السنوات الأربع التي مرّت احتل فيها تنظيم داعش مواقع الإعلام والتواصل الاجتماعي كأخطر تنظيم مسلح متطرف فرض سيطرته على نحو ثلث مساحة العراق وأكثر من نصف مساحة سوريا.
بدأت رحلة سيطرته في العراق من مدينة الموصل، وكانت المدينة التي أعلن منها أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم خلافته.
سيطرة داعش بدأت بمسلحين لا يتجاوز عددهم المئات وفقا لشهود عيان على تلك المرحلة، لكنهم سيطروا على المدينة التي تضم الآلاف من أفراد القوات الأمنية من مختلف الصنوف.
في الذكرى الرابعة لاحتلال داعش للموصل، يروي شهود عيان لموقع (ارفع صوتك) بعض ما حصل في تلك المرحلة.
منع التجوال
أول مشهد يرويه مؤلف كتاب "ليلة سقوط الموصل"، معن عبد القادر آل زكريا، حدث في يوم الخامس من حزيران/يونيو 2014، حيث كانت عجلات القوات الأمنية تستخدم مكبرات الصوت للإعلان عن بدأ منع التجول بعد الساعة الثانية ظهرا من ذلك اليوم، وهو ما تسبب بحالة "ذعر وخوف لدى أهالي المدينة وأثار تساؤلات عمّا يحصل".
يقول آل زكريا، الذي كان يسكن في فترة سقوط الموصل بحي الأندلس شمال المدينة، إن "هذا القرار (منع التجوال) كان بعد أيام من قتال القوات الأمنية مع مسلحين من تنظيم القاعدة، وهو الاسم المعروف للإرهابيين قبل إعلان داعش، كانوا يتسللون من المناطق الحدودية في شمال غرب الموصل، وتحديدا من قرية 17 تموز أو ما تعرف بقرية الهرمات".
استمر القتال ثلاثة أيام، حتى مساء التاسع من حزيران/يونيو، حيث وصل المسلحين إلى منطقة "باب الجديد بالموصل القديمة في الساحل الأيمن، واخترقوا عمق المدينة طولا، حتى وصلوا إلى منطقة الطيران والغزلاني ونهاية جنوب الموصل"، وفقا لآل زكريا.
ويتابع "بعد ساعات، بدأ الناس بالنزوح والقطعات العسكرية تترك أماكنها خصوصا القيادات والضباط، ما جعل المراتب في حالة عدم توازن ولا تعرف ماذا تفعل، تركوا أسلحتهم وبدأوا يبحثون عن ملابس مدينة ليتخفوا بها".
في العاشر من حزيران/ يونيو، كان كل أهالي حي الأندلس ومعظم المناطق الأخرى قد نزحوا، "بعض المناطق فرغت بشكل كامل تقريبا عند الظهيرة"، بحسب آل زكريا، مضيفا "تركنا منزلنا عند 12 ظهرا، وصلنا منطقة بدرية على حدود محافظة دهوك وكان هناك مئات الآلاف من الناس والسيارات هائمة في البراري، بانتظار السماح لدخولهم إلى إقليم كردستان".
"ليست المحاولة الأولى"
في حي النجار جنوب الموصل، يلاصق منزل طارق القصار وهو شاهد آخر على أحداث سقوط المدينة، لمركز شرطة الشيخ فتحي في شارع بغداد.
يذكر القصار وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة الموصل أن اقتحام الموصل الذي حصل في حزيران 2014 كان هو الثاني، حيث سبقته محاولة أولى في عام 2013 لكنها فشلت، على حد قوله.
ويروي القصار "قبل عام ومن نفس الجهة بدأ مسلحو تنظيم القاعدة يتسللون ويهاجمون القوات الأمنية"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أنه "في المحاولة الأولى صعد قائد المركز المجاور لمنزلي إلى سطح المركز وطلب من الجنود أخذ المواقع وظل يشجعهم على القتال حتى الموت".
ويتابع "هذا المشهد لم يكن حاضرا، عندما خرجت للتأكد من وجود قوات في المركز وجدته فارغا وقد انسحب جميع عناصره، بعد ذلك فجر داعش المركز".
حاول القصار التواصل مع معارفه في الأحياء الأخرى، وتفاجأ أن عناصر داعش وكانوا معروفين في وقتها بتنظيم القاعدة، قد "انتشروا وبدأوا يتقدمون في مناطق الرفاعي".
أخذ عائلته على الفور وتوجه إلى شمال المدينة في طريق نزوحه إلى الإقليم، وعلى طول المسافة من جنوب المدينة وحتى وصوله إلى منطقة سادة وبعويزة في شمال الموصل كل ما شاهده القصار "أربع سيارات للشرطة الاتحادية".
يقول القصار "في شارع بغداد كان عدد الدواعش الذين يشاغلون القوات الأمنية في أربعة فقط، لكن كانت هناك كثافة بسقوط قذائف الهاون، ما يعني وجود قوة داعمة للمسلحين من خارج المنطقة".
ويرجح أستاذ العلوم السياسية أن عناصر تنظيم داعش الذي دخلوا الموصل "لم يكونوا مخططين للبقاء في المدينة والدليل تفجيرهم مراكز الشرطة التي كان من الممكن استخدامها كنقاط ارتكاز لهم"، مضيفا "لكن عندما أصبحت المدينة خالية من القوات الأمنية تمركزوا واستقروا فيها".