"أنا أرملة لدي طفلان، ما عندي شيء نعيش عليه لا راتب ولا عمل ولا سكن خاص، حتى المساعدات تصلنا كل ثلاثة أشهر ولا نحصل على مياه شرب نظيفة.. أريد أن أشبع أنا وأطفالي، نعيش في مخيم العليل (جنوب الموصل) ووضعنا يرثى له".
هكذا تصف العراقية، سحر علي (33 عاما)، واقعها منذ قتل زوجها في غارة جوية للتحالف الدولي خلال الحرب على داعش، لحظة مروره بسيارته وسط مدينة الموصل، وهو يمارس عمله كسائق تاكسي.
تقول لموقع (ارفع صوتك) "أعاني في المخيم من التهميش والضرب أحيانا والحرمان من أبسط الحقوق.. تتعرض الأرامل للتحرش والاعتداءات الجنسية..".
وتضيف سحر "لم أستطع عرض طفلي على الطبيب لمعالجته من أمراض عدة أبرزها الجيوب الأنفية والتهابات الكلى".
وتوضح أن إدارة مخيم العليل "لا تعيرهم أدنى اهتمام، وتهددهم بالطرد كلما حاولوا المطالبة بتحسين أوضاعهم".
"يقولون عودوا لمنازلكم، لكن ليس لدينا منزل ولا نستطيع تحمل الإيجار" تقول سحر. وعبثاً حاولت إقناع إدارة المخيم بتوفير فرصة عمل لها بالبلدية كمنظفة شوارع.
أرامل اليمن.. حكايات عن تزويج بالإكراه وفقر وإهمال
"بناء السلام"
تشكل إساءة معاملة الأرامل أحد أخطر الانتهاكات الحقوقية وعقبة تعترض جهود التنمية في الوقت الراهن، وفق الأمم المتحدة.
وتقول إن هناك "285 مليون أرملة في جميع أنحاء العالم، يواجهن تحديات اقتصادية ونفسية جمة، ونسبة لا بأس بها منهن في دول الشرق الأوسط والدول العربية المضطربة نتيجة الحروب".
وتوصي الأمم المتحدة بدمج الأرامل وإشراكهن في عمليات بناء السلام.
ويتصدر العراق الدول العربية في عدد الأرامل، إذ يوجد فيه أكثر من مليوني أرملة ومطلقة، حسب الجهاز المركزي العراقي للإحصاء نهاية عام 2016.
لكن هذا الرقم لا يشمل محافظتي نينوى والأنبار وعدداً من أقضية كروك وصلاح الدين، ولأن بعضها كان تحت سيطرة داعش.
وتفتقر السلطات الرسمية العراقية إلى إحصائيات حول النساء الأرامل جراء الحروب التي شهدها العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي. لكن ناشطين حقوقيين يتوقعون وجود آلاف وربما عشرات آلاف الأرامل في الموصل جراء الحرب الأخيرة على داعش إضافة لأعداد كبيرة من المفقودين المعتقلين في سجون داعش قبل تحرير الموصل.
وتواصل مراسل (ارفع صوتك) مع أحد المسؤولين في مجلس محافظة نينوى للحصول على معلومات حول الموضوع لكنه أفاد بعدم توفر إحصائيات لدى دائرة الرعاية المختصة بهذه الشريحة.
وفي حديث لفضائية "الحرة" نهاية يونيو الماضي، قالت نادية الدليمي، وهي رئيسة منظمة لرعاية الأرامل في العراق، إن "مؤسسات الدولة الرسمية لم تقدم الرعاية الكافية للأرامل ولم تهيئ لهن الظروف المناسبة لتخطي الفقر".
"نسبة قليلة منهن يحصلن على 100 ألف دينار كراتب إعانة شهرية لكنه لا يسد رمقهم.. وهذا ما يضطر أطفالهم للخروج إلى الشوارع والعمل في مهن بعضها خطيرة لإعالة أسرهم"، أضافت الدليمي.
وأشارت إلى أن واقع الأرامل في الموصل يرثى له، "رغم انتهاء الحرب لا تزال هذه الشريحة تعاني من قسوة الحياة".
وذكرت الدليمي أن هناك جهودا ملموسة للمنظمات الدولية والمحلية للنهوض بواقع هذه الشريحة من خلال تدريبهن وإقامة مشاريع صغيرة تعينهن في بعض متطلبات المعيشة.
سورية
وفي سورية، خلفت سنوات الحرب المستمرة منذ 2011 أكثر من مليون أرملة، و"العدد في ازدياد مستمر"، حسب عبدالإله قاضي مسؤول مكتب الإحصاء في جمعية الغد (منظمة مدنية سورية).
وأشار قاضي إلى أن (40-45)% فقط يحصلن على مساعدات في بعض المستلزمات اليومية كالطعام واللباس ومصاريف أخرى، فيما لم تتمكن المنظمات الداعمة من تغطية احتياجات العدد كاملاً.
وقال لموقع (ارفع صوتك) إن الأرامل يعانين ظروفاً معيشية صعبة فهنّ "ضحايا الأطراف المتصارعة المختلفة، وللأسف تنّكر الجميع لهن، لا سيما نظام بشار الأسد".
وحسب الناشط السوري، في منطقته وحدها (حلب وكفر حمرة وريف الشمالي)، يوجد نحو 500 أرملة، يحصل القليل جداً منهن على دعم، فيما تحوي مناطق سرمدا والدانا وإدلب والمخيمات العدد الأكبر من الأرامل كونها المركز الرئيس.
الزوجة الثانية أرملة.. اضطهاد المرأة بحجة حمايتها!
اليمن
تشكل النساء في اليمن نصف إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 27 مليون نسمة.
تقول فتحية عبدالله، رئيسة اتحاد نساء اليمن، إن "النساء اللاتي تحملن عبء إعالة أسرهن بسبب الحرب المستمرة منذ آذار (مارس) 2015 يشكلن أكثر من 50%، وتمثل الأرامل أكثر من نصف ذلك العدد، والقليل جدا يحصلن على مساعدات ورعاية".
وأكدت لموقع (ارفع صوتك)، أن الدعم الذي تحصل عليه الأرامل يأتي عبر "منظمات مدنية وفاعلي خير"، في إشارة إلى غياب الجهود الرسمية حيال هذه الشريحة.
ويقول عصام التميمي، وهو رئيس مؤسسة "رعاية" التنموية في مدينة تعز، جنوبي غرب اليمن، إن أكثر من أربعة آلاف أرملة بسبب الحرب يحصلن على تمويل ودعم عبر المؤسسة من فاعلي خير.
ويضيف أن واقع هؤلاء النساء " لا بأس به" مقارنة بغيرهن خاصة أن كل أرملة تحصل على مرتب شهري قدره 60 ألف ريال (107 دولارات أميركية).
لكن فتحية عبدالله، تقول إن واقع غالبية الأرامل في "أسوأ حال" فليس لهن الحقوق الكافية لمعيشتهن، كما يواجهن تحديات اقتصادية ونفسية في مختلف الدول العربية، وبعضهن يعانين الاكتئاب الذي يرافقهن مدى الحياة.
وتقول إن توجه المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني إلى التمكين الاقتصادي لهذه الشريحة "غير كافٍ، حتى لو كان يسد جزءاً من احتياجاتهن الأساسية".
وتعاني الأرامل وأطفالهن في كل من سوريا والعراق واليمن مشاكل عديدة، مثل: غياب القوانين الضامنة لحقوقهن، والتعرّض للاغتصاب أو القتل، والفقر المدقع الذي يدفع بعضهن للتسول والتشرّد.
وما يزيد مشاكل الأرامل تعقيداً، صعوبة حصولهن على مختلف الخدمات كالصحة، والتعليم لأطفالهن، الذين يضطرون للعمالة المبكرة، فيما يتعرض كثير منهم لانتهاكات مختلفة ويصبحون عرضة للانحراف وتعاطي المخدرات، وفق رئيسة اتحاد اليمن فتحية عبدالله.