مقاتلون مشبته بانتمائهم لداعش يستسلمون لقوات سوريا الديمقراطية
مقاتلون مشبته بانتمائهم لداعش يستسلمون لقوات سوريا الديمقراطية

عمران سلمان/

ظهور الشريط المصور لزعيم داعش أبو بكر البغدادي، قبل أيام، هو محاولة يائسة من التنظيم لإثبات أنه لا يزال موجودا، رغم الهزائم الساحقة التي مني بها في العراق وسوريا، ولإثبات صحة ما يذهب إليه العديد من المحللين بأنه رغم خسارته للأراضي التي سيطر عليها، بما في ذلك دولته المزعومة، فإن داعش ما يزال يشكل تهديدا أمنيا على درجة عالية من الخطورة.

فقد أهميته الاستراتيجية

ومع أنه يصعب القطع بشأن الأهمية التي يشكلها داعش اليوم، بعد أن تحول إلى أسلوب التفجيرات والعمليات الانتحارية وعمليات الكر والفر، ومن ثم بات عرضة لاصطياده من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة، بعد أن كانت مواجهته تقتضي جيوشا وقوات عسكرية، فإن المؤشرات تدل على أنه مصمم على الانخراط أكبر في عملية زعزعة الأوضاع الأمنية في العديد من المناطق.

من الناحية الاستراتيجية لم يعد داعش يشكل خطرا داهما

​​ولعل تبني التنظيم تفجيرات سريلانكا وغيرها من العمليات الإرهابية التي أعلن عنها البغدادي، يكشف أن داعش يسير على خطى تنظيم القاعدة في مد شبكته إلى خارج المنطقة العربية، واستهداف الأجانب في المناطق الرخوة التي لا تحظى بغطاء أمني كافي.

لكن هذا النوع من العمليات، رغم أنه يربك الأجهزة الأمنية في العديد من الدول، إلا أنه أسلوب تعودت الحكومات على مواجهته والتكيف معه منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.

بمعنى آخر فإن تنظيم داعش رغم أنه لا يزال يحتفظ بقدرات على تنفيذ هجمات وعمليات إرهابية هنا وهناك، إلا أنه من الناحية الاستراتيجية لم يعد يشكل خطرا داهما، مثلما كان الأمر عليه لدى سيطرته على الموصل والرقة وغيرها من المدن العراقية والسورية.

القضاء على ملاذاته الآمنة

إن النجاح في حرمان داعش من السيطرة على الأرض، هو أهم وأكبر إنجاز تحقق في مواجهة التنظيم. فالأرض لا تعني السيطرة على البشر فقط، وإنما السيطرة على الموارد وإقامة معسكرات التدريب والتجنيد والانطلاق واستقبال القادمين من الدول الأخرى وخلق النموذج الذي من شأنه أن يجذب شذاذ الآفاق والمجرمين من كل حدب وصوب.

لكن هذا النجاح رغم أهميته بحاجة أيضا إلى خطوات أخرى تتمثل في مواجهة الأفكار والعقائد التي يستند عليها التنظيم في نشر رسالته. إضافة إلى مواجهة آلة الدعاية الإعلامية التابعة له والتي وإن ضعفت، فما زالت قادرة على العمل وبث السموم في المجتمعات المختلفة.

البغدادي

​​

إن الجانب العقائدي رغم أنه لا يشكل تهديدا أمنيا وشيكا، إلا أنه على المدى الطويل يعتبر شديد الخطورة، لأنه قادر باستمرار على إعادة إنتاج نماذج لجماعات أكثر عنفا ووحشية. وهو قادر أيضا على التمدد والانتشار إلى العديد من المجتمعات المحلية المأزومة والتي ترى خلاصها في العودة إلى الماضي الأسطوري والمتخيل، بدلا من العناية بالحاضر والعمل من أجل المستقبل.

مصير بن لادن

من دون شك فإن الشريط المصور لزعيم داعش سوف يصبح مادة دسمة لرجال الاستخبارات وخبراء الأمن الدوليين الذين سوف يعكفون على تحليله واستخلاص المعلومات الضرورية منه.

آخر ما يهتم به البغدادي وأمثاله هو مصير آلاف النساء والأطفال الذين تقطعت بهم السبل

​​ومع استمرار الحملة الأمنية للقضاء على عناصر وقادة داعش، لن يطول الوقت قبل العثور على البغدادي واعتقاله أو قتله، كما حدث مع بن لادن.

إن الأمر الملفت في هذا الشريط، إضافة إلى أنه يعتبر نسخة باهته من أشرطة زعيم القاعدة، أنه لم يتضمن سوى دعوات "للثأر" مما لحق بداعش في سوريا والعراق، لكنه لم يتضمن أي حديث عن استراتيجيات ولم يقدم أية إضاءة على الأهداف والسياسة التي يعتزم داعش انتهاجها في المستقبل. وربما كان الهدف منه فقط هو الإيحاء بأن داعش لا يزال على قيد الحياة، وبعث بعض الرسائل المشفرة لأنصاره.

وبطبيعة الحال فإن آخر ما يهتم به البغدادي وأمثاله هو مصير آلاف النساء والأطفال الذين تقطعت بهم السبل في معسكرات الاعتقال التي سيقوا إليها بعد هزيمة التنظيم وسحقه في المناطق التي كانت ترفع يوما شعار "دولة الخلافة باقية وتتمدد".. هؤلاء باتوا اليوم مشكلة إنسانية وأمنية لأنفسهم ولغيرهم. والأمل أن يصبحوا مثلا وعبرة للكثير من مغسولي الدماغ حول العالم.

المصدر: موقع قناة الحرة

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.