أسس ماهر خضر فرقة مسرحية، وبدأ في تقديم عروض في المخيم
أسس ماهر خضر فرقة مسرحية، وبدأ في تقديم عروض في المخيم

لم يتوقف الشاب الأيزيدي ماهر خضر متفرجا على معاناة أقرانه النازحين بل اختار ما شاهده منطلقا لمبادراته الفنية والتعليمية داخل المخيم.

عندما سيطر تنظيم داعش على سنجار شمال غرب الموصل في آب/أغسطس 2014، كان ماهر قد نجح للتو في الصف الخامس الثانوي، لكن ظروف النزوح ووفاة والده حالت دون إتمام تعليمه الثانوي.

"أصبحت عائلتي بين ليلة وضحاها داخل خيمة.. فقدنا كل شيء في لحظات. اختطف الآلاف من أبنائنا وقتل آخرون خلال ساعات قليلة على يد الإرهابيين"، قال ماهر لموقع (ارفع صوتك).

وأكد الشاب الأيزيدي أن الصدمة وفقدان الأمل لازماه لأشهر. كان يقضي معظم وقته داخل الخيمة معزولا، لكنه يتذكر صباح ذلك اليوم الذي خطرت له فكرة إطلاق أول مبادرة داخل مخيم شيخان جنوب شرق محافظة دهوك.

يقول ماهر "كانت عبارة عن فتح دورة لمحو الأمية. جمعت عددا من أطفال المخيم وعلمتهم القراءة والكتابة، وقدمت دروسا للأطفال الذين تأخروا عن مواصلة تعليمهم والعودة إلى المدارس في العامين الأولين من النزوح".

تطوع ماهر أيضا للعمل مع منظمة الأمم المتحدة لشؤون الطفولة (اليونسيف) داخل المخيم، وتلقى دورة في الموسيقى لدى المنظمة، تمكن بفضلها من تعلم الموسيقى وممارستها. ومن ثمة تطوع لتدريب شباب المخيم، وشكل بالتعاون مع منظمة "صوت المسنين والعائلة" وبدعم من اليونيسف فرقة موسيقية من زملائه الشباب مازالت تنظم نشاطات فنية بشكل تطوعي داخل المخيم.

بعد تعلمه الموسيقى في دورة لليونيسيف، بدأ ماهر خضر في تعليم أطفال المخيم

​​يقول ماهر "تمكنا من خلال تنظيم الحفلات الموسيقية في المخيم التأثير بشكل إيجابي على حياة النازح وتحسين حالته النفسية والاجتماعية وتقوية العلاقات داخل المخيم، وتحرير النازح من الضغوطات التي سلطت عليه جراء فقدانه أهله وممتلكاته وإبعاده ولو لساعات قليلة عن الأجواء المشحونة بالعنف".

واجه ماهر في البداية تحديا كبيرا تمثل في صعوبة إقناع النازحين، الذين اختطف تنظيم داعش غالبية أفراد عائلاتهم، بالاستماع الى فرقته الموسيقية وحضور النشاطات الفنية التي يقدمها، لكن تمسكه ومواصلته العمل ساعداه في التغلب على هذا التحدي. وبعد وقت قصير، بدأ النازحون يقبلون على نشاطاته للاستماع للأغاني والمقطوعات الموسيقية التي تقدمها فرقته.

من عرض مسرحي قدمته فرقة ماهر خضر في مخيم للنازحين.

​​لا تقتصر نشاطات ماهر وفرقته الموسيقية على تقديم الحفلات الغنائية والموسيقية داخل المخيم، بل تقدم فرقته عروضا مسرحية تبحث أبرز المشكلات التي تعاني منها المخيمات كزواج القاصرات والعنف الأسري. وتسعى الفرقة من خلال مجموعة من مسرحياتها الى ترسيخ روح التعايش السلمي، ونبذ العنف، وتشجيع النازحين على التعليم.

وشدد ماهر على أن نشاطاته الفنية نجحت خلال السنوات الماضية في معالجة الكثير من سلبيات الحياة في المخيم. "تمكننا من حل الكثير من المشكلات الاجتماعية، وعالجنا العديد من الحالات النفسية عبر الموسيقى وكان التأثير واضحا على غالبية النازحين في المخيم"، يقول.

شارك ماهر نهاية حزيران/يونيو الماضي كمتحدث عن شباب العراق في القمة التقنية التي حملت عنوان "لا لضياع جيل" التي نظمتها منظمة اليونسيف في الأردن بمشاركة نحو 200 شاب من شباب الشرق الأوسط.

ماهر خضر متحدثا في مؤتمر لليونسيف في الأردن.

​​وتضمنت القمة عرض أفكار الشباب ومشاريعهم الصغيرة ودور التكنلوجيا في الحصول على فرصة عمل، مع تسليط الضوء على معاناة الشباب في الشرق الاوسط وأهم تحديات العمل التي تواجههم.

 

 

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

من عروض مسرح الدمى في الموصل
من عروض مسرح الدمى في الموصل

تسعى مؤسسة "السلام المستدام" وهي مؤسسة عراقية غير حكومية، عبر استخدام مسرح الدمى الى إعادة تأهيل الأطفال في الموصل وتخليص أذهانهم من الاثار النفسية للحرب والدمار.

وأطلقت المؤسسة في 5 سبتمبر الحالي مبادرة "مسرح الدمى" التطوعية عبر عرض مسرحي للدمى بالتعاون مع المخرج عادل العمري، بمشاركة أكثر 50 طفلاً تراوحت أعمارهم ما بين 5-12 عاما، وشملت المبادرة التي نظمت في الجانب الأيمن من الموصل تقديم مجموعة من النشاطات الفنية للأطفال المشاركين وجميعهم من وجميعهم من جانب المدينة، الذي مازال يعاني من دمار الحرب.

ويقول مدير مكتب مؤسسة "السلام المستدام" في مدينة الموصل، مهند حازم محمد، لـ"ارفع صوتك" أن فكرة المبادرة هي لـ"نشر السلم المجتمعي والتماسك المجتمعي عن طريق البذرة الأولى وهي الأطفال، لذلك هذه المبادرة تعمل على تنمية قدرات الأطفال وتوعيتهم عبر الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها بشكل عام والاماكن المخصصة للعب بشكل خاص"، مشيرا الى أن المؤسسة تهدف الى صناعة مسرح ثابت للدمى داخل مقرها أو مقر مركز قليتا للتنوع الثقافي، التابع للمؤسسة الواقع في الجانب الأيمن من الموصل.

وعاش أطفال الموصل أوضاعا إنسانية صعبة في ظل الخوف والجوع  خلال أكثر من 3 سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مدينتهم، ومازالت مخيلة الأطفال الذين عاصروا التنظيم تحتفظ بمشاهد القتل والتعذيب، الذي كان مسلحو داعش ينفذونها في الموصل ضد أهالي المدينة والمناهضين لـ"داعش"، الى جانب عمل التنظيم الإرهابي  عبر مكاتبه الإعلامية التي كانت منتشرة في احياء المدينة  على نشر فكره بين الأطفال وغسل ادمغتهم، ولم تتوقف مأساة الأطفال هنا، بل زادت عمقا وسط الدمار الذي خلفه التنظيم والمعارك التي شهدتها المدينة للتخلص منه. وكانت للموصل القديمة من اعمال التدمير حصة الأسد لأن المعارك النهائية لتحرير المدينة تركزت فيها.

فريق مسرح الدمى في مؤسسة "السلام المستدام"

ويوضح محمد أسباب تركيز المبادرة على الموصل القديمة، "استهدفت المبادرة المدينة القديمة وتحديدا حي سوق الشعارين المحاذي لجامع النبي جرجيس لان هذه المنطقة عانت ما عانته من دمار ولا توجد فيها ساحات أو مناطق مخصصة للعب الأطفال. تحتوي فقط شوارع، وغالبا أطفال هذه المنطقة يلعبون في الشوارع، لذلك ركزنا على موضوع لعب الأطفال في الأماكن الآمنة".

وتستعد المؤسسة حاليا لتنظيم 3 عروض مسرحية أخرى ضمن مبادرة مسرح الدمى، يشمل الأول التوعية بالنظافة الشخصية، والثاني موضوع القلم والممحاة الذي يحتوي على رسائل حول اهمية الكتابة والقراءة بالنسبة للطفل، واما الثالث سيكون عن النزوح وتأثيره على تنشئة الأطفال وفهم أهمية الاهتمام بالآخرين والاهتمام بالعائلة والقيم وبر الوالدين.

 وتعمل المؤسسة على ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي من خلال عرض مسرحيات دمى، التي تهتم مواضيعها بالتعايش السلمي والسلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية والعنف.

ويضيف محمد "نخطط لمسرح ثابت بأدوات ثابتة وبالتعاون مع أكاديميين متخصصين في مجال مسرح الدمى لتوعية هذا الجيل كي نبدأ بداية صحيحة للنهوض بواقع المدينة وحماياتها من أي فكر يؤذيها ويدمرها".

ويؤكد محمد على أن مشروع المسرح الثابت سيتضمن تصوير مسرحيات الدمى التي تعرض، ومن ثم نشرها على الانترنت ليشاهدها الأطفال في كافة أنحاء العالم وليس فقط الموصل، و"يرى العالم أن هذه المدينة التي كانت منكوبة قادرة على الرجوع لدورها الأساسي".

وفي منتصف يوليو عام 2017 عندما كانت معارك تحرير مدينة الموصل تقترب من الانتهاء، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسف" في بيان أن "جراح الأطفال الجسدية والنفسية العميقة سوف تستغرق وقتاً أطول لتلتئم. وقد تكبد نحو 650,000 طفل من الصبيان والبنات الذين عاشوا كابوس العنف في الموصل، ثمناً باهضاً وعانوا الكثير من الأهوال على مدى 3 سنوات".

وتؤكد المتخصصة في علم النفس هاجر العبدالله الزبيدي، على أن مبادرة مسرح الدمى ولعب الأطفال يعززان من قدرة الطفل على فهم البيئة المحيطة به.

وتضيف الزبيدي لـ"ارفع صوتك": "لهذه النشاطات تأثير كبير جدا يُسهم في تقوية ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على حلّ المشاكل التي يمكن أن تعترض سبيله لوحده من خلال مساعدة دميته والتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها".

وتشير الزبيدي الى حاجة أطفال الموصل للدعم والمساعدة من أجل التخلص من الصدمات التي تعرضوا لها والتخلص من الماضي واثاره وهذا يكون "عبر إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع عبر مجموعة من الوسائل كممارسة الألعاب ومنها الدمى ومشاهدة المسرحيات وغيرها من الوسائل الترفيهية".