شاب عراقي يقف أمام المرآة
شاب عراقي يقف أمام المرآة

تمضي أميرة كاظم (14 عاماً) أيام عطلتها الصيفية بين تصفح هاتفها النقال ومتابعة ما تقدمه قنوات المجهز (موقع يقدم خدمات عبر الأنترنت) من أفلام ومسلسلات مشفرة.

وحين يبدأ الفصل الدراسي تكون الدراسة شاغلها؛ بهدف التفوق، إذ انتقلت للصف الثالث المتوسط.

ورغم أن هاتفها النقال لا يفارقها للحظة، إلا أنه لم يؤثر على استمرارية نجاحها وتفوقها الدراسي، في وقت يعاب على جيل (الالفينيات) بأنهم يعيشون بعالم يختلف عن عالمنا وعاداتنا.

تقول أميرة لـ (ارفع صوتك): "يريد أبي أن أعيش بنفس حياة الأكبر مني سناً، وأن أفكر مثلما يفكرون. لكن لا يمكنني ذلك".

وتعتقد أن "وجود الهاتف النقال مهم لمعرفة ما يدور حولنا، فيما يعتبر من لا يملك هاتفاً في مقام الجاهل أو المتمرد على عادات وتقاليد المجتمع".

هدف أميرة الأول هو الهجرة، لكي "تعيش كما تعيش الفتيات هناك" كما تقول.

وتضيف: "كان يمكن لحياتي أن تبدو أفضل من الآن إذا ولدت في دولة غربية. تعيش الفتيات بسعادة وحريّة هناك، دون أن يراقبهن أو يحاسبهن أحد على أي سلوك، أقلّه الانشغال بالهاتف".

ثورياً

يرى أسعد نصير (15 عاماً) الحياة بشكل مختلف عن أميرة، يقول: "أحب شخصية جيفارا وأريد أن أصبح مثله، وهو ما أتاحته لي المشاركة في الحملات الإنسانية والتظاهرات الشعبية، حتى لو كان التضامن مع الناس معنوياً فقط".

ويعبر أسعد عن خيبة أمل والده ومخاوفه وسط مشاركاته بتلك الحملات أو التظاهرات، فوالده لا يمتدحه أو يشجعه بل يضغط عليّه للعدول عن تلك الأفكار وأحياناً تصل الآمور لمنعه من المشاركة. 

صالات اللعب الإلكتروني

"لم أحب يوما أفكار أبي، أجده متشائما دوماً. غارقا في مشاهدة الأخبار وملاحقتها. أنا أُحبّ الابتعاد عن البيت وأحرص على مرافقة أصدقائي لصالات اللعب الإلكتروني"، يقول نوفل عبد العزيز (17 عاما) لـ (ارفع صوتك).

ولا يتدخل والده أو باقي أفراد العائلة باختياراته، لكنه يعتبر هذا الشيء "مؤلما، ألا يهتم أحد ليّ".

ويتابع "كما تدفع خلافات والديّ ومشاجراتهما بي دوماً للهرب من البيت".

ترك نوفل دراسته عندما كان عمره (13 عاما)، وتفرغ للعمل في ورشة تصليح السيارات، ولا بفكر في العودة إلى مقاعد الدراسة.

ويقول "يسمونني أسطة بتصليح السيارات، لذا فحلمي الآن أن أكون صاحب شركة عملاقة لتجارة السيارات وصيانتها فقط، ولا يهمني ما سيحدث لأهلي، بل سأبتعد كثيرا عنهم".

إنجاب الأطفال

تزوجت فتيات كثيرات لم تتجاوز أعمارهن 15 عاماً، وانقطعن عن التعليم.

وعادت العشرات مطلقات لبيوت أهاليهن بعد فترات وجيزة من الزواج، مضافاً إليهن آلاف الأرامل بسبب الأوضاع السياسية والحروب المتعاقبة، بعضهن فقدن الرغبة في الحياة بسبب التقاليد العشائرية والاجتماعية.

تقول عبير حامد، (16عاماً) إنها "لا تحب حياتها".

عبير زوجة ثانية لرجل يكبرها بعدة أعوام، هدفه من الأساسي من الزواج إنجاب المزيد من الأطفال، رغم أن لديه 11 ابناً وبنتاً.

ولأنها لم تتمكن من تحقيق هدفه، أعادها إلى أهلها لأنها "غير قادرة على الحمل والإنجاب"، وفق ما تروي لـ(ارفع صوتك).

تروي عبير التي تبدو ملامح الحزن واضحة على وجهها  "أنتظر شيئا لا أعرف ما هو، ربما طلاقي، لأنه لم يطلقني حتى الآن، ربما بعد تطليقي لن يكون لدي ما يكفي من الأحلام مثل باقي الفتيات".

وتعترف وزارة التخطيط والإنماء العراقية، أنها لا تملك أية احصائية لزواج القاصرات ولا لنسب طلاقهن من مجموع المطلقات. لأن هذا النوع من الزواج دائما ما يحدث خارج المحاكم عند رجال الدين.

إحداث التغيير

تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة بشرى الياسري، إن جيل الـ2000، حرم من طفولته، بسبب الأوضاع الأمنية والاجتماعية غير المستقرة في البلاد.

فهذا الجيل يدفعه المجتمع لتحمل أعباء سنوات طويلة من الحروب والصراعات والفقر، عبر حرمانهم من الرعاية الصحية والتعليم، وفق الياسري.

وتوضح الياسري لـ(ارفع صوتك) أن "هذه الأمور ولدت عند جيل الـ 2000 نوعاً من عدم القدرة على التعايش أو فهم ما يحدث فتجدهم لا يعترفون بالقديم من حياة المجتمع، ولا يرغبون بمعايشة الجديد".

أما المشكلة الأساسية تقع على عاتق المجتمع ككل، لأنه ما زال يعيش حتى داخل فكرة الانتقام والثأر والتمسك بأفكار لا تناسب التطور الفكري والعلمي الحاصل في عالم اليوم، ما كبّل قدرة جيل الـ2000 على إحداث التغيير، حسب الياسري.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.