مضت خمسة أشهر على وضع حجر أساس إعادة إعمار جامع النوري أحد أبرز المعالم التي دمرها تنظيم داعش في مدينة الموصل العراقية.
لكن الجامع، الذي أعلن منه زعيم داعش أبو بكر البغدادي "خلافته"، ما يزال ركاما.
هذا المعلم الحضاري، كغيره من المعالم التاريخية، لم يحظ حتى اللحظة بإعادة الإعمار في ثاني أكبر مدينة عراقية، كما هو حال الآلاف من المنازل والدور السكنية والمجمعات والمنشآت الحكومية والخاصة والطرق والجسور التي دمرتها الحرب.
وحتى منتصف حزيران/يونيو 2017 تجاوزت نسبة الدمار في الأحياء السكنية 60%، بينما بلغت في البنى التحتية نحو 80%، نتيجة ثلاث سنوات من سيطرة داعش على الموصل وعمليات التحرير التي تلت ذلك.
وبالرغم من أن الدمار يلف كل شبر من المدينة القديمة فهناك المئات من الشباب والأطفال المشردين يجدون من تلك المنطقة مصدرا للرزق.
بعضهم يجمع قطع الحديد والبلاستيك والأخشاب من بقايا الركام وينقلها بعربات الحمير إلى أسواق الخردة.
ويعمل هؤلاء بوتيرة أسرع من أي شيء آخر، بما في ذلك آلات الحفر الرابضة على مباني عدة.
وتقول السلطات المحلية إنها لا تملك المعدات الكافية لرفع الركام المنتشر بعد تدمير مئات العربات خلال القصف والاشتباكات والتفجيرات.
ويقع الكثير من عبء رفع الأنقاض اليوم على فرق وحملات شبابية أطلقها متطوعون من المدينة.
يقول محمد عبد الوهاب، أحد الشباب المتطوعين: "نحاول نرفع الأنقاض ونبني بيت بيت. الدول المانحة لا سألت عنا ولا شفنا منها شيء".
ويقول شاب آخر، يدعى يوسف سعد، لموقع (ارفع صوتك): "لا شفنا تعويض ولا شيء من الحكومة ولا المنظمات. نعمل بجهود شخصية".
وينفي أحمد محمد، وهو مختار المنطقة القديمة، ما تم تداوله عن إعادة بناء قرابة 1000 منزل في محيط جامع النوري بدعم من دولة الإمارات وبإشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ويوضح: "لم نلمس على أرض الواقع أي شيء.. في المناطق الأكثر دمارا يحتاج السكان ترجمة الأقوال إلى أفعال".
وتشكو أسر أجبرت على بناء منازلها صعوبات مالية، بعدما اضطرت للاستدانة والاقتراض. وتعيش كثير منها اليوم على المساعدات.
وتعاني مشروعات تمول من خلال مساعدات خارجية من التأخير.
ومن إجمالي 18 ألف طلب تعويض أرسل من نينوى إلى بغداد، حُسمت 150 معاملة فقط خلال الأسابيع الأخيرة، وفقا لمنصور المرعيد محافظ نينوى الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي منتصف حزيران/يونيو الجاري.
وتحدث المرعيد أيضا عن حسم 500 معاملة أخرى خلال أيام.
سوء إنفاق وفساد؟
قدرت الكلفة الأولية لإعادة إعمار الموصل بين 30 إلى 40 مليار دولار.
وتقف وراء تأخير الإعمار أسباب كثيرة، حسب مسؤولين محليين، بينها سوء الإدارة واتهامات بالفساد.
يقول عبد الرحيم الشمري، وهو نائب برلماني عراقي عن محافظة نينوى: "لا توجد خطة استراتيجية حقيقية ولا خطة متكاملة بين الحكومة والمنظمات الدولية.. ما يجري فوضى وسوء تخطيط".
ويضيف الشمري لموقع (ارفع صوتك): "الفساد سبب أساسي في إعاقة عملية الإعمار. وهذا يجعل انتعاش المدينة بطيئا واعتباطيا. المنظمات الدولية تذكر أرقاما كبيرة جدا تقدم للموصل، وعلى أرض الواقع لا يأتينا إلا عُشر منها".
لكنه قال إن "الأموال التي تخصص للموصل يساء إنفاقها. الإدارة غير قادرة على إدارة المال بالصورة الصحيحة".
"مدينتنا يعاد بناؤها على الورق. الدولة غائبة هنا. الفساد في كل مكان"، يقول أحد سكان مدينة الموصل.
لكن سالم عثمان، مدير فرع نينوى في صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة، يرفض اتهامات الفساد وسوء الإدارة.
ويقول لموقع (ارفع صوتك) "كيل الاتهامات غير صحيح لأي جهة. المفروض من يتهم يكون لديه وثائق رسمية تؤكد ما يقوله".
ولا يعتقد عثمان حاجة المحافظة لخطة خمسية أو عشرية. "خلال سنتين أو ثلاث ستكون المحافظة على الأقل بوضعها السابق (قبل سيطرة داعش). هناك جهود كبيرة من أجل ذلك، تركيزنا حاليا على البنية التحتية يليها بناء مساكن للعوائل الفقيرة والنازحين والذين تضررت منازلهم"، يقول.
ويؤكد سالم عثمان أن صندوق إعادة الإعمار نفذ العام الماضي 50 مشروعا استراتيجيا بكلفة تجاوزت 60 مليار دينار عراقي، وأن خطته للعام الجاري (2019) تشمل 54 مشروعا بكلفة 90 مليار دينار.
ونهاية عام 2017، قدرت الأمم المتحدة كمية الحطام الناتج عن النزاع في الموصل بـ11 مليون طن.
ومن إجمالي موازنة الدولة لعام 2019، خصصت 560 مليون دولار لإعادة بناء الموصل.
وبحسب مسؤول أممي في العراق، تبلغ كلفة أعمال البناء بالموصل لعام واحد قرابة 1.8 مليار دولار.
"السلطات تنفق كثير من الأموال والعمل يستغرق وقتا طويلا جدا، رغم أنه يفترض أن يستغرق هدم مبنى كبير بضعة أيام وبضعة ألوف من الدولارات"، يقول ناشط محلي عراقي رفض الكشف عن اسمه.
إعمار بدون رؤية موحدة
يقر منصور المرعيد محافظ نينوى، الذي عين في منصبه في آيار/مايو الماضي، بعدم وجود رؤية موحدة لإعادة اعمار الموصل.
"المشكلة التي واجهتنا أن كل جهة قدمت رؤية وتتعامل معها على أنها هي الصواب وعلى الجهة التنفيذية أن تتبناها"، قال المرعيد في مؤتمره الصحفي منتصف حزيران/يونيو الجاري، عقب ورشة حوارية جمعت مهندسين ومراقبين وممثلين فرنسيين وإيطاليين بهدف تقديم رؤية موحدة حول إعادة إعمار المدينة القديمة في الموصل.
وقال إنه سيتم الاحتفاظ بجزء من المدينة القديمة كتراث، وبقية الأجزاء سيتم تصميمها بشكل حديث.
وفي وقت سابق وعد المرعيد، بأن المحافظة "ستشهد حملة إعمار واسعة وسريعة لإغاثتها من الدمار وإعادة الحياة إلى طبيعتها وعودة جميع المهجرين إليها".
وأعادت عائلات بناء منازلها ومحلاتها التجارية بنفسها.
اقترض حسام آلاف الدولارات من مصادر مختلفة لإعادة بناء منزله ومحله التجاري في حي قريب من المدينة القديمة المطلة على ضفة نهر دجلة.
"الناس استلفت كل شيء. لم نحصل على أي أموال من الحكومة ولا على قروض بنكية"، يقول حسام الذي يؤكد أن كثير من أقاربه اضطروا لاستئجار شقق شرق الموصل بمبالغ باهظة لا يتحملونها بغرض السكن بعدما تحولت منازلهم إلى أطلال.
وأسرة حسام من بين الأسر القليلة التي عادت إلى الجانب الأيمن من الموصل حيث وقعت أسوأ الأضرار من الضربات الجوية والاشتباكات في شوارع المدينة القديمة المزدحمة.
ومن بين أكثر من 10 مواطنين موصليين استطلع آراءهم (ارفع صوتك)، عبر غالبيتهم عن مخاوفهم من عودة داعش إلى مدينتهم وتجنيد مزيد من الأشخاص مستغلا الوضع المأساوي للسكان.
ويؤكد بعض السكان أن الظروف التي ساعدت داعش بالسيطرة على الموصل عام 2014، كالفساد وإهمال الحكومة، "ما تزال قائمة".