ملابس وعجلات تابعة للقوات الأمنية متناثرة على الأرض في نقطة تفتيش بالموصل في 11 حزيران/يونيو 2014
ملابس وعجلات تابعة للقوات الأمنية متناثرة على الأرض في نقطة تفتيش بالموصل في 11 حزيران/يونيو 2014

السنوات الأربع التي مرّت احتل فيها تنظيم داعش مواقع الإعلام والتواصل الاجتماعي كأخطر تنظيم مسلح متطرف فرض سيطرته على نحو ثلث مساحة العراق وأكثر من نصف مساحة سوريا.

بدأت رحلة سيطرته في العراق من مدينة الموصل، وكانت المدينة التي أعلن منها أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم خلافته.

سيطرة داعش بدأت بمسلحين لا يتجاوز عددهم المئات وفقا لشهود عيان على تلك المرحلة، لكنهم سيطروا على المدينة التي تضم الآلاف من أفراد القوات الأمنية من مختلف الصنوف.

في الذكرى الرابعة لاحتلال داعش للموصل، يروي شهود عيان لموقع (ارفع صوتك) بعض ما حصل في تلك المرحلة.

نازحون موصليون ينتظرون بسياراتهم عند نقطة تفتيش كردية على حدود أقليم كردستان في 10 حزيران/يونيو 2014

​​​منع التجوال

أول مشهد يرويه مؤلف كتاب "ليلة سقوط الموصل"، معن عبد القادر آل زكريا، حدث في يوم الخامس من حزيران/يونيو 2014، حيث كانت عجلات القوات الأمنية تستخدم مكبرات الصوت للإعلان عن بدأ منع التجول بعد الساعة الثانية ظهرا من ذلك اليوم، وهو ما تسبب بحالة "ذعر وخوف لدى أهالي المدينة وأثار تساؤلات عمّا يحصل".

يقول آل زكريا، الذي كان يسكن في فترة سقوط الموصل بحي الأندلس شمال المدينة، إن "هذا القرار (منع التجوال) كان بعد أيام من قتال القوات الأمنية مع مسلحين من تنظيم القاعدة، وهو الاسم المعروف للإرهابيين قبل إعلان داعش، كانوا يتسللون من المناطق الحدودية في شمال غرب الموصل، وتحديدا من قرية 17 تموز أو ما تعرف بقرية الهرمات".

استمر القتال ثلاثة أيام، حتى مساء التاسع من حزيران/يونيو، حيث وصل المسلحين إلى منطقة "باب الجديد بالموصل القديمة في الساحل الأيمن، واخترقوا عمق المدينة طولا، حتى وصلوا إلى منطقة الطيران والغزلاني ونهاية جنوب الموصل"، وفقا لآل زكريا.

ويتابع "بعد ساعات، بدأ الناس بالنزوح والقطعات العسكرية تترك أماكنها خصوصا القيادات والضباط، ما جعل المراتب في حالة عدم توازن ولا تعرف ماذا تفعل، تركوا أسلحتهم وبدأوا يبحثون عن ملابس مدينة ليتخفوا بها".

في العاشر من حزيران/ يونيو، كان كل أهالي حي الأندلس ومعظم المناطق الأخرى قد نزحوا، "بعض المناطق فرغت بشكل كامل تقريبا عند الظهيرة"، بحسب آل زكريا، مضيفا "تركنا منزلنا عند 12 ظهرا، وصلنا منطقة بدرية على حدود محافظة دهوك وكان هناك مئات الآلاف من الناس والسيارات هائمة في البراري، بانتظار السماح لدخولهم إلى إقليم كردستان".

​​​"ليست المحاولة الأولى"

في حي النجار جنوب الموصل، يلاصق منزل طارق القصار وهو شاهد آخر على أحداث سقوط المدينة، لمركز شرطة الشيخ فتحي في شارع بغداد.

يذكر القصار وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة الموصل أن اقتحام الموصل الذي حصل في حزيران 2014 كان هو الثاني، حيث سبقته محاولة أولى في عام 2013 لكنها فشلت، على حد قوله.

ويروي القصار "قبل عام ومن نفس الجهة بدأ مسلحو تنظيم القاعدة يتسللون ويهاجمون القوات الأمنية"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أنه "في المحاولة الأولى صعد قائد المركز المجاور لمنزلي إلى سطح المركز وطلب من الجنود أخذ المواقع وظل يشجعهم على القتال حتى الموت".

ويتابع "هذا المشهد لم يكن حاضرا، عندما خرجت للتأكد من وجود قوات في المركز وجدته فارغا وقد انسحب جميع عناصره، بعد ذلك فجر داعش المركز".

حاول القصار التواصل مع معارفه في الأحياء الأخرى، وتفاجأ أن عناصر داعش وكانوا معروفين في وقتها بتنظيم القاعدة، قد "انتشروا وبدأوا يتقدمون في مناطق الرفاعي".

أخذ عائلته على الفور وتوجه إلى شمال المدينة في طريق نزوحه إلى الإقليم، وعلى طول المسافة من جنوب المدينة وحتى وصوله إلى منطقة سادة وبعويزة في شمال الموصل كل ما شاهده القصار "أربع سيارات للشرطة الاتحادية".

يقول القصار "في شارع بغداد كان عدد الدواعش الذين يشاغلون القوات الأمنية في أربعة فقط، لكن كانت هناك كثافة بسقوط قذائف الهاون، ما يعني وجود قوة داعمة للمسلحين من خارج المنطقة".

ويرجح أستاذ العلوم السياسية أن عناصر تنظيم داعش الذي دخلوا الموصل "لم يكونوا مخططين للبقاء في المدينة والدليل تفجيرهم مراكز الشرطة التي كان من الممكن استخدامها كنقاط ارتكاز لهم"، مضيفا "لكن عندما أصبحت المدينة خالية من القوات الأمنية تمركزوا واستقروا فيها".

​​

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

أسرى
أسرى عراقيون خلال الحرب الإيرانية العراقية- أرشيفية

لا يزال ملف أسرى ومفقودي الحرب العراقية الإيرانية، ورغم اعلان البلدين اغلاقه منذ عام 2011، يشكّل أحد أبرز الملفات العالقة التي تنتظر التسوية بينهما وسط مطالبات ذوي الضحايا بالكشف عن مصير أبنائهم.

وتنتظر الآلاف من العائلات العراقية عودة أبنائها الاسرى، الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً، رغم مرور 35 عاماً على انتهاء الحرب و43 عاما على انطلاقتها وقد استمرت 8 سنوات، اسفرت وبحسب احصائيات دولية عن مقتل أكثر من مليون و100 الف شخص من الجانبين، وتدمير البنية التحتية والاقتصادية للبلدين وخلفت نحو مليوني جريح وأكثر من 200 ألف اسير ومفقود.

ويتبادل البلدان بين الحين والآخر رفات الجنود الذين قضوا خلال الحرب سواء الاسرى الذي توفوا في معسكرات الأسر او رفات الجنود الذين قتلوا على الشريط الحدودي بين الجانبين.

وفي سياق تقصي ملف الاسرى والمفقودين العراقيين وآخر التطورات التي شهدها هذا الملف، ومن أججل معرفة العدد الحقيقي للأسرى العراقيين المتبقين في إيران، تواصل موقع "ارفع صوتك" مع مسؤولين عراقيين للحديث عن الموضوع، لكن لم يدل أي منهم باي تصريحات عن هذا الملف.

واعتذر المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، عن التصريح حول الملف مكتفيا بالقول لـ"ارفع صوتك"، "لا يوجد لدينا تعليق حول هذا الموضوع".

ولم تتوقف عمليات بحث العوائل العراقية عن ذويها من الاسرى ومن المفقودين خلال السنوات الماضية، التي أعقبت سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003. حتى ان عددا من العوائل سافرت الى إيران للبحث عن ذويها، كما تروي لـ"ارفع صوتك" مروة عبدالمحسن، وهي عراقية من بغداد مازال مصير خالها مجهولاً منذ مطلع الثمانينيات، ومازالت تواصل البحث عن مصيره.

تضيف عبدالمحسن:"عندما فقد خالي كنت حينها 9 سنوات، العائلة تلقت بعد مدة من فقدانه رسالة منه وكنا سعداء لأنه أسير حي، لكن هذه السعادة لم تدم طويلا فبعد عامين من الرسائل التي كانت تصلنا بشكل متقطع انقطعت رسائله، حاولنا عبر مراجعة الجهات المعنية معرفة مصيره لكن لم نحصل على أي معلومات، ومع بدء تبادل الأسرى بين البلدين بعد الحرب كانت جدتي تزور الأسرى العائدين وتعرض عليهم اسم ومواصفات خالي آملة أن يتعرفوا إليه، واستمر بحثها الى ما بعد العام 2003 حيث ذكر لها عدد من الاسرى العائدين أنه موجود في السجون الإيرانية مع عدد اخر من الأسرى الذين لم يطلق سراحهم بعد".

زار افراد من عائلة مروة إيران عدة مرات للبحث عن خالها محاولين معرفة السجن الذي يتواجد فيه للعمل على اطلاقه لكنهم لم يتوصلوا الى أي نتيجة، وبحسب مروة، توصلت عائلتها الى معلومات تفيد أن "من تبقى من الاسرى في إيران محكومون بالسجن لسنوات ولن تطلق إيران سراحهم، الا بعد قضاء مدة حجزهم وغالبيتها مدد طويلة تصل الى 60 او 70 وحتى 90 عاما".

وتشير أرقام الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية الى أن اعداد المفقودين العراقيين في الحرب العراقية الإيرانية بلغت 52785 مفقوداً، فيما يبلغ عدد الأسرى الذين لم يحدد حتى الآن مصيرهم 169 اسيرا.

وتؤكد احصائيات الجهاز على عودة 8467 أسيرا عراقيا خلال الفترة الممتدة ما بين الأعوام 2003 ولغاية 2012، فيما بلغ عدد الأسرى المتوفين في معسكرات الاسر الإيرانية 1627 اسيراً، تسلم العراق حتى عام 2012 رفات 1166 منهم، فيما الإجراءات مستمرة للحصول على رفات الآخرين المدفونين في إيران والبالغ عددهم 461.

وتشير المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، هبة عدنان، الى التأثيرات العاطفية والنفسية لفقدان أفراد العائلة في الحرب العراقية الإيرانية انتقلت عبر الأجيال بما يشكل الصدمة، "نلاحظ هذا من خلال التفاعل مع العائلات التي تزور مركز الزبير في محافظة البصرة لاسترداد رفات أقاربها المفقودين"، كما تقول عدنان.

وتلفت عدنان الى أنه وبحسب إعلان كلا الحكومتين، فإن ملف الأسرى قد اغلق رسمياً، وجرى آخر تبادل للأسرى بينهما عام 2003 تحت إشراف اللجنة الدولية للصليب الاحمر.

وتضيف عدنان لـ"ارفع صوتك": "اغلاق ملف أسرى الحرب لا يعني توقف البحث عن الاشخاص الذين لا يزالون مفقودين جراء الحرب الايرانية العراقية، فهناك آلية عمل ثلاثية بين العراق وإيران والصليب الأحمر لمعرفة مصير العسكريين الذين فقدوا جراء هذه الحرب وتترأس اللجنة الدولية للصليب الاحمر هذه الآلية منذ العام 2008، وتسهل الحوار وتبادل المعلومات بين العراق وإيران في إطار هذه الآلية"، مشيرة الى أن "الصليب الأحمر يدعم أيضًا جهود السلطات لتوضيح مصير ومكان الأشخاص المفقودين وتشرف على عملية تبادل الرفات البشرية والتي يعثر عليها بشكل دوري".

وتؤكد عدنان أن الآلية هذه تمكنت في العام 2022، من استعادة 236 مجموعة من الرفات البشرية، التي سُلمت من العراق إلى إيران و45 مجموعة سُلمت من إيران إلى العراق. وفي النصف الأول من عام 2023 الحالي، سُلمت 71 مجموعة من الرفات البشرية من العراق إلى إيران و4 مجموعات من الرفات البشرية سُلمت من إيران إلى العراق.

وتضيف عدنان "على الرغم من ان مسؤولية التعرف على الرفات البشرية تقع على عاتق السلطات والدول، مع ذلك فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تسعى جاهدة لتعزيز قدرات السلطات المحلية من خلال توفير خبرتها المتميزة في جميع أنحاء العالم حول كيفية التعامل مع الرفات البشرية وتقديم المشورة لممارسي الطب الشرعي، وتجهيزهم بالأدوات والخبرات اللازمة حول أفضل الممارسات في عملية الفحص وتحديد الهوية وضمان تطبيق المعايير الدولية في عملية جمع البيانات".

وبحسب احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء بلغ عدد رفات الجنود العراقيين، التي استخرجت ما بين الأعوام 1991 ولغاية 2012، من مناطق العمليات على الشريط الحدودي العراقي الإيراني 15883 رفاتاً، بينما بلغ عدد رفات الجنود الإيرانيين المستخرجة من مناطق العمليات خلال الفترة نفسها 399 رفاتاً.