صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لم تكتف عائلة العريس ناظم حمد (23 عاماً)، بضرب عروسه وجدان (21 عاماً) ليلة الدخلة وطردها إلى بيت أهلها، بل هددت أهلها بفضحهم إذا لم يدفعوا مبلغاً مالياً كتعويض على ما أسموه "تدنيس شرفهم".

أما تُهمة وجدان المقيمة في بغداد، فهي "فقدان العذرية" بعد رؤية العائلة المنديل الأبيض غير ملطّخ بالدم!

لجأت عائلة وجدان سراً لطبية نسائية وتثبتت من العكس، لكنه ظلّ سراً. 

تروي وجدان لـ (ارفع صوتك) ما حدث بعد زواجها في العام الماضي 2018: "اللجوء للقانون صعب جداً، فسمعة العائلة وشرفها مهدد بفضيحة للأبد. لذا كان التعويض المالي هو الحل".

قانونياً، تجري فحوصات عُذريّة طبيّة برعاية الطب العدلي تحت غطاء قضائي، لكن النتائج تحتاج موعداً أقصاه أسبوعان، لذا تلجأ عائلة العريس أو العروس لطبيبة نسائية من أجل نتيجة أسرع قبل أن يتسبب الأمر بقتل المرأة "غسلاً للعار".

بقيت في بيت أهلها حتى دفعوا المال لأهل العريس، الذي طلقها بعد ذلك مباشرة.

ماذا عن التوعية الجنسية قبل الليلة الأولى؟ تقول وجدان إن أمها أوضحت لها قبل ليلة زفافها أن "تتعامل مع عريسها بهدوء وألّا تخاف من اقترابه، وتساعده في خلع ثيابه وتتصرف كما يريد دون اعتراض أو ممانعة".

كما اختصرت أمها عملية المعاشرة بـ"إيلاج عضو الرجل الجنسي بغية فض غشاء البكارة فقط"، حسب وجدان.

ولا يزال المنديل الأبيض الذي يُلطخ ببقع الدم الناتجة عن فض غشاء بكارة المرأة بعد ممارسة الجنس، "برهان العُذريّة" في بعض المناطق داخل العراق.

"إلبس العكال"

تصف أطياف (28 عاماً) ليلة عرسها قبل خمس سنوات بالقول "تجمع المحتفلون بعد الزفاف في باحة الفندق الداخلية بانتظار زوجي، ليخرج لهم بعد ساعات بالمنديل المبقّع بدمي". 

تقول لـ (ارفع صوتك) إنها كانت خائفة جداً تلك الليلة حتى ظهر "برهان العُذريّة" وخرج عريسها خرج للمجتمعين، بينهم أبوها، يحمل المنديل الأبيض قائلاً للأخير "إلبس العكال"، في إشارة إلى أنها عذراء وأنها "صانت شرفه".

والعكال رمز رجولة وشرف بالنسبة للكثير من أهالي العشائر العراقية، سواء الذين سكنوا في بغداد أو يعيشون في أطراف العاصمة، وخلع العكال قد يعني غياب الشرف والكرامة لصاحبه.

3 ساعات رعب

كان أمينة محسن (35 عاماً) خائفة جداً من ممارسة الجنس لأول مرة ليلة عُرسها قبل 14 عاماً، وحين ضاق زوجها ذرعاً، شك بأنها "غير عذراء". 

تقول أمينة لـ (ارفع صوتك): "لم أنجح ليلتها في الحصول على بعض الوقت لاستعادة هدوئه أو هدوئي، رغم أن زواجنا بُني على قصة حب".

وزاد الأمر صعوبة، انتظار أهل العريس وأفراد من عشيرته خارج غرفتهما. تقول أمينة "لا أعلم حتى الآن كيف مرت عليّ هذه الليلة! من أسوأ ذكريات حياتي".

لم يمهلهما الأهل الوقت، دخل بعضهم الغرفة، وارتفعت أصوات تطالب بضرب أمينة رداً على تمنّعها، واستفزّوا العريس بـ"إثبات رجولته".

تقول أمينة "انتظرونا ليلتها نحو ثلاث ساعات طويلة لشدة الارتباك والخوف، حيث صاحب المعاشرة ضربٌ وشتائم حتى أثبت زوجي رجولته وحصل على دليل عذريّتي".

كل ما حدث فعلياً قد يعود لغموض هذا الأمر بالنسبة لأمينة. تقول إن أمّها رفضت بشكل قطعي الحديث معها عن تفاصيل المعاشرة.

"زوجة خالي قامت بالمهمة وأكدت لي أنها صعبة جداً وكل ما عليّ فعله مطاوعة زوجي في فعله" تقول أمينة، متابعة "كما نصحتني ألا أعاشره مرة أخرى قبل مرور ثلاثة أيام على الليلة الأولى، كي لا أصاب بالنزيف".

نزيف وطوارئ

تقول هناء عامر إن ليلة زفافها تسببت بـ"تحسس شديد من ممارسة الجنس رغم مرور 12 عاماً عليها".

أصيبت بنزيف حاد خلال معاشرتها الأولى، نقلت إثره إلى قسم الطوارئ في المستشفى.

تقول هناء لـ(ارفع صوتك): "ذكرياتي مؤلمة ومحرجة.. ما زال الكثير من أقاربي يتذكرون الأمر ويرونه كأنه مزحة".

"كنت خائفة جداً خصوصاً أنني أُجبرتُ على ممارسة الجنس ليلتها"، تقول هناء.  

هواجس العُذريّة

تقول المتخصصة بأمراض النساء والتوليد والعقم الدكتورة حوراء ساهر لـ (ارفع صوتك) إن "عائلات كثيرة تأتيني لإجراء فحوص عذريّة لبناتهم قبل زواجهن" في إشارة إلى أن هذا الفحص لم يعد مُرتبطاً بليلة الدخلة فقط.

كما يتم إجراء اختبار البكارة لفتيات صغيرات إذا ما تعرضن لحوادث أو إصابات عرَضية خشية أن يكنّ فقدن عُذريتهن!

تقول الدكتورة حوراء "نضطرّ أحياناً كثيرة لتزويد العائلات بتقرير طبي رسمي حفاظاً على حياة بناتهم مستقبلاً". 

وتؤكد أن هذا الموروث، يؤثر ليس فقط على الحالة النفسية للزوج والزوجة، بل على حياة الزوجة أيضاً. وحذرت من أن عدم وجود رفض قانوني أو اجتماعي لهذا الموروث، "يجعل النساء عرضة للاتهامات الأخلاقية البشعة، والقتل لغسل العار".

ولا تعمل منظمات المجتمع المعنية بالجانب النسوي على مسألة غشاء البكارة – تحديداً-  بل على مخاوف الفتيات من تبعات ذلك الموروث الذي دائما ما يتم تتجاهله.

تقول الناشطة النسوية وداد حاتم في هذا السياق لـ (ارفع صوتك)، إن "مسألة غشاء البكارة تندرج ضمن جرائم الشرف، والقتل لغسل العار في المجتمع العراقي كافة".

وتنتقد القانون العراقي لعدم اتخاذه الإجراءات الكافية حول هذه المسألة.

وتقول وداد إن ظاهرة فحص العذرية وربطه بشرف المرأة كانت محصورة في المناطق الريفية والعشائرية وأطراف المدن، لكنها انتقلت بعد عام 2003 مع النازحين إلى المدن، خصوصاً بغداد. 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

من عروض مسرح الدمى في الموصل
من عروض مسرح الدمى في الموصل

تسعى مؤسسة "السلام المستدام" وهي مؤسسة عراقية غير حكومية، عبر استخدام مسرح الدمى الى إعادة تأهيل الأطفال في الموصل وتخليص أذهانهم من الاثار النفسية للحرب والدمار.

وأطلقت المؤسسة في 5 سبتمبر الحالي مبادرة "مسرح الدمى" التطوعية عبر عرض مسرحي للدمى بالتعاون مع المخرج عادل العمري، بمشاركة أكثر 50 طفلاً تراوحت أعمارهم ما بين 5-12 عاما، وشملت المبادرة التي نظمت في الجانب الأيمن من الموصل تقديم مجموعة من النشاطات الفنية للأطفال المشاركين وجميعهم من وجميعهم من جانب المدينة، الذي مازال يعاني من دمار الحرب.

ويقول مدير مكتب مؤسسة "السلام المستدام" في مدينة الموصل، مهند حازم محمد، لـ"ارفع صوتك" أن فكرة المبادرة هي لـ"نشر السلم المجتمعي والتماسك المجتمعي عن طريق البذرة الأولى وهي الأطفال، لذلك هذه المبادرة تعمل على تنمية قدرات الأطفال وتوعيتهم عبر الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها بشكل عام والاماكن المخصصة للعب بشكل خاص"، مشيرا الى أن المؤسسة تهدف الى صناعة مسرح ثابت للدمى داخل مقرها أو مقر مركز قليتا للتنوع الثقافي، التابع للمؤسسة الواقع في الجانب الأيمن من الموصل.

وعاش أطفال الموصل أوضاعا إنسانية صعبة في ظل الخوف والجوع  خلال أكثر من 3 سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مدينتهم، ومازالت مخيلة الأطفال الذين عاصروا التنظيم تحتفظ بمشاهد القتل والتعذيب، الذي كان مسلحو داعش ينفذونها في الموصل ضد أهالي المدينة والمناهضين لـ"داعش"، الى جانب عمل التنظيم الإرهابي  عبر مكاتبه الإعلامية التي كانت منتشرة في احياء المدينة  على نشر فكره بين الأطفال وغسل ادمغتهم، ولم تتوقف مأساة الأطفال هنا، بل زادت عمقا وسط الدمار الذي خلفه التنظيم والمعارك التي شهدتها المدينة للتخلص منه. وكانت للموصل القديمة من اعمال التدمير حصة الأسد لأن المعارك النهائية لتحرير المدينة تركزت فيها.

فريق مسرح الدمى في مؤسسة "السلام المستدام"

ويوضح محمد أسباب تركيز المبادرة على الموصل القديمة، "استهدفت المبادرة المدينة القديمة وتحديدا حي سوق الشعارين المحاذي لجامع النبي جرجيس لان هذه المنطقة عانت ما عانته من دمار ولا توجد فيها ساحات أو مناطق مخصصة للعب الأطفال. تحتوي فقط شوارع، وغالبا أطفال هذه المنطقة يلعبون في الشوارع، لذلك ركزنا على موضوع لعب الأطفال في الأماكن الآمنة".

وتستعد المؤسسة حاليا لتنظيم 3 عروض مسرحية أخرى ضمن مبادرة مسرح الدمى، يشمل الأول التوعية بالنظافة الشخصية، والثاني موضوع القلم والممحاة الذي يحتوي على رسائل حول اهمية الكتابة والقراءة بالنسبة للطفل، واما الثالث سيكون عن النزوح وتأثيره على تنشئة الأطفال وفهم أهمية الاهتمام بالآخرين والاهتمام بالعائلة والقيم وبر الوالدين.

 وتعمل المؤسسة على ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي من خلال عرض مسرحيات دمى، التي تهتم مواضيعها بالتعايش السلمي والسلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية والعنف.

ويضيف محمد "نخطط لمسرح ثابت بأدوات ثابتة وبالتعاون مع أكاديميين متخصصين في مجال مسرح الدمى لتوعية هذا الجيل كي نبدأ بداية صحيحة للنهوض بواقع المدينة وحماياتها من أي فكر يؤذيها ويدمرها".

ويؤكد محمد على أن مشروع المسرح الثابت سيتضمن تصوير مسرحيات الدمى التي تعرض، ومن ثم نشرها على الانترنت ليشاهدها الأطفال في كافة أنحاء العالم وليس فقط الموصل، و"يرى العالم أن هذه المدينة التي كانت منكوبة قادرة على الرجوع لدورها الأساسي".

وفي منتصف يوليو عام 2017 عندما كانت معارك تحرير مدينة الموصل تقترب من الانتهاء، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسف" في بيان أن "جراح الأطفال الجسدية والنفسية العميقة سوف تستغرق وقتاً أطول لتلتئم. وقد تكبد نحو 650,000 طفل من الصبيان والبنات الذين عاشوا كابوس العنف في الموصل، ثمناً باهضاً وعانوا الكثير من الأهوال على مدى 3 سنوات".

وتؤكد المتخصصة في علم النفس هاجر العبدالله الزبيدي، على أن مبادرة مسرح الدمى ولعب الأطفال يعززان من قدرة الطفل على فهم البيئة المحيطة به.

وتضيف الزبيدي لـ"ارفع صوتك": "لهذه النشاطات تأثير كبير جدا يُسهم في تقوية ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على حلّ المشاكل التي يمكن أن تعترض سبيله لوحده من خلال مساعدة دميته والتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها".

وتشير الزبيدي الى حاجة أطفال الموصل للدعم والمساعدة من أجل التخلص من الصدمات التي تعرضوا لها والتخلص من الماضي واثاره وهذا يكون "عبر إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع عبر مجموعة من الوسائل كممارسة الألعاب ومنها الدمى ومشاهدة المسرحيات وغيرها من الوسائل الترفيهية".