحدثون عن رصانة التعليم، بدل توفير قاعات مكيفة ومختبرات للطلبة، قرروا العام الماضي قطع أشجار الكلية، حتى لا يستظل تحتها الطالب مع زميلته الطالبة".

حفلات التخرج فعاليات متعارف عليها منذ سنوات طويلة، فهي "حق الطالب للفرح بثمرة جهد لـ 16 سنة أو أكثر"، وفقا لزهراء التي تؤكد أن حفلات جامعتها "لم تتجاوز القيم والأعراف الأكاديمية".

وتتابع "الحفلات مجرد أغاني، والأغاني من حق أي شخص أن يسمعها، ولا أعتقد أنه من العيب أن يسمعها الطالب"، لافتة "الأغاني بالأصل تدخل في دراسات بعض الكليات والأقسام".

وفيما يتعلق بالحفلات التنكرية مثار النقد، تقول الزيدي "حتى وإن كانت هناك حفلات تنكرية، فهي لا تحوي على مظهر خليع أو راقصات عاريات أو أي مظهر مسيء للشخصية الأكاديمية".​

​​

​​

رجال الدين مجددا!

لم تمر هذه الخطوة من دون أن تثير ردود فعل من الطلبة. محمد القيسي، الطالب في كلية الهندسة بجامعة الإسراء، يتساءل مستنكرا "رجال الدين من جديد؟".

يستعد محمد لحفل التخرج الذي سينعقد قريبا. "تدخل رجال الدين بالسياسة فخربوا البلد. الآن بدأوا يتدخلون بحياة الطلبة وفي أسعد يوم ينتظرونه، فلنقرأ على العراق السلام".

أمضى الشاب العراقي 17 عاما في مقاعد الدراسة. ويعتبر يوم تخرجه "عرسا كبيرا انتظره لسنوات طويلة".

يقول محمد (23 عاما) إنه وأصدقاءه في الكلية "رتبوا كل أمور الحفل بما يتلاءم مع الذوق العام، ولا يحتاجون لنصح رجال الدين الحزبيين".

وفي بيانه الذي أصدره، انتقد المرجع محمد اليعقوبي ما وصفه بـ"ظهور النساء بمظاهر الفتنة والإغراء والإثارة"، و"الرقص والغناء الفاحش" و"إقامة الحفلات مختلطة في القاعات".

 

عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد هاشم حسن يشدد أن "ما يجري بالحرم الجامعي هو حصريا للإدارات الجامعية".

"هناك قانون للتعليم العالي ولوائح لانضباط الطلبة"، يقول في حديثه مع موقع (ارفع صوتك). ويضيف "أية جهة دينية أو سياسية إذا تدخلت فهذا انتهاك للحرية الأكاديمية والمدنية".

لكن هاشم حسن يعترف في المقابل أن حفلات التخرج في الأعوام الماضية "لم تخل من مخالفات الطلبة للوائح الانضباط المتبعة في الجامعات".

ومع ذلك، يصف عميد كلية الإعلام حادثة زيارة رجال الدين للكليات في جامعة ذي قار بالـ"سابقة خطيرة".

وشهد هذا العام تقليصا وتقنينا لحفلات التخرج "بشكل رصين وبإشراف من قبل إدارات الكليات وبتعميم من الوزارة"، حسب عميد كلية الإعلام الذي دعا رجال الدين والسياسية إلى "الانشغال باختصاصهم في أماكنهم".

"كلا وكلا لتدخل رجال الدين والسياسة في الحرم الجامعي. هذا مكان مقدس للعلم والمعرفة"، يختتم حسن.

ردود مضادة

وكانت لزيارة الوفد التابع للمرجع اليعقوبي لكليات الإعلام ردود الفعل ​​

​​على مواقع التواصل الاجتماعي.

المدون وطالب العلوم الدينية حسين علي يقول إن "التجربة السيئة التي تركتها الأحزاب الدينية، وتخريبها للوزارات وقضايا الفساد التي عليها، منعت الناس من سماع النصيحة وبات الموضوع عكسيا تماما".

يدرس حسين، المعروف جدا في وسائل التواصل الاجتماعي بصفحته التي تحمل اسم "حسين تقريبا"، علوم الدين في الحوزة الدينية بمحافظة النجف.

يقول في حديثه لـ(ارفع صوتك) "من وجهة نظر الدين، من واجب الرجل المتدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكن رجال الدين لديهم فكرة خطأ عن هذا الواجب. تشبثوا بالحجاب والأغاني وتركوا الأهم. الأغاني والحجاب ليست أمور أصولية في الدين، بل هي أمور فقهية ثانوية. الأولى محاسبة المسؤولين الفاسدين".

"قضايا الفساد المالي والإداري والمشاكل السياسية والشبهات الكبيرة في الوزارات، هي الأولى بالمعالجة من قبل رجال الدين"، يوضح حسين الذي يوجه انتقادات حادة لتجربة الأحزاب الدينية في العراق ويتهمها بمحاولة استغلال مواضيع الحجاب ومنع سماع الأغاني والتدخل بحفلات التخرج لكسب عواطف الناس.

ويؤكد أن مبدأ تقديم النصيحة من قبل رجال الدين "لا يتعارض مع القانون"، لكن المشكلة تحدث عندما يتحول الأمر إلى التدخل في الحريات الشخصية.

ويشدد الشاب العراقي "الدستور كفل الحريات الشخصية في بلد مختلط دينيا وقوميا. لذا، ليس من حق رجل الدين إصدار توجيهات عن ماذا نلبس وماذا نسمع".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.