داخل السجن، تتكوّن علاقات معقّدة لأشخاص يعيشون في عزلة عن العالم. وتكاد تكون السجون عالماً قائماً بحد ذاته، تدور أحداثه في الكواليس وبصمت، بعيداً عن المجتمعات اليومية.
ومع إعلان العراق استعداده لاستقبال ومحاكمة مقاتلي التنظيم بعد اندحارهم في العراق وسوريا، سادت تخوفات من احتمال تحوّل السجون العراقية، مجددا، إلى بؤرة لتشكيل تنظيمات متطرفة جديدة أو عودة تنظيمات قديمة إلى الحياة.
ظاهرة التطرف والفكر الإرهابي داخل السجون بدأت منذ عقود، وخرج من السجون المصرية في ستينيات القرن الماضي زعامات متطرفة في السجون المصرية، ومن ثم انتشرت هذه الظاهرة في باقي الدول العربية. وباتت الآن مسألة شائكة حتى داخل السجون الأوروبية.
سجن بوكا
في سجن بوكا، أو "أكاديمية بوكا" كما يسميها الخبير بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، بذرت نواة تنظيم داعش الأولى.
في هذا السجن الذي أنشأه الأميركيون في محافظة البصرة جنوبي العراق عام 2003 وأغلقوه عام 2009، كان يجتمع مؤسسي التنظيم والذين قادوه بعد سيطرتهم على عدد من المناطق.
ومن أبرز قادة داعش الذين احتجزوا في سجن بوكا وفقا للهاشمي:
- أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش.
- سمير الخليفاوي المعروف باسم (حجي بكر)، استراتيجي داعش.
- أبو عبد الرحمن البيلاوي، من أهم مؤسسي التنظيم.
- أبو مهند السويداوي، قيادي متشدد ومن مؤسسي التنظيم.
- أبو أحمد العلواني، أهم قائد أمني لدى داعش.
- أبو مسلم التركماني، كبير مساعدي البغدادي.
- إسماعيل علوان العيثاوي المعروف باسم (أبو زيد العراقي)، مساعد البغدادي.
- أبو يحيى العراقي، نائب البغدادي.
- عبد الناصر قرداش، نائب البغدادي.
يقول الهاشمي "أسمي سجن بوكا أكاديمية، إذ كانت تنظم داخله حلقات للتعليم، سواء التعليم التقليدي للقرآن والتفسير واللغة أو على مستوى التعليم المتخصص بمناهج التكفير والرسائل الخاصة بصناعة الكراهية".
ويضيف الهاشمي في حديثه لموقع (ارفع صوتك) أن تلك القيادات "تقاربت داخل السجن بسبب تقاربها بالأفكار والعقائد".
ساعدها في ذلك "خلو السجن من أي وسيلة لهو، فالنزلاء لا يملكون غير الجلوس لفترات طويلة والثرثرة، منتظرين الصلاة أو الطعام أو النزول لساحة التشمس"، على حد قول الهاشمي.
واقع السجون غير مثالي
تؤكد مصادر أمنية وقضائية لوكالة الصحافة الفرنسية أن عدد مساجين وزارة العدل فقط حاليا يفوق الطاقة القصوى للسجون بمرة ونصف، وأن زنزانة بمساحة 20 مترا يفترض أن تتسع لنحو 20 سجينا، فيها الآن ما يقارب 50 سجينا.
وفي تصريح مصدر من وزارة العدل طلب عدم الكشف عن اسمه، يؤكد أن الوزارة "تعترف بوجود حالة اكتظاظ في السجون وصلت إلى 200%"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "لا يمكن اعتبار وضع السجون مثالي".
ويعزو اكتظاظ السجون إلى:
- الأزمة المالية التي يمر بها العراق والتي منعت وزارة العدل من تنفيذ مشاريع كبيرة لفتح السجون.
- زيادة عمل الأجهزة الأمنية وإلقاء القبض على أعداد كبيرة من المجموعات الإرهابية.
- تأخير حسم القضايا، وهذا مسؤول عنه المؤسسة القضائية والجهات التحقيقية في وزارة العدل.
- التأخير في كسب الحكم للدرجة القطعية، أحيانا القضاء يحتاج إلى التحقيق من قبل أكثر من جهاز أمني، كالمخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب.
سجين واحد قد يجنّد الجميع
ويحذر الخبير بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي من أن اكتظاظ السجون قد يصعب عملية "العزل بحسب الجرم، ويزيد خطر التجنيد".
ويتابع "إذا وجد شخص واحد يحمل أفكار متطرفة داخل الزنزانة، فمن الممكن أن يجنّد الجميع".
ويقول المحلل في الشؤون الاستراتيجية الأمنية فاضل أبو رغيف إن عددا كبيرا من الذين "ألقي القبض عليهم (في العراق وسوريا) هم شرعيون ومنظرون ومفتون، وهؤلاء يملكون قدرة المحاججة وإيراد الأدلة وغسل الدماغ والإقناع".
ويعتقد أبو رغيف أن أكثر الذين يتم استقطابهم هم ممن لا يملكون معرفة واسعة في شؤون الدين، ويغرقون "بالكلام البياني للتنظيم (...) واللعب على وتر المظلومية لأهل السنة".
لكن مصدر وزارة العدل يلفت إلى أن "النزلاء والمدانين بعد اكتسابهم درجة الحكم القطعية يتم إدخالهم في برامج إعادة تأهيل ودمج".
ويصف هذه العملية بـ"الصعبة"، لأن "المناقشة والإقناع صعبة جدا خصوصا مع القيادات، لأنهم متمرسون ودرسوا الفكر المتطرف بشكل معمق، والمسألة لديهم عقائدية".
ويروي المصدر نقلا عن أحد القضاة قوله "عندما ننطق الأحكام السالبة للحياة لا توجد أي إيماءة في وجوههم أو تأثر بالحكم".
ويبقى عنصر النجاح قائم بشكل نسبي، لأنه بالإمكان "النجاح في تأهيل العناصر الأقل من القياديين، فعادة تبرز عندهم حالة الندم والتراجع".
كما تحاول وزارة العدل متابعة موضوع عدم تأثير المتطرفين على باقي النزلاء ومحاولة عزل الخطرين والمؤثرين منهم، وفقا للمصدر.