أحد مولات المنصور/ المصدر: ا ف ب
أحد مولات المنصور/ المصدر: ا ف ب

تقول إيمان حسن "لم أعد خائفة من الشوارع كما كنت، صرت أحتفي بحياتنا الجديدة".

وتعمل إيمان (52 عاماً) في محل خياطة في منطقة المنصور بغداد، وتشعر فيه بالاستقرار والأمان، بعكس مشاعرها عام 2006، حين كانت تمرّ عبره في طريقها من الأعظمية لحيّ الجهاد، حيث صورته الراسخة في الذاكرة حواجز وتشديدات أمنيّة ومسلّحين على أسطح المنازل.

لكن ما هي "الحياة الجديدة" التي تقصدها إيمان؟ وما الذي يميّز هذا الحي عن غيره في محيط العاصمة؟

"تحرر" بعيداً عن التشدّد

إذا سألت بغدادياً عن أرقى المناطق في بغداد سيخبرك "المنصور"، نظراً لحجم الاستثمارات والمشاريع متنوعة المجالات فيه.

يتمشى الزائر المحلّي في المنصور، يتناول البوظة، يتجوّل بين متاجر الألبسة والهدايا التي تحمل أسماء ماركات عالمية، قد لا يتمكن من شراء بعضها بسبب الأسعار المرتفعة مقارنة بالأوضاع المعيشية، لكنها تبدو رحلة ممتعة للزائر.

الشباب يقصدون مول "بابليون" عادة، لقضاء الوقت في مقاهيه أو لإحياء حفلات أغان ورقص مختلطة في صالاته.

الشابة العشرينية سلوى ناظم تعمل سكرتيرة في عيادة أسنان، تقول لـ(ارفع صوتك) إن عملها في منطقة المنصور أتاح لها ارتياد الحفلات الغنائية للترفيه عن نفسها.

وتوضح سلوى "قبل أعوام كنّا لا نسمع بوجود حفلات للغناء والرقص بسبب المتشددين، وقبلهم لم يُسمح للفتيات بالاقتراب منها بسبب التقاليد العشائرية".

المقاهي مختلطة أيضاً، والنساء اللواتي يرتدنها يدخنّ النرجيلة بحريّة دون قيود اجتماعية، كما تقول سلوى.

"هاربات" ممّ؟  

تقول وسن عامر (٢٦ عاماً) إنها "تحررت من الحجاب مثل أخريات أُجبرن على ارتدائه سنوات طويلة لأسباب طائفية أو أمنية".

وتصف المنصور بأنها "متحررة جداً"، وترى ذلك من خلال أختها الأصغر (17 عاماً) التي تحرص على شراء ملابس تقليد لما يرتديه فنانوها المفضّلين في الغناء والرقص.

وتضيف وسن لـ(ارفع صوتك) أن "مقاهي المنصور باتت مأوى الفتيات الهاربات من التشدد في الأفكار والتقاليد، والانفتاح على ثقافات غربية".

"غير راضٍ"

أثناء تجوالك في المنصور، قد تلمح ساحة مسيّجة في موقع محوري، ينشغل فيها عُمّال ببناء مسجد جديد، وعلى بعد كيلومترات قد تجد باراً يبيع مشروبات كحولية.

يقول أسامة عثمان (٢٦ عاماً)، وهو عامل بناء نزح مع عائلته من مدينة الرمادي عام 2014  إنّ "المنصور تغيرت كثيراً، وصارت نسخة مقلدة لمعالم غربية لا تمت لنا بصلة، فتجد الاختلاط بين الشبان والشابات بنسبة كبيرة وسلوكيات وأزياء لا يتقبلها مجتمعنا".

حازم حميد (٤٦ عاماً) من قرية أبو غريب، ويعمل في بيع وشراء السيارات، يقول لـ (ارفع صوتك) إنه يحب المنصور باختلافها ولا يتناقض ذلك مع تديّنه.

ويخبرنا عن سر حبه لها "أقضي أوقاتا ممتعة ومختلفة مع أقراني في العمل، كل منا ينتمي لطائفة دينية مختلفة".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.