العراق

سبايكر.. فاطمة تريد قبرا لوالدها والحكومة "مشغولة"

علي قيس
12 يونيو 2019

منذ ستة أعوام، تأمل فاطمة محمد أن تجد قبرا لوالدها المفقود. أثناء تجولها هي ووالدتها وشقيقتها رقية في مقبرة النجف.

فُقد والد فاطمة (سبعة أعوام)، محمد عطيوي كريد، المنتسب في كلية القوة الجوية بقسم الحاسبة، في جريمة سبايكر. ومنذ خمس سنوات لا جثة ولا حقوق له أو لعائلته، على حدّ قول زوجته.

"لا قطعة أرض ولا تعويض نستند عليه، كالسكن مثلا"، تقول زوجة محمد لموقع (ارفع صوتك)، مضيفة "ليس هناك من يساعدني في سد حاجات بناتي الاثنتين، نحن جيل التسعينات ما زلنا صغارا ولسنا مستعدين لتحمل مثل هذه المسؤولية".

حقوق ضحايا سبايكر

وقعت جريمة قاعدة سبايكر في محافظة صلاح في شهر حزيران عام 2014، عندما قام عناصر داعش بإعدام أكثر من 1700 طالبا في كلية القوة الجوية بشكل جماعي.

وقد أنهى مجلس النواب العراقي الإثنين 29 نيسان/أبريل، القراءة الأولى لمسودة مشروع قانون "حقوق شهداء جريمة القاعدة الجوية (سبايكر)".

وأبرز ما تضمنه القانون المقدم من اللجنتين القانونية والشهداء والضحايا والسجناء السياسيين النيابية:

- يعد ضحايا القاعدة شهداء، سواء من عثر على رفاتهم أو الذين ما زالوا مفقودين.

- يتمتع الضحايا بكافة حقوق الشهداء أسوة بأقرانهم في وزارة الدفاع.

- لا يشمل مرتكبي جريمة "قاعدة سبايكر" بأي عفو عام أو خاص، ولا تسقط العقوبة بالتقادم.

​​

​​

على ماذا حصلت عائلات ضحايا سبايكر؟

تنتظر عائلة محمد التي تسكن في منزل مؤجر بناحية بسماية جنوبي بغداد، نتائج مطابقة البصمة الوراثية منذ خمس سنوات، لمعرفة مصيره.

وفاطمة هي الابنة الكبرى للمفقود محمد وهي في المرحلة الثانية من الدراسة الابتدائية.

تروي والدتها التي بدأت الجهش بالبكاء أثناء حديثها "ابنتي تسألني لماذا ليس لوالدي قبر حتى أزوره وأبكي عليه وأدعو له".

وتتابع "بماذا أجيب، أقول لها إن المسؤولين لا يستطيعون إنجاز فحص الـ(DNA) منذ خمس سنوات (...) تنازلنا عن حقوقنا، أعطونا فقط الجثث".

وعلّقت أم فاطمة على قراءة مجلس النواب لمشروع قانون يخص ضحايا جريمة سبايكر بالقول "لن نفرح بأي قرار أو قانون يصدر من الحكومة. منذ خمس سنوات أريد إنهاء معاملة زوجي ولم تنجز، معاملاتنا معرقلة بشكل معقد".

وتضيف زوجة المفقود "ما يحتاج لساعة ننجزه بأشهر، والمعاملة بعشر معاملات، فضلا عن تحويلنا من دائرة إلى أخرى، والمصاريف الكبيرة دون فائدة"، داعية المسؤولين إلى مراعاة "موضوع الروتين في معاملاتنا".

وتختتم حديثها "هذا ما حصلنا عليه نحن عوائل ضحايا جريمة سبايكر".

​​

​​

"الحكومة لا تهتم"

يؤيد عضو لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين النيابية عبد الإله النائلي ما ورد في حديث أم فاطمة، من إهمال تتعرض له عوائل الشهداء.

يقول النائلي إن مشكلة الروتين القاتل موجودة في جميع دوائر الدولة، ومع الأسف تطال عائلات ضحايا سبايكر. "هؤلاء يحتاجون إلى تكريم وتعويض لدماء أبنائهم".

وعلى الرغم من وجود قانون من الدورة البرلمانية السابقة يسهل الاجراءات الرسمية لعوائل الشهداء، "لكن مع الأسف هو حبر على ورق، الحكومة غير مهتمة بحقوق الشهداء، والجهات التنفيذية لا تأخذ به"، يقول النائلي.

وتحصل عوائل الشهداء من الذين وجدت جثثهم على الحقوق التقاعدية "بشكل طبيعي بعد أن تصدر لهم شهادات الوفاة"، وفقا للنائلي الذي يأمل أن تحصل عوائل الضحايا على "إنصاف أكثر وحقوق بشكل أكبر"، بعد تفعيل قانون حقوق شهداء جريمة القاعدة الجوية (سبايكر).

ويوضح "بهذا القانون تم شمول المفقودين بالحقوق التقاعدية، بمجرد تثبيت أسمائهم من قبل وزارة الدفاع، وحصولهم على شهادات الوفاة، سيحصلون على إنصاف أكثر واهتمام أكبر، هذا ما نأمله".

​​

​​

مسؤولية وزارة الصحة

وتنص المادة (الخامسة) من مسودة مشروع قانون حقوق شهداء جريمة القاعدة الجوية، بأنه "على وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة إكمال اجراءات مطابقة البصمة الوراثية (الحمض النووي)، وتسليم الرفات لذويهم في مدة لا تزيد على ستة أشهر من تاريخ التصويت على القانون".

يحمل عضو لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين النيابية النائلي وزارة الصحة جزء كبير من مسؤولية تأخر إنجاز معاملات المفقودين، لافتا إلى أن "المشكلة بموضوع المفقودين في جريمة سبايكر، هي مسألة الجثث، وإجراءات وزارة الصحة بهذا الصدد بطيئة جدا".

لكن المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر يقول إن وزارته أنجزت "النسبة الأكبر من التعرف على الجثث"، موضحا في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "نحن بذلنا كل الجهود في موضوع تحديد الهويات، لكن هذا الفحص ليس عاديا، تحتاج الجثة الواحدة إلى وقت طويل".

ويعتمد وقت التعرف على الجثة على الحالة التي وجدت ونسبة التفسخ التي وصلت إليها.

يوضح البدر "إذا كانت الجثة محتفظة بشيء من نسيجها تكون عملية الكشف أسهل، أما إذا كانت عظام فقط، ستحتاج إلى وقت طويل".

أما عن إلزام القانون للوزارة بسقف زمني لستة أشهر لإنهاء ملف الكشف عن مطابقة الجثث، فيقول المتحدث باسم وزارة الصحة "هذا القانون لن يغير شيئا"، مضيفا "نحن نريد إكمال الموضوع بأسرع وقت، لكن العملية مكلفة جدا والكوادر المكلفة بإنجاز هذا الموضوع قليلة جدا".

كما ألزم قانون حقوق ضحايا قاعدة سبايكر، أمانة بغداد ووزارة الثقافة بتخليد الضحايا من خلال إقامة النصب التذكارية، ودعا القانون وزارة الخارجية ومؤسسة الشهداء والمفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان إلى التعريف بهذه الجريمة في المحافل الدولية كونها جريمة إبادة جماعية.

علي قيس

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.