صورة تعبيرية لامرأة حامل
صورة تعبيرية لامرأة حامل

وضعت علياء عبدالمحسن (٣٩ عاماً)، طفلتها في صالة لعمليات الولادة النسائية بواحدة من مستشفيات بغداد المجانية.

"الآن، لا تعرفين السكوت عن الصراخ والبكاء، لكنك كنت تسكتين ليلة ممارسة الجنس"، تقول القابلة بلهجة ساخرة.

تعجّبت علياء من الممرضة، وأخبرت أمها بالأمر، فقالت "في غرفة الولادة، الصمت هو أفضل رد على مثل هذا الكلام".

في الحقيقة، شعرت علياء بالخجل وأكثر من ذلك "الذنب"، حسبما تقول لـ(ارفع صوتك) رغم أن والدتها اعتبرت الأمر عادياً، فهي ليست الأولى التي تتعرض له، وقد لا تكون المرة الأخيرة بالنسبة لعلياء. 

هل هو فعلا "عادي" والأفضل "تجاوزه"؟ تجارب نساء أخريات جرّبن الولادة في مستشفيات حكومية، تخبرنا أكثر.

مات جنينها..

حين كان عمرها 19 عاماً، دخلت فاتن رياض غرفة الولادة، لأول مرة، وخلال المخاض، سمعت من الممرضات "لا تصرخي، ألا تخجلين من نفسك وأنت تعلنين للكل أنك مارست الجنس؟".

ألم المخاض دفع فاتن للصراخ والاستغاثة، وبدل استخدام كلام مُطَمئن يخفف عنها الألم، قالت الممرضات "ماذا تتوقعين بعد النوم مع رجل؟ عليك تحمّل أي شيء".

صمتت فاتن (22 عاماً) أمام هذا الكلام، رغم أنها كانت بحالة صحيّة سيئة، لكنها لم تلد، مات جنينها أثناء المخاض بسبب ارتفاع ضغط دمها..

"ألا تخجلين؟"

يبدو السلوك أكثر قسوة مع النازحات، في المشافي المجانيّة. 

تعيش فرح عبد (٣٤ عاماً)، مع زوجها وأطفالها الأربعة في بيت أخيها بعد نزوحها إلى بغداد، وتعرضت مرارا لعبارات "جارحة"كما تقول لـ (ارفع صوتك).

توضح فرح "كلّما ذهبت لإجراء فحوصات تتعلق بحملي ووضع الجنين، تقابلني العديد من الممرضات بنظرات اشمئزاز، وعبارات مثل (نازحة ولا تفكر إلا برغباتها الجنسية، أو  نازحة وتمارسين الجنس، ألا تخجلين؟)".

وإذا عبّرت عن استيائها من كلام الممرضة، تقول لها "لست مضطرة للمكوث بهذا المستشفى إذا لم يعجبك كلامي".

وتضيف فرح: "كيف أجادل هذه الممرضة أو تلك القابلة أو أطالب بمحاسبتهن وأنا نازحة ويعتبرنني دخيلة وعالة على المجتمع البغدادي؟".

ولا تتمكن النساء من ذوات الدخل المحدود من الوضع في مستشفيات غير حكومية، وتضطر بعضهن إلى اللجوء للمستشفيات الخاصة، لكن عليهن توفير مبالغ مالية قد تتجاوز مليون دينار عراقي (840 دولار).

هل الحمل "عيب"؟

التعليقات الجارحة والمنتهكة لخصوصية النساء الحوامل، كما يعتبرنها، ليست ما يواجهنه فقط، فالكثير من الرجال العراقيين يرفضون مثلاً، السير مع زوجاتهم أو أيّ من قريباتهم الحوامل في أماكن عامة، باعتباره "عيباً". 

تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي، د. نهلة واثق، إن "عبارات السخرية ونظرات اتهام النساء خلال مرحلة المخاض والوضع أكثر شيوعاً مما قد يظن البعض، لكن نادراً ما تشتكي النساء منها علناً".

وتضيف واثق "عند مراجعة أي قسم نسائية وتوليد في المستشفيات الحكومية المجانية ستلحظ انزعاج الممرضات من تساؤلات المقبلات على الولادة، خاصة الصغيرات بالسّن ممن يعشن التجربة الأولى".

وتشير إلى أن المرأة العراقية "تعاني أوضاعاً متدهورة في الرعاية الصحية، تتجسّد في سلوكيّات تنتهك حياتها الخاصة، وتحديداً من نساء أخريات، عند مراجعة المستشفيات المجانية المعنية بالأمور النسائية والطب النسائي، أغلبهنّ يتم معاملتهن بعيدا عن الاحترام وكأن الأعضاء الجنسية تهمة".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

من عروض مسرح الدمى في الموصل
من عروض مسرح الدمى في الموصل

تسعى مؤسسة "السلام المستدام" وهي مؤسسة عراقية غير حكومية، عبر استخدام مسرح الدمى الى إعادة تأهيل الأطفال في الموصل وتخليص أذهانهم من الاثار النفسية للحرب والدمار.

وأطلقت المؤسسة في 5 سبتمبر الحالي مبادرة "مسرح الدمى" التطوعية عبر عرض مسرحي للدمى بالتعاون مع المخرج عادل العمري، بمشاركة أكثر 50 طفلاً تراوحت أعمارهم ما بين 5-12 عاما، وشملت المبادرة التي نظمت في الجانب الأيمن من الموصل تقديم مجموعة من النشاطات الفنية للأطفال المشاركين وجميعهم من وجميعهم من جانب المدينة، الذي مازال يعاني من دمار الحرب.

ويقول مدير مكتب مؤسسة "السلام المستدام" في مدينة الموصل، مهند حازم محمد، لـ"ارفع صوتك" أن فكرة المبادرة هي لـ"نشر السلم المجتمعي والتماسك المجتمعي عن طريق البذرة الأولى وهي الأطفال، لذلك هذه المبادرة تعمل على تنمية قدرات الأطفال وتوعيتهم عبر الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها بشكل عام والاماكن المخصصة للعب بشكل خاص"، مشيرا الى أن المؤسسة تهدف الى صناعة مسرح ثابت للدمى داخل مقرها أو مقر مركز قليتا للتنوع الثقافي، التابع للمؤسسة الواقع في الجانب الأيمن من الموصل.

وعاش أطفال الموصل أوضاعا إنسانية صعبة في ظل الخوف والجوع  خلال أكثر من 3 سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مدينتهم، ومازالت مخيلة الأطفال الذين عاصروا التنظيم تحتفظ بمشاهد القتل والتعذيب، الذي كان مسلحو داعش ينفذونها في الموصل ضد أهالي المدينة والمناهضين لـ"داعش"، الى جانب عمل التنظيم الإرهابي  عبر مكاتبه الإعلامية التي كانت منتشرة في احياء المدينة  على نشر فكره بين الأطفال وغسل ادمغتهم، ولم تتوقف مأساة الأطفال هنا، بل زادت عمقا وسط الدمار الذي خلفه التنظيم والمعارك التي شهدتها المدينة للتخلص منه. وكانت للموصل القديمة من اعمال التدمير حصة الأسد لأن المعارك النهائية لتحرير المدينة تركزت فيها.

فريق مسرح الدمى في مؤسسة "السلام المستدام"

ويوضح محمد أسباب تركيز المبادرة على الموصل القديمة، "استهدفت المبادرة المدينة القديمة وتحديدا حي سوق الشعارين المحاذي لجامع النبي جرجيس لان هذه المنطقة عانت ما عانته من دمار ولا توجد فيها ساحات أو مناطق مخصصة للعب الأطفال. تحتوي فقط شوارع، وغالبا أطفال هذه المنطقة يلعبون في الشوارع، لذلك ركزنا على موضوع لعب الأطفال في الأماكن الآمنة".

وتستعد المؤسسة حاليا لتنظيم 3 عروض مسرحية أخرى ضمن مبادرة مسرح الدمى، يشمل الأول التوعية بالنظافة الشخصية، والثاني موضوع القلم والممحاة الذي يحتوي على رسائل حول اهمية الكتابة والقراءة بالنسبة للطفل، واما الثالث سيكون عن النزوح وتأثيره على تنشئة الأطفال وفهم أهمية الاهتمام بالآخرين والاهتمام بالعائلة والقيم وبر الوالدين.

 وتعمل المؤسسة على ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي من خلال عرض مسرحيات دمى، التي تهتم مواضيعها بالتعايش السلمي والسلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية والعنف.

ويضيف محمد "نخطط لمسرح ثابت بأدوات ثابتة وبالتعاون مع أكاديميين متخصصين في مجال مسرح الدمى لتوعية هذا الجيل كي نبدأ بداية صحيحة للنهوض بواقع المدينة وحماياتها من أي فكر يؤذيها ويدمرها".

ويؤكد محمد على أن مشروع المسرح الثابت سيتضمن تصوير مسرحيات الدمى التي تعرض، ومن ثم نشرها على الانترنت ليشاهدها الأطفال في كافة أنحاء العالم وليس فقط الموصل، و"يرى العالم أن هذه المدينة التي كانت منكوبة قادرة على الرجوع لدورها الأساسي".

وفي منتصف يوليو عام 2017 عندما كانت معارك تحرير مدينة الموصل تقترب من الانتهاء، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسف" في بيان أن "جراح الأطفال الجسدية والنفسية العميقة سوف تستغرق وقتاً أطول لتلتئم. وقد تكبد نحو 650,000 طفل من الصبيان والبنات الذين عاشوا كابوس العنف في الموصل، ثمناً باهضاً وعانوا الكثير من الأهوال على مدى 3 سنوات".

وتؤكد المتخصصة في علم النفس هاجر العبدالله الزبيدي، على أن مبادرة مسرح الدمى ولعب الأطفال يعززان من قدرة الطفل على فهم البيئة المحيطة به.

وتضيف الزبيدي لـ"ارفع صوتك": "لهذه النشاطات تأثير كبير جدا يُسهم في تقوية ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على حلّ المشاكل التي يمكن أن تعترض سبيله لوحده من خلال مساعدة دميته والتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها".

وتشير الزبيدي الى حاجة أطفال الموصل للدعم والمساعدة من أجل التخلص من الصدمات التي تعرضوا لها والتخلص من الماضي واثاره وهذا يكون "عبر إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع عبر مجموعة من الوسائل كممارسة الألعاب ومنها الدمى ومشاهدة المسرحيات وغيرها من الوسائل الترفيهية".