يعتبر القانون العراقي السحر "جريمة نصب واحتيال".
يعتبر القانون العراقي السحر "جريمة نصب واحتيال".

بغداد - دعاء يوسف:

تمشي إقبال عبّاس بين أزقة حيّ الحرية في بغداد، تتبع شخصاً لا تعرفه، لكنه اعتاد على إيصال الغرباء بواسطة كفيل، منذ سنوات، إلى بيت الحاج حسين.

انتظار قصير أمام البيت، قبل أن تسمح لهما سيدة بالدخول، مشيرة إلى صعود سلّم متهالك، يوصلهما بسطح المنزل، حيث الحاج حسين جالساً في غرفة طينية، أمامه عدد من الأوراق والأعشاب.

بصوت خفيض يطلب الحاج حسين من إقبال أن تروي قصتها والسبب الذي جلبها إليه، فهل يستطيع حل أي مشكلة تعانيها؟

"يساعدني الحاج دائماً في معرفة أسباب علّتي والتخلّص منها باستخدام التمائم التي تحميني من الحسد، وأعطيه المال بالمقابل"، تقول إقبال لـ(ارفع صوتك).

وتوضح إقبال أن الحاج حسين يعدّ التمائم حسب قصة الزبون، وعادة ما يستخدم الأعشاب مثل الزعفران وقرون الجن وتفاح الجن والخروع والكافور وكذلك عشبة دم الغزال بالإضافة لأجزاء حيوانات مثل أظافر الديك وجلد الأفعى، بصحبة البخور وقراءة الطلاسم والتعاويذ.

"ليس للنساء"

أم محمد تعمل معالجة روحية وتمارس السحر.

تقول لـ(ارفع صوتك) إن الوصفة (العمل) الذي يتم دفنه في مقبرة يأتي بنتائج أكبر من غيره، لذا تطلب مبالغ كبيرة من زبائنها تصل مليون دينار، إذ تدفع الجزء الأكبر للشخص الذي سيدفن "العمل".

وتؤكد أم محمد أنها تشترط على الزبائن القيام بـ"السحر الأسود"، لأن "الطلاسم والبخور فقط لا تجدي نفعاً".

وتعترف أنها لا تتقن "السحر الأسود" لكنها تعمل بالوكالة مع من يجيدونه، فإتقانه حكر على الرجال ممنوعة عنه النساء.

رغم أن ممارسة السحر محظورة في العراق، إلا أنه منتشر بشكل كبير، بين البيوت والمكاتب وتروّج له صفحات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي.

​​​​بيع أعضاء الموتى

في المقابر، يبحث المشعوذون والمشعوذات عن الحانوتيّة أو الذين يسكنون داخلها من أجل أن يدفنوا الوصفات السحرية في القبور مع الموتى، ما تسبب بهدم قبور كثيرة.

تقول أم علي التي تسكن إحدى مقابر بغداد لـ (ارفع صوتك) منذ أربع سنوات، إنها تواجه صعوبة مع ابنها في الحد من هدم القبور.

وتضيف أن الشخص منهم (كان حانوتياً أو حارساً شخصياً لقبر أو من سكان المقبرة)، يأتي باحثاً عن قبر قديم، يهدمه، ويتركه مفتوحاً يوماً أو يومين، ثم يعود بعدها لدفن "العمَل".

بالنسبّة للحانوتيّة المسألة مربحة جداً، لذا انخرط بعضهم فيها، وعدا عن دفنهم للوصفات السحرية فإنهم قد يوفرون للسحرة بعض المواد مثل الماء المخصص لغسل الموتى، أو بعض أعضاء الموتى بعد مرور 40 يوماً على دفنهم.

أين الحكومة؟

تؤكد تقارير وزارة الداخلية العراقية، أن نحو ثلاثة آلاف شخص يعملون في مجال الشعوذة والسحر والتنجيم، وينتشرون في مدن عراقية مختلفة، ويتقاضون مبالغ كبيرة من زبائنهم، بالتزامن مع رواج بيع الأحجار والتمائم بين شرائح مختلفة من العراقيين.

ومؤخراً، عمدت الوزارة عبر أجهزتها المختصة إلى ملاحقة هؤلاء الأشخاص وكذلك إلى إغلاق بعض مراكزهم وبيوتهم.

تقول المستشارة القانونية عبير صالح لـ(ارفع صوتك) إن عمل هؤلاء السحرة والمشعوذين والمتعاونين معهم يقع ضمن قانون النصب والاحتيال الذي جاء في المادة 456 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، الذي يعتبر ممارسة ذلك "جريمة نصب واحتيال".

لكن المشكلة لم تعد تتوقف عند جريمة النصب والاحتيال، بل صارت وسيلة للابتزاز المادي والجسدي، واستخدمت بعض العصابات المنظمة غطاء السحر والشعوذة لاستدراج الناس، خصوصاً النساء، لتنفيذ جرائم أخرى مثل المتاجرة بالنساء أو الأعضاء، وفق صالح.

وتؤكد "صعوبة إلقاء القبض على هؤلاء السحرة، إذ غالباً ما يتواجدون في أماكن لا يطالها القانون بسهولة، ومحميّة بقوانين عرفية وتقاليد مجتمعية".

حتى لو تم القبض على السحرة أو المشعوذين فإنهم يستطيعون التحايل على تنفيذ القانون والإفلات من العقاب بسبب الفساد المالي والإداري، تقول صالح، مضيفةً "الكثير من الناس يؤمنون بضرورة وجودهم وحماية معتقداتهم وأفكارهم".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.