أن تكون طبيبا في المحافظات التي تسيطر عليها العشائرية والقبلية فذلك بالتأكيد تحدٍ صعب.
أي خطأ طبي أو حتى وفاة سببها مرض وليس تقصير من الطبيب كفيل بفقدان حياة الأخير أو دفع دية بمبالغ كبيرة.
في قضاء الصويرة بمحافظة الكوت، قررت الأخصائية بأمراض الأطفال خلود حميد ترك مهنة الطب بعد نحو ثلاثين عاما من الخدمة في مستشفيات بغداد والبصرة والكوت.
تقول الطبيبة التي تعمل في مستشفى الصويرة العام حاليا في حديث لقناة "الحرة عراق"، إنها "تخاف ممارسة مهنة الطب"، بعد تعرضها لتهديدات عشائرية.
تهدد إحدى العشائر الطبيبة خلود بما يعرف "الكوامة العشائرية"، بسبب وفاة طفلة رضيعة كانت مصابة بمرض "متلازمة صعوبة التنفس".
"لم أتخلَ عن مهنتي رغم عملي في مختلف الأماكن وفي أصعب الظروف"، كما تصف الطبيبة خلود، التي لا تستطيع حبس دموعها، لكنها اليوم تؤكد أنه "بمجرد انتهاء هذه الأزمة، سأترك مهنة الطب".
والكوامة العشائرية هي الإعلان الرسمي عن وجود مشكلة بين عشيرتين عبر إطلاق العيارات النارية من قبل مجموعة أشخاص تذهب إلى منزل الشخص المهدد.
"نحتاج لقانون يحمينا"
وأمام مبنى مستشفى الصويرة العام، يتجمع العشرات من كادرها الطبي، مطالبين بتفعيل القوانين التي تحمي الأطباء والملاكات الطبية الأخرى.
وخلال أسبوع واحد تعرض أربعة أطباء في ذات المستشفى إلى التهديدات العشائرية، كما يوضح مدير مستشفى الصويرة العام مشتاق طالب، ويقول "القانون يأخذ مجراه، أنا كمدير مستشفى أحاسب المقصر، لكن هذه الطريقة الهمجية مرفوضة".
وتسببت هذه التهديدات بحدوث عجز واضح في أعداد الكوادر الطبية بمستشفى الصويرة العام.
تقول نقيبة الممرضات بمحافظة واسط عبير عباس إن "الخوف بات يسيطر على عملنا وتسبب بتراجع حجم خدماتنا"، مضيفة في حديث لقناة الحرة عراق "لا نتمكن من التعامل مع المراجعين بسبب الخوف، كما أن الممرضات يمتنعن من الالتزام بالخفارات بسبب التجاوزات التي تطالنا".
ولا تملك سلطات واسط الصحية إحصائيات لظاهرة التهديدات العشائرية ضد الكوادر الطبية، لأن الكثير من المتضررين لا يشتكون إلى الجهات القضائية.
العشائرية هجرت الأطباء
ويعد موضوع الفصل العشائري في حالة حصول مضاعفات طبية أثناء العلاج أو بعد إجراء العمليات الجراحية أو وفاة المريض من الأسباب الرئيسية لهجرة الأطباء إلى خارج العراق.
ويحيل الأستاذ بكلية التقنيات الصحية والطبية ببغداد الدكتور مضاء محمد صالح ظاهرة الاعتداءات الجسدية والأحكام العشائرية التي يتعرض لها الأطباء إلى "عنف اجتماعي متصاعد".
يقول صالح "نحن نعيش في بغداد. ولا يمر يومٌ إلا ونسمع بحالة ضرب وإهانة واعتداء بحق الأطباء في المستشفيات العامة وهم يمارسون مهنتهم الإنسانية في مجتمع مستذئب"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن الأطباء يتعرضون أحيانا "للقتل أو دفع الدية (الفصل) لأسباب في معظمها ليس بها أي وجه حق لذوي مريض قد قضى نحبه في المستشفى".
ويؤكد الدكتور صالح أن "غياب أي رادع يحمي الطبيب ويوفر له فرصة حقيقية في الدفاع عن نفسه وعن حقه، يضطره في معظم الأحيان إن لم تكن له عشيرة قوية أو حزب نافذ يحميه ان يذعن للباطل خوفاً على حياته من بطش الجبارين ويضمر ما نوى عليه بمغادرة أرضه وأرض آبائه وأجداده والهجرة إلى بلد يعرف قيمته الإنسانية والمهنية".
ويعتبر المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر أن التهديدات والملاحقات العشائرية التي يتعرض لها الأطباء "عاملاً ثانياً للهجرة.. الطبيب يتعرض بشكل يومي لهذه الاعتداءات تبدأ باللفظ الشتم والقتل والتهديد العشائري"، بسبب الأخطاء الطبية، مشيرا في حديث لموقعنا إلى أن "آلاف الأطباء هاجروا بسبب هذه التهديدات".