الشاب الأيزيدي أمين صالح عمر
الشاب الأيزيدي أمين صالح عمر

أربيل - متين أمين.

لم تفارقه أمنية شراء سيارة خلال الأعوام الماضية التي أعقبت نزوحه مع عائلته من قضاء سنجار غرب الموصل إثر سيطرة داعش عليها عام ٢٠١٤، لكن رصاصة قناص  منعته من تحقيق هذه الأمنية الى الأبد.

 هذه قصة أمين صالح عمر، الشاب الأيزيدي (20 عاما) الذي قتل فجر ٤ حزيران/يونيو الجاري (حسب رواية أهله) من قبل الجيش التركي قرب مخيم جمشكو الذي يعيش فيه مع عائلته في قضاء زاخو شمال غرب محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق. 

على بعد نحو ٧ كيلومترات شمال قضاء زاخو، يقع مخيم جمشكو للنازحين الأيزيديين الذي يحتضن نحو ٤ آلاف و٧٩٧ عائلة أيزيدية نازحة غالبيتهم من أهالي القرى التابعة لقضاء سنجار.

وتعيش عائلة أمين وأقربائه وسط هذا المخيم كباقي أقرانهم من الأيزيديين الذين لم يتمكنوا حتى الآن بسبب الدمار وانعدام الاستقرار وتدهور الوضع الأمني من العودة إلى سنجار رغم مرور نحو أربعة أعوام على تحريرها من "داعش".

بعد انتهاء مراسم عزاء الشاب أمين، التي نظمت في المخيم، روى عمه ملكو عمر محمود، قصة مقتل الشاب لموقع (إرفع صوتك)، مؤكدا أن "المزارعين لا يتمكنون من العمل في حقوله بسبب كمائن الجيش التركي المنتشرة على ضفة التركية من نهر هيزل (أحد روافد نهر دجلة) الذي يفصل الأراضي العراقية عن الأراضي التركية غرب قضاء زاخو".

وأردف ملكو "في الساعة الرابعة فجر يوم ٤ يونيو الجاري، بعد انتهاء أمين ابن شقيقي واثنين من أصدقائه من سقي الحقل الذي يعملون فيه، توجه أمين نحو مضخة المياه لإطفائها، لكنه أصيب في رأسه برصاصة قناص أطلقها عليه الجيش التركي، ولم يتوقف الجنود الأتراك عن إطلاق النار على أمين بل أطلقوا النار على السيارة التي كانت برفقتهم، وتمكن صديقاه من النجاة بأعجوبة بعد أن لجأوا الى نقطة تابعة لقوات حرس الحدود العراقية التي تقع قرب الحقل وطلبوا منهم المساعدة لنقل أمين إلى المستشفى".

وأضاف ملكو أن حرس الحدود قاموا بإجلاء أمين بعد توجيه نداءات للجيش التركي بإيقاف إطلاق النار، موضحا "لم يفارق أمين الحياة فورا، فنقل إلى مستشفى زاخو ومنه إلى مستشفى دهوك لكن إصابته كانت بالغة ولم يتمكن الأطباء من إنقاذه ففارق الحياة في دهوك".

وأشار ملكو الى أن أمين كان المعيل الوحيد لعائلته المكونة من سبعة أفراد، فوالد أمين لا يستطيع العمل منذ سنوات بسبب معاناته من آلام في الظهر، لذلك كان وضع العائلة المادي ضعيف جدا خصوصا أنها تعيش في المخيم منذ نحو خمس سنوات.

ويتذكر عم أمين آخر مرة التقى فيها ابن شقيقه، وتابع "قبل يوم من مقتله التقيته في الحقل أثناء العمل، ودار بيننا حديث عن أمنيته في شراء سيارة، فقد كانت هذه أمنيته الوحيدة، لكن رصاصات الجيش التركي منعته من تحقيق حلمه".

وتساءل ملكو والحزن يطغي على نبرت صوته "نحن لم نتجاوز الحدود إلى داخل تركيا، كنا نمارس حقنا كعراقيين في زراعة أراضينا وتوفير لقمة العيش لعوائلنا، لماذا يطلق الجيش التركي النار علينا؟"، لافتا "كنا نظن أننا نجونا من داعش وسنتمكن من ممارسة حياتنا الطبيعية لكننا لم نتصور أن بنادق الجيش التركي ستحرمنا من مزاولة مهنتنا".

واستنكر مجلس محافظة نينوى شمال العراق حادث القتل وبدأ إجراءاته لمخاطبة السفارة التركية ببغداد، لفتح تحقيق بالحادث وكشف ملابساته والمطالبة بتقديم الجناة للعدالة مع تعويض ذوي الضحية.

وتنفذ القوات التركية منذ سنوات عمليات عسكرية على حدودها مع العراق ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي المعارض الذي ينشط في المناطق الجبلية الواقعة بين كردستان العراق وتركيا. 

وكثف الجيش التركي من عملياته على الحدود خلال الأشهر الماضية، وتوغل عشرات الكيلومترات الى داخل الأراضي العراقية في بعض المناطق الحدودية التي تشهد حاليا معارك بين مقاتلي العمال الكردستاني والقوات التركية التي تستخدم المدفعية الثقيلة والغارات الجوية في مطاردة مسلحي الحزب الأمر الذي تسبب في تعكير الاستقرار في القرى الحدودية العراقية.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

من عروض مسرح الدمى في الموصل
من عروض مسرح الدمى في الموصل

تسعى مؤسسة "السلام المستدام" وهي مؤسسة عراقية غير حكومية، عبر استخدام مسرح الدمى الى إعادة تأهيل الأطفال في الموصل وتخليص أذهانهم من الاثار النفسية للحرب والدمار.

وأطلقت المؤسسة في 5 سبتمبر الحالي مبادرة "مسرح الدمى" التطوعية عبر عرض مسرحي للدمى بالتعاون مع المخرج عادل العمري، بمشاركة أكثر 50 طفلاً تراوحت أعمارهم ما بين 5-12 عاما، وشملت المبادرة التي نظمت في الجانب الأيمن من الموصل تقديم مجموعة من النشاطات الفنية للأطفال المشاركين وجميعهم من وجميعهم من جانب المدينة، الذي مازال يعاني من دمار الحرب.

ويقول مدير مكتب مؤسسة "السلام المستدام" في مدينة الموصل، مهند حازم محمد، لـ"ارفع صوتك" أن فكرة المبادرة هي لـ"نشر السلم المجتمعي والتماسك المجتمعي عن طريق البذرة الأولى وهي الأطفال، لذلك هذه المبادرة تعمل على تنمية قدرات الأطفال وتوعيتهم عبر الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها بشكل عام والاماكن المخصصة للعب بشكل خاص"، مشيرا الى أن المؤسسة تهدف الى صناعة مسرح ثابت للدمى داخل مقرها أو مقر مركز قليتا للتنوع الثقافي، التابع للمؤسسة الواقع في الجانب الأيمن من الموصل.

وعاش أطفال الموصل أوضاعا إنسانية صعبة في ظل الخوف والجوع  خلال أكثر من 3 سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مدينتهم، ومازالت مخيلة الأطفال الذين عاصروا التنظيم تحتفظ بمشاهد القتل والتعذيب، الذي كان مسلحو داعش ينفذونها في الموصل ضد أهالي المدينة والمناهضين لـ"داعش"، الى جانب عمل التنظيم الإرهابي  عبر مكاتبه الإعلامية التي كانت منتشرة في احياء المدينة  على نشر فكره بين الأطفال وغسل ادمغتهم، ولم تتوقف مأساة الأطفال هنا، بل زادت عمقا وسط الدمار الذي خلفه التنظيم والمعارك التي شهدتها المدينة للتخلص منه. وكانت للموصل القديمة من اعمال التدمير حصة الأسد لأن المعارك النهائية لتحرير المدينة تركزت فيها.

فريق مسرح الدمى في مؤسسة "السلام المستدام"

ويوضح محمد أسباب تركيز المبادرة على الموصل القديمة، "استهدفت المبادرة المدينة القديمة وتحديدا حي سوق الشعارين المحاذي لجامع النبي جرجيس لان هذه المنطقة عانت ما عانته من دمار ولا توجد فيها ساحات أو مناطق مخصصة للعب الأطفال. تحتوي فقط شوارع، وغالبا أطفال هذه المنطقة يلعبون في الشوارع، لذلك ركزنا على موضوع لعب الأطفال في الأماكن الآمنة".

وتستعد المؤسسة حاليا لتنظيم 3 عروض مسرحية أخرى ضمن مبادرة مسرح الدمى، يشمل الأول التوعية بالنظافة الشخصية، والثاني موضوع القلم والممحاة الذي يحتوي على رسائل حول اهمية الكتابة والقراءة بالنسبة للطفل، واما الثالث سيكون عن النزوح وتأثيره على تنشئة الأطفال وفهم أهمية الاهتمام بالآخرين والاهتمام بالعائلة والقيم وبر الوالدين.

 وتعمل المؤسسة على ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي من خلال عرض مسرحيات دمى، التي تهتم مواضيعها بالتعايش السلمي والسلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية والعنف.

ويضيف محمد "نخطط لمسرح ثابت بأدوات ثابتة وبالتعاون مع أكاديميين متخصصين في مجال مسرح الدمى لتوعية هذا الجيل كي نبدأ بداية صحيحة للنهوض بواقع المدينة وحماياتها من أي فكر يؤذيها ويدمرها".

ويؤكد محمد على أن مشروع المسرح الثابت سيتضمن تصوير مسرحيات الدمى التي تعرض، ومن ثم نشرها على الانترنت ليشاهدها الأطفال في كافة أنحاء العالم وليس فقط الموصل، و"يرى العالم أن هذه المدينة التي كانت منكوبة قادرة على الرجوع لدورها الأساسي".

وفي منتصف يوليو عام 2017 عندما كانت معارك تحرير مدينة الموصل تقترب من الانتهاء، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسف" في بيان أن "جراح الأطفال الجسدية والنفسية العميقة سوف تستغرق وقتاً أطول لتلتئم. وقد تكبد نحو 650,000 طفل من الصبيان والبنات الذين عاشوا كابوس العنف في الموصل، ثمناً باهضاً وعانوا الكثير من الأهوال على مدى 3 سنوات".

وتؤكد المتخصصة في علم النفس هاجر العبدالله الزبيدي، على أن مبادرة مسرح الدمى ولعب الأطفال يعززان من قدرة الطفل على فهم البيئة المحيطة به.

وتضيف الزبيدي لـ"ارفع صوتك": "لهذه النشاطات تأثير كبير جدا يُسهم في تقوية ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على حلّ المشاكل التي يمكن أن تعترض سبيله لوحده من خلال مساعدة دميته والتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها".

وتشير الزبيدي الى حاجة أطفال الموصل للدعم والمساعدة من أجل التخلص من الصدمات التي تعرضوا لها والتخلص من الماضي واثاره وهذا يكون "عبر إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع عبر مجموعة من الوسائل كممارسة الألعاب ومنها الدمى ومشاهدة المسرحيات وغيرها من الوسائل الترفيهية".