"التصعيد السياسي المؤيد لإيران من قبل بعض الأحزاب قد تدفع ثمنه الأقليات الدينية في العراق"، بهذه العبارة يبدأ السياسي المسيحي جوزيف صليوا حديثه لموقع (ارفع صوتك)، معبرا عن تخوفه من تمرير بعض القوانين التي "تحاول نسخ نظام الفقيه الموجود في إيران على طريقة إدارة الدولة في العراق"، على حد قوله.
يحذر صليوا، وهو نائب سابق في البرلمان العراقي عن المكون المسيحي، من أن "الأحزاب الدينية المدعومة من إيران" تحاول من جديد إعادة طرح مشروع قانون المحكمة الاتحادية على طاولة البرلمان لتمريره، موضحا أن "وجود رجال الدين في المحكمة الاتحادية سيعطي قوة للأطراف الدينية المتشددة بتفعيل القوانين الدينية المنافية لحقوق الإنسان، مثل زواج القاصرات".
وينص مشروع قانون المحكمة الاتحادية على وجود أربعة أعضاء من الفقهاء بالشريعة الإسلامية، من أصل 11 عضوا.
ويعتبر السياسي المسيحي أن تأثير تشريع هذا القانون لن يقتصر على "أصحاب الفكر المدني من المسلمين فحسب، بل على الأقليات الدينية كلها".
مخاوف غير مبررة
لكن عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب عمار الشبلي يعتبر المخاوف التي ذكرها صليوا "غير مبررة"، مؤكدا أن وجود الفقهاء الإسلاميين ضمن أعضاء المحكمة "لا يقدح بحقوق الديانات الأخرى، ولا يعني أن تشريعا دينيا راديكاليا سيفرض على الشعب العراقي".
ويقول الشبلي إن "بعض النصوص قد تخالف الشريعة الإسلامية، لذلك الأقدر على فهم المخالفة للشريعة الإسلامية هم فقهاء الدين"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن "عدد الأعضاء من القضاة هو أكثر من عدد فقهاء الشريعة الإسلامية، لذلك سترجح كفة القضاء".
ويتابع أن الدستور وإن أقر الإسلام دينا رسميا للعراق، لكنه "شدد في الوقت ذاته على احترام خصائص الأديان الأخرى".
ومن المزمع أن يطرح قانون المحكمة الاتحادية خلال الجلسات المقبلة "للنقاش والقراءة الثانية لكن هناك خلافات كثيرة على القانون تمن نجاح تمريره"، وفقا لعضو اللجنة القانونية، موضحا أن أبرز الخلافات هي:
عدد أعضاء المحكمة، كيفية التصويت على القانون ونسبة المصوتين بالأغلبية أم الثلثين أم أربعة أخماس عدد أعضاء البرلمان، ومن يختار أعضاء المحكمة الاتحادية.
هذا فضلا عن ملاحظات من مجلس القضاء الأعلى ومن المحكمة الاتحادية القائمة حاليا حول مسودة القانون.
نسخ ولاية الفقيه
ويلفت النائب المسيحي السابق صليوا إلى أن تشريع القانون سيفتح المجال لصياغة "قوانين أخرى متشددة دينيا منسوخة عن القوانين المعمول بها في إيران وعلى غرار ولاية الفقيه"، مضيفا "تجربتنا مع الأحزاب الدينية جعلتنا نفقد الثقة بها، لأنهم وعدونا في الكثير من القوانين ومرروها".
ويتابع "مثالا أذكر المادة السادسة الفقرة ثانيا في قانون البطاقة الوطنية الموحدة، المتعلقة بتحديد دين الإسلام للقاصرين، وعدونا أنها ستعدل أو تلغى لكنهم صوتوا ومرروا القانون".
إلا أن عضو اللجنة القانونية الشبلي ينفي محاولة تطبيق ولاية الفقيه في العراق، مشيرا إلى أن "الدستور العراقي لا يصطبغ بصبغة دينية والديمقراطية هي احترام الأغلبية واحترام الأقليات".
ويضيف "عندما نص الدستور على أن دين الدولة هو الدين الإسلامي، أشار إلى لا تسن قوانين تعارض مبادئ الديمقراطية، وأنه يجب الموازنة بين مبادئ الإسلام والديمقراطية".
المحكمة الأهم بالعراق
وتعتبر المحكمة الاتحادية أهم المؤسسات القضائية في العراق، حيث يوكل لها موضوع حل النزاعات بين السلطات الاتحادية والمحافظات والإقليم، كما يرجع لها في تفسير مواد الدستور، ومدى شرعية القوانين المسنة مع الدستور.
وتضم المحكمة وفق مشروع قانونها 11 عضوا، هم اثنان من فقهاء القانون وأربعة من فقهاء الشريعة وخمسة قضاة.
وتتكون المحكمة من رئيس واحد ويكون قاضيا وبدرجة رئيس مجلس النواب من حيث الامتيازات والحقوق.
كما تضم نائبا واحدا من القضاة أيضا، ويكون مع باقي الأعضاء بدرجة وزير من حيث الامتيازات والحقوق.
وتكون مدة الخدمة في المحكمة لمدة (12 عاما) من تاريخ المباشرة.
لا حاجة للخبراء
وتعتبر الخبيرة القانونية والعضوة السابقة في مفوضية حقوق الإنسان العراقية بشرى العبيدي تشريع قانون المحكمة الاتحادية بمثابة "إطلاق الرصاصة في جسد استقلالية القضاء العراقي".
وتقول العبيدي إن "موضوع وجود خبراء ليسوا قضاة داخل السلطة القضائية أمر مخالف للدستور نفسه"، وهذا يشمل خبراء القانون الذين لا يحملون صفة قاضي أيضا وليس خبراء الشريعة فقط، على حد قولها.
وتضيف العبيدي "إذا كان الغرض من وجودهم أخذ الرأي، فأن ذلك لا يستوجب أن يكون هناك أعضاء داخل أعلى محكمة في العراق من غير القضاة"، موضحة في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن القانون سمح بالاستعانة بالخبراء، "وهذه الاستعانة موجودة في قوانين الإثبات وفي قانون أصول المحاكمات الجزائية".
ووفقا للقانونية العبيدي، في حال وجود حاجة لدى القاضي إلى توضيح من قبل الخبراء فإنه "يرسل بشكل طبيعي إلى أصحاب الخبرة بكتاب رسمي يحدد نقاط التي يحتاج فيها الخبرة، ورغم ذلك فإن تقرير الخبرة بموجب القانون غير ملزم للقاضي، يبقى الأخير هو الوحيد صاحب السلطة في اتخاذ القرار".
وتلفت العبيدي إلى أن موضوع المحكمة والصراع على تمرير قانونه بشكله الحالي هو موضوع "مناصب ودرّ أموال ومحاصصة".
وتتابع "حاليا لدينا فقط السلطة القضائية مستقلة رغم وجود بعض الخروقات في بعض مواطن السلطة القضائية المخترقة من قبل السياسيين، وإذا فتح هذا الباب ستحدث كارثة في المؤسسة القضائية".