عربة قطار مهجورة على جانب السكة في صحراء الأنبار، بعدما تعرض القطار لهجوم شنه داعش.
عربة قطار مهجورة على جانب السكة في صحراء الأنبار، بعدما تعرض القطار لهجوم شنه داعش.

بعد أربعة أشهر من إعلان مناطق واسعة في الصحراء الغربية للعراق، على الحدود مع السعودية والأردن وسوريا، مناطق عسكرية، بدأت القوات العراقية حملة واسعة النطاق لطرد الخلايا النائمة التابعة لداعش.

  • ما هو الخطر الذي تمثله منطقة الصحراء الغربية؟

تمتد الصحراء الغربية على مساحة شاسعة تقارب 23 في المئة من مجموع مساحة العراق، أي ربع البلاد تقريبا. وهي نقطة التقاء حدودية مهمة، خاصة بين العراق وسوريا. وحتى معنويا، تحتل مكانة خاصة في نفوس مقاتلي داعش، فمنها تم كسر الحدود بين العراق وسوريا في نهاية حزيران/يونيو 2014.

تاريخيا، كانت هذه المنطقة الصحراوية معقلا للجماعات "الجهادية". حسب تقرير لمركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية "ويست بوينت"، في كانون الأول/ديسمبر 2017، جاء انسحاب داعش إلى هذه المنطقة بالذات عقب هزيمته في الموصل ضمن "استراتيجية محسوبة" تمهيدا "لتمرد شامل".

وشدد التقرير أن التنظيم يسعى في الصحراء الغربية إلى محاكاة استراتيجية الاستنزاف التي اعتمدها بنجاح بين سنتي 2010 و2014، والتي مهدت لاجتياحه مدينة للموصل. في تلك الفترة، اتخذ التنظيم من الأراضي الصحراوية في منطقة الجزيرة بمحافظتي نينوى والأنبار مركز لمهاجمة المدن العراقية.​

​الخبير العراقي في شؤون الجماعات الإرهابية هشام الهاشمي يؤكد الشيء نفسه. "بين 2010 و2013، كانت هذه المنطقة هي جغرافيا المهد بالنسبة لداعش"، يقول الهاشمي في حديث لموقع (ارفع صوتك). مضيفا: و"بالتالي عندما هزموا في أرض التمكين في سوريا والعراق، عادوا إلى مهدهم من جديد لترتيب أوضاعهم".

عسكريا، توفر الصحراء الغربية بيئة مثالية لداعش لترتيب صفوفه من جديد. "هذه المنطقة جيدة، فهي مأوى مهم للمعسكرات والمخازن. مقاتلو داعش أيضا متكيفون جدا مع تضاريسها الصعبة. وتضمن لهم تمويلا ممتازا عبر شبكات التهريب الخاصة بالسجائر والنفط والسلاح والأدوية والمواد الغذائية بين العراق وسوريا. وهي أيضا مكان جيد للتجنيد، خاصة أن الكثير من المتمردين على الحكومة يلجؤون إليها"، يؤكد الهاشمي.

  • من يشارك في العمليات؟

أكد بيان لقيادة العمليات المشتركة أن عملية "إرادة النصر" ستعرف مشاركة الجيش العراقي (قيادة عمليات الجزيرة ونينوى وصلاح الدين) والحشد الشعبي (محاور نينوى وصلاح الدين والجزيرة) والحشد العشائري وبدعم جوي من القوة الجوية وطيران الجيش والتحالف الدولي.

ولم تعلن قيادات العملية المشتركة عن عدد القوات المشاركة، لكن هشام الهاشمي يتوقع أن "يشارك بالحملة نحو 30 ألف مقاتل من كل صنوف القوات المسلحة".​

​​ومنذ أشهر، ألقت مروحيات عراقية منشورات تطالب الموجودين في المناطق الصحراوية، خاصة رعاة الأغنام والبدو الرحل والصيادين، بمغادرتها إلى مناطق آهلة وآمنة. وتم حينها إعلانها مناطق عسكرية تمهيدا للحملة.

  • ما حجم وجود داعش في الصحراء الغربية؟ وما هي القرى والمناطق التي ينتشر فيها؟

حسب الهاشمي، يقسم داعش منطقة الصحراء الغربية إلى خمسة قواطع: قاطع الأنبار، قاطع صلاح الدين، قاطع دجلة، قاطع البادية، وقاطع الجزيرة. ويحشد في كل قاطع 300 مقاتل على الأقل. ما يعني أن عدد مقاتليه هناك يمكن أن يصل إلى 1500.

ينتشر هؤلاء المقاتلون أساسا في جزيرة راوة وجزيرة الثرثار وصحراء الحضر وبادية البعاج. وتعتبر هذه البؤر الأربع الأخطر في الصحراء الغربية حاليا.

وتوجد حوالي 1000 قرية في الصحراء الغربية، 314 منها تصنف أنها قرى خطرة في الليل، ويؤكد سكانها أنهم في الليل يصيرون تحت سلطة داعش وفي النهار تحت سلطة الحكومة.

  • هل القوات العراقية قادرة على السيطرة على المساحة  الشاسعة للصحراء الغربية؟

شدد مصدر عسكري من المكتب الإعلامي لقيادة عمليات صلاح الدين لوكالة الصحافة الفرنسية أن العملية ستستمر "حتى وصول القطعات إلى هدفها النهائي". لكن الهاشمي يرى أن الموارد البشرية المحدودة (30 ألف مقاتل) والهدف العسكري للعملية وسقفها الزمني المحدود "لن يمكن القوات العراقية من السيطرة على كل هذه الجغرافيا الواسعة".

ولا يتوقع هشام الهاشمي أن تتجاوز العملية العسكرية 7 إلى 10 أيام، خاصة أنها تستهدف البنى التحتية لتنظيم داعش (الأنفاق، المعسكرات، المخازن) وليس الموارد البشرية (المقاتلين). "داعش يجيد الاختباء والمناورة أمام مثل هذه الحملات العسكرية. وقتال 1000 عنصر في هذه الجغرافيا الواسعة لن يكون سهلا أمام الأرتال العسكرية الثقيلة"، يقول.

ولا يتوقع المحلل العراقي أن يدخل تنظيم داعش نفسه في مواجهات مع القوات الأمنية، بل يرجح انسحاب مقاتليه في انتظار انتهاء العملية. "استراتيجية داعش نفسها لا تقوم على المواجهة، فالتنظيم لا يسيطر على أرض حتى يحارب من أجل الحفاظ عليها. اليوم الثاني على وشط الانتهاء، وداعش لم يدخل في مواجهات مع القوات العراقية حتى على مستوى الكمائن".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.