قبل 10 أيام، عزل مقتدى الصدر خطيب جمعة من تياره في محافظة ذي قار بسبب الإساءة لصفحة فيسبوك!
لكنها ليست أية صفحة. إنها صفحة "صالح محمد العراقي".
في منتصف هذا الشهر، أخرجت صفحة "صالح محمد العراقي" الآلاف من أنصار التيار الصدري في مظاهرات حاشدة في بغداد وكربلاء وبابل وواسط والبصرة والنجف.
وبتدوينة واحدة، أعادت الصفحة الصدريين إلى قواعدهم (لم يعودوا سالمين في الحقيقة، فقد قتل منهم أربعة أشخاص في التظاهرات).
"قال لي قائدي...لا داعي للاعتصام فهذا شهر الصيام"، كتب العراقي.
لا أحد يعرف من هو صالح محمد العراقي هذا. وهل هو شخصية حقيقية أصلا؟ هل هو أحد مساعدي مقتدى الصدر أم أنه مقتدى نفسه؟
مهما يكن، يحظى صالح العراقي بتأثير غير مسبوق.
لكن صالحا لم يعد وحده. صار له "خصم رقمي" جديد: طالوت الشروگي.
يمثل طالوت وجهة نظر قيس الخزعلي، زعيم مليشيا عصائب أهل الحق، الخصم اللدود لمقتدى (انشق عنه سنة 2008).
وكما العراقي، لا أحد يعرف هوية طالوت الشروگي ولا علاقته بقيس الخزعلي. لكن ما يكتبه يحظى بتأييد واسع وسط مؤيدي العصائب.
لكل من العراقي والشروگي صفحات باسمهما على فيسبوك وتويتر ويوتيوب. الأول يتابعه أكثر من 620 ألف شخص على فيسبوك، فيما لا يزال الثاني في بداياته (11 ألف متابع).
العراقي ضد الشروگي
دخل طالوت الشروكي وصالح محمد العراقي في حرب وسجالات حادة منذ أيام، على خلفية محادثات واتساب مسربة لعدد من النواب العراقيين، بينهم النائب عن كتلة "صادقون" سعد الخزعلي.
ووصفت هذه المحادثات بأنها تتضمن سخرية واستهزاء بزعيم التيار الصدري.
بادر صالح محمد العراقي إلى كتابة تدوينة قال فيها إنه أطلع مقتدى الصدر على "المحادثات المسيئة"، وأن الأخير سأل عن رأي قيس الخزعلي في الموضوع.
وأرفق العراقي تدوينته برسم لمقتدى الصدر وعليه عبارة "لن تفجع الحنانة مرتين".
خلال المحادثات المفترضة، بين العراقي ومقتدى الصدر، وصف زعيم التيار الصدري الخزعلي بأنه "يعشق السياسة" و"الدنيا"، وبأنه تنكر لمرجعه (محمد محمد صادق الصدر والد مقتدى) ونسي آل الصدر.
اكتفى قيس الخزعلي بالرد بتغريدة مبهمة قال فيها: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" في إشارة إلى الحديث النبوي.
لكن الرد القوي جاء من صفحة طالوت الشروگي على فيسبوك. استنكر الشروگي "ردة الفعل فقط ضد العصائب"، رغم أن نائبا واحد منهم شارك في المحادثات. بينما الآخرون من كتل أخرى.
"لماذا عدم التحسس من نواب بدر رغم أنهم أكثر"، كتب الشروگي على صفحته.
الملفت أيضا أن الشروگي كشف أن قيس الخزعلي حول النائب البرلماني "إلى المكتب التنظيمي للتحقيق معه".
وبعد يومين فقط، أعلن النائب سعد الخزعلي اعتذاره رسميا لزعيم التيار الصدري.
تحول الخلاف بين الشروكي والعراقي إلى سجال حاد شارك فيه الآلاف من أتباع التيار الصدري والعصائب.
تدوينة العراقي وحدها تمت إعادة مشاركتها أكثر من 4400 مرة، وعلق عليها 30 ألف شخص.
خلف السجال الحاد تخوفات من أن يتحول إلى مشادات في الشارع.
أرستقراطية وشيوعية!
يقدم طالوت الشروگي نفسه على أنه صوت الفقراء وممثل "الطبقة المنسية" في مواجهة "العراقي" ممثل الأرستقراطية الدينية والعائلية، مثل آل الصدر.
على صفحته في تويتر كتب الشروگي: "طالوت القرآني كان بكل معنى الكلمة (شروگيا) لأنه كان فقيرا من حيث المادة وعاديا من حيث النسب ولم يكن أرستقراطيا".
وفي إحدى تدويناته على فيسبوك، قال أيضا: "هذه هي الهوية (الشروگية) التي نتغنى بها فخرا.. ونلوذ بها نصرا. هي ليست كـ"الأرستقراطية" تدوس بقدميها كي تعلو.. وتنظر إلينا من فوق بكراهية وتكبّر".
يقول أمير عبد العزيز، وهو ناشط عراقي، "استعمال مفردة الشروكي لها دلالتها. صالح يمثل عائلة عريقة.. طالوت يمثل الهامش. بعض أفراد العصائب يعتقدون أنّ ثمة تمييزا طبقيا داخل الصدريين. يعتقدون أن أبناء النجف يعاملون أبناء الجنوب ومدينة الصدر معاملة عنصرية".
أما الصحفي والكاتب العراقي صالح الحمداني، فعلق في حسابه على فيسبوك قائلا:
حرب بالوكالة
لم يختر أي من مقتدى الصدر أو قيس الخزعلي مكتبهيما الإعلاميين أو ناطقين رسميين باسمهما للتعبير عن مواقفهما خلال السجالات الأخيرة. تكفل بذلك صالح العراقي وطالوت الشروگي.
"الصفحة الوهمية تبقى فيها مساحة زئبقية" تسمح بتسريب "أمور لا يمكن تسريبها بشكل رسمي"، يقول أمير عبد العزيز.
ينتمي عبد العزيز أيضا إلى التيار الصدري لكنه غير معجب بأسلوب "حرب الصفحات"، ويوجه انتقادات لاذعة لصفحة "صالح محمد العراقي".
ومع ذلك، يرى الناشط العراقي أن الصدر والخزعلي في "حاجة لمثل هذه الصفحات".
في تدوينته، وصف العراقي تنظيم الخزعلي بـ"المصايب". وشن هجوما لاذعا على أمينه العام.
"مثل هذا الهجوم، في هذا الوقت، مستبعد أن يصدر بشكل رسمي سواء من زعيم التيار الصدري أو من الناطق باسمه"، يقول عبد العزيز.
وبدوره، وصف مقتدى الصدر أعضاء العصائب بأنهم "بلا ورع"، واتهم زعيمهم قيس الخزعلي بأنه "بدل مرجعه" وبأنه يجمع نوابا يبغضون آل الصدر. وهو ما يصعب صياغته في بيان رسمي.
في رده، رفض طالوت الشروگي كل التهم التي أوردها مقتدى الصدر وصالح العراقي ضد الخزعلي، وانتقد وصف مؤيدي العصائب بأنهم "بلا ورع".
صفحات تقود الجماهير
تحظى صفحتا العراقي والشروگي بتأثير واسع. وقبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كانت صفحة صالح محمد العراقي هي من نشر "ثوابت" والتزامات مرشحي "تحالف سائرون".
وفي منتصف هذا الشهر، قادت حملة واسعة ضد قياديين في التيار الصدري اتهمهم مقتدى "بالعمل التجاري الحكومي باسم التيار".
واستجاب الآلاف لنداء الصفحة للاعتصام أمام محالات تجارية في ملكية القيادات المتّهمة بالفساد "فلا يدخلنها أحد للتسوق والتبضع لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام". وانتهت التظاهرات بإحراق مول البشير في النجف وبمقتل أربعة من الصدريين.
يقول أمير العزيز: "كثيرون يعتقدون بأن صالحا هو مقتدى الصدر. ومن لا يعتقد ذلك، يعتقد بأنّه مقرب منه. ولهذا فقوله مسموع بين الصدريين".
في الواقع، يستعمل صالح أسلوبا شبيها بأسلوب مقتدى الصدر في تدويناته على تويتر وفيسبوك.
يقول عبد العزيز: "يعرف (العراقي) كيف يخاطب الصدريين.. يخاطبهم بلهجة قائدهم ولسانه حتى يكون التأثير قويا".
قبل أربع سنوات، وجه أحد أتباع التيار الصدري سؤالا إلى مكتب مقتدى الصدر يسأل إذا كان الاعتراض على صالح العراقي يعني اعتراضا على شخص مقتدى نفسه.
يبدو السؤال صعبا. فلو اعتبر الصدر أن الاعتراض على العراقي يمثل اعتراضا عليه، لسمح ذلك لكثيرين بالقول إنهما شخص واحد. لذا، كان جواب مقتدى ضبابيا وعاما: "هو ينشر مقالاته وأفكاره.. وهي إن كانت نقذا لاذعا إلا أنها من النقد البناء".
مهما يكن، تحظى الصفحة بحماية خاصة من مقتدى الصدر. فعندما صدر قرار عزل خطيب الجمعة في ذي قار، تم تبريره بـ"التشكيك بثقة حجة الإسلام والمسلمين السيد مقتدى الصدر.. وهو الحاج صالح محمد العراقي"، وفق ما قال بيان صادر عن مكتب الصدر تناقلته وسائل الإعلام العراقية.
تنشر الصفحة بشكل متكرر صورا خاصة لزعيم التيار الصدري، ما يؤكد القرب الدائم لمديرها من مقتدى. وأحيانا يتحدث صالح العراقي بأن مقتدى الصدر "قال له" أو "طلب منه".
وبدورها، تنشر صفحة طالوت الشروگي أخبارا خاصة عن قيس الخزعلي وتتكلم باسمه أيضا.
ولا يخفي مقتدى الصدر دعمه لصفحة صالح محمد العراقي. وصفها مرة بأنها "صفحة أعانتنا في الشدة والرخاء". وقال عنها مرة: "تلك الصفحة هي من يمثلنا من جديد".
تدوينات صالح العراقي نفسه يعاد نشرها على الموقع الرسمي لمكتب مقتدى الصدر.
لكن هذا لا يعني وجود معارضة لصفحة العراقي داخل التيار الصدري نفسه.
أمير عبد العزيز، وهو أحد هؤلاء المعارضين، يقول إنهم "قليلون جدا وغير مؤثرين لأن الصفحة مدعومة بشكل قوي من القاعدة الصدرية ومن القيادة في الوقت ذاته".