غجرية عراقية، الصورة من مواقع التواصل
غجرية عراقية، الصورة من مواقع التواصل

"لا يمكن المرور قرب مساكن الغجر، توجد نقطة تفتيش تمنع دخولنا للشوارع الترابية القريبة من المباني المتهالكة التي يقيمون فيها"، يقول طاهر عبد (56 عاماً)، وهو يسكن في منطقة "الصابيات" القريبة منهم.

سأل عبد عن السبب، فأجابه رجل أمن أن "حياة الغجر ليست آمنة، وهم يتعرضون دوماً للتهديد بالقتل".

وبسبب عمله كسائق تاكسي، يلتقي عبد بالغجريات حين تستقل إحداهن التاكسي معه مصادفة، وفق ما يقول لـ(ارفع صوتك).

و"الكاولية" هو الاسم الدارج في العراق للغجر. ويسكنون عادة في أماكن منعزلة على أطراف المحافظات العراقية.

وكان الغجر في البلاد غادروا بعد عام 2003 مكانهم المعروف في منطقة الكمالية شرقي العاصمة بغداد إلى أماكن العشوائيات خشية استهدافهم من الجماعات المتطرفة.

الرقص والغناء

يبقي الرقص مديحة (37 عاماً) خارج سكنها طوال الليل. فهي تستيقظ في الرابعة مساءً لتبدأ عملها بعد أن تعد وجبة إفطارها.

بعد تناول الفطور، تجهزّ نفسها وتختار ملابس الرقص، لتذهب إلى العمل بعد غروب الشمس، مستقلة سيارة أجرة، نحو أحد نوادي بغداد الليلية في منطقة الكرادة.

وتشتهر نساء الغجر امتهانهن للرقص والغناء، وكان لهن حضور في الحفلات التي تقام داخل صالات الأفراح أو البيوت، وكذلك في تأريخ الغناء العراقي، مثل (حمدية صالح، وسورية حسين، وغزلان، وساجدة عبيد، وغيرهن).

​​​

​​​تدرك مديحة جيداً أنها تتمتع بجاذبية شكلها وصوتها اللذين وفرا لها شعبية كبيرة بين زبائن النادي من الرجال، إلا أنها مسكونة بالخوف من التصفيات الجسدية التي طالت الكثير من الغجريّات.

"أعيش حياة محفوفة بالأخطار"، تقول مديحة لـ(ارفع صوتك)، مضيفة "ما ندري بأي وقت يقتلونا".

وبدأت الرقص منذ صغرها، وأكسبها جمالها اهتماماً أكبر من والدتها التي تعمدت اصطحابها مع الأكبر منها سناً في الحفلات البيتية الراقصة.

بعد عام 2003، وبينما كانت تستعد للذهاب مع زميلاتها لحفل اختطفت أمها، ثم وُجدت مقتولة وجثتها ملقاة بين النفايات. وتروي مديحة "بعد أيام عثرنا في ساحة البيت الخارجية على مظروف بداخله رصاصة، وعرفنا من لحظتها أن علينا الفرار".

ورغم أن العراقيين بشكل عام كانوا مهددين بالخطر والقتل في السنوات التالية للغزو الأميركي، إلا أن الغجر واجهوا الأصعب، وكانت نجاتهم من القتل أمراً نادر الحدوث.

ويكفل الدستور العراقي في أكثر من 38 مادة "حرية المواطن في أن يعيش ويمارس شعائره وطقوسه" إلاّ أن الكاولية يواجهون خطر القتل لأن نساءهم تمتهن الرقص والغناء بينما يحرسهم رجالهم، فتجد مع كل مجموعة من الراقصات رجلاً أو اثنين لحمايتهن.

أسنان الذهب

لأم وفاء (63 عاماً) مهنة مختلفة، وهي تركيب أسنان الذهب للنساء، إلا أنها توقفت منذ سنوات. تقول لـ (ارفع صوتك) "لا مهنة لدينا الآن، المجتمع ينبذ وجودنا ويتعامل معنا باحتقار شديد وعنصرية".

وتروي "كنت في السابق أعمل بتركيب أسنان الذهب مع مجموعة من الكاوليات، كنّا نتجول في الأزقة والمدن بحثا عن الراغبات في تركيب الأسنان، وكانت مهنتنا التي ورثناها عن جداتنا".

وتسرد أم وفاء بحسرة"تغيرت الأحوال، الناس لا يتقبلون وجودنا، منذ أواخر التسعينيات حتى اليوم، لأانهم يروننا نعمل البغاء وننشر الفاحشة والفساد". 

وتتابع: "لو تركونا نعيش ونعمل بكرامة مثل البقية لما لجأت بناتنا لمزاولة التسول والرقص والبغاء ولما اضطر رجالنا المكوث في البيت خشية القتل أو الملاحقات الانتقامية".

وتضيف أنها "متعبة" جراء حياتهم هذه ومعاملة الناس لهم، لذا تغطي بعضاً من وجهها بعصبة رأسها السوداء، وتجلس طيلة اليوم بانتظار الزبونات لشراء ما تعرضه من مواد تجميل بسيطة ( مثل الديرم والكحل) وكذلك دبابيس صغيرة للشعر وأشرطة مطاطية تضعها جميعاً على منديل تفرشه على الأرض في سوق شعبي.  

وإلى جانب أم وفاء، تقف سمر، ابنتها الصغيرة (10 سنوات) تمدّ كفّها للمارّ للحصول على بعض المال.

وكان لها ابنٌ قتل عام 2007. تعيش الآن مع ابنتيها.

"باعة للجنس والمخدرات"

رغم ذلك، لم تكن كل الكاوليات مُعدات للرقص والغناء. فليحة (57 عاماً) معروفة بعملها عرّافة، تقرأ الحظ عبر تجوالها على المراقد والأماكن الدينية والأسواق الشعبية، إذ يتعين عليها يوميا أن توفر قوت زوجها وهو رجل ضرير وطاعن في السن.

وتقول عن ذلك "حياة الغجريات صعبة للغاية، نحن بنات الريح كما معروف عنا، وبناتي الثلاثة يعملن الآن في التسول لتوفير الطعام والرعاية الطبية".

وتعيش هذه العائلة في بيت من – الجي نكو- في عشوائيات أطراف بغداد. وتخشى أن تخبر أحداً أنهم من الكاولية وأنهم رحلوا من أبو غريب عام 2009.

وعن سبب تركهم أبو غريب، تقول فليحة، إن إحدى بناتها أحبت شاباً غير غجري، طلب منها ترك التسول مقابل الزواج بها سرا، ولكن المجتمع يرفض وجود غجرية بينهم. تروي "هددتنا عائلته إذا لم نُبعد ابنتنا عن ابنهم بأنهم سيخبرون المتشددين بأننا باعة للجنس والمخدرات، فهربنا من أبو غريب".

وتضيف "هروبنا كان بعد عثورنا على ابنتي التي لم تتجاوز 17 عاماً مقتولة".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.