"لا أستطيع رؤية نهاية الحريق"، يقول خلف قرو سليمان من سكان قرية كوجو
"لا أستطيع رؤية نهاية الحريق"، يقول خلف قرو سليمان من سكان قرية كوجو

تسببت حرائق اندلعت، صباح الثلاثاء، في محاصيل زراعية في قرية كوجو بقضاء سنجار (شمال العراق)، في تدمير مقبرة جماعية للأيزيدييين.

وقال شهود عيان من القرية وناشطون أيزيديون إن مقبرة حوض مزرعة عباس قاسم تعرضت لدمار جزئي بعدما وصلتها النيران.

وقتل المئات من سكان قرية كوجو  علي يد تنظيم داعش، صيف 2014، بينما تم اختطاف أكثر من 700 امرأة وطفل.

وأول أمس، اندلعت النيران في مقبرة جماعية أخرى في قرية همدان، وأتت عليها بالكامل.

أما في كوجو، فاندلعت النيران حوالي الساعة الحادية عشرة صباح اليوم بالتوقيت المحلي في محاصيل الحنطة والشعير، قبل أن تمتد إلى المقبرة.​

​​وقال خلف قرو سليمان، وهو من سكان كوجو: "المقبرة قريبة جدا من القرية.. أقل من 600 متر".

ووصف الشاهد العيان مقبرة حوض مزرعة عباس قاسم بأنها "أكبر مقبرة جماعية للأيزيديين في كوجو".

وتوجد أكثر من 200 مقبرة جماعية في العراق لضحايا تنظيم داعش، من بينها 16 مقبرة معروفة في كوجو وحدها.

ورغم أن المقبرة أصبحت في مأمن من النيران، إلا أن الحرائق ما تزال مشتعلة في المحاصيل الزراعية لحد الساعة.

وامتدت النيران على مساحات واسعة. يقول خلف إنه لا يستطيع "رؤية نهاية الحريق".​

وتداول متصفحو مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو للحرائق.

​ويؤكد خلف أن سيارتي إطفاء تحاولان إطفاء الحرائق بمساعدة الأهالي والمزارعين الذين يستعملون جرارات لمنع تقدم النيران.

"الحريق قوي. ولم تستطع فرق الإطفاء السيطرة عليه"، يقول خلف.

وحاول موقع (ارفع صوتك) الاتصال بقائممقام سنجار محما خليل، إلا أن هاتفه كان مغلقا.

من جهته، قال خيري علي إبرهيم، وهو مدير فرع سنجار للمنظمة الأيزيدية للتوثيق، إن "الأعشاب اليابسة المتراكمة فوق المقابر الجماعية" تسببت في امتداد الحرائق إليها.

وكشف أنه لا يمكن تنظيف المقابر إذ "تعتبر مسرح جريمة" قانونياً.

ويتخوف الأيزيديون من دمار مقابر أخرى.

"لا نستطيع تنظيف المقابر. نحن خائفون على المقابر الأخرى"، يقول حسن سليمان إسماعيل، وهو مدير مدرسة في كوجو.

ويعول الأيزيديون على فحوصات عينات الحمض النووي لرفات ضحايا المقابر الجماعية للتعرف على أقاربهم.

واختطف داعش أكثر من 6400 من الأيزيديين سنة 2014 تمكن 3200 منهم من الفرار، وما زال مصير الآخرين مجهولا.

وقبل أيام، قالت السلطات العراقية إنها بدأت تحديد هويات رفات 141 شخصا تم استخراجها من مقابر جماعية للأيزيديين.

لكن تضرر المقابر الجماعية بسبب الحرائق يمكن أن يؤثر على مسار تحديد هويات الضحايا.

"له تأثير كبير على ضياع الأدلة لأنها مهمة جدا لكشف خيوط الجريمة التي لحقت بالمكون الأيزيدي"، يقول شهاب أحمد سمير، وهو ناشط أيزيدي من سنجار يقيم حاليا في مخيم شيخان للنازحين بمحافظة دهوك (إقليم كردستان).

ولم يتم فتح مقبرة حوض مزرعة عباس حتى الآن.

داعش وراء العملية؟

يوضح خلف قرو سليمان، وهو شاهد عيان، أن "الحريق اندلع في نفس التوقيت في أربع مناطق مختلفة قريبة من قريبة كوجو، قبل أن يجتمع في حريق واحد".

وخلال الفترة الماضية، تبنى تنظيم داعش حرق آلاف الهكتارات من محصولي القمح والشعير في مدن ومحافظات مختلفة في العراق وسوريا.

ورغم شكوكه أن يكون داعش وراء العملية، يقول خلف إنه لا يمكنه الجزم إذا ما كان الحريق متعمدا أم لا.

وهو ما يوضحه أيضا خيري علي إبراهيم مدير فرع سنجار للمنظمة الأيزيدية للتوثيق: "الحريق غير معروف المصدر. لا دليل لحد الساعة أن داعش قام بهذا العمل".

لكن الناشط الأيزيدي شهاب أحمد سمير يستغرب اندلاع الحريق في "أكثر من 3 مواقع في سنجار بوقت واحد". ولا يستبعد أن يكون داعش وراء العملية.

بدوره، يقول حسن سليمان إسماعيل الذي يشغل منصب مدير مدرسة كوجو المختلطة إن "المولدة الكهربائية بعيدة عن مكان الحريق".

ويحرس شباب قرية كوجو المقابر الجماعية الموجودة في مناطقهم. لكن "المقابر الجماعية الأخرى دون حراسة"، يؤكد إسماعيل.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.