امرأة موصلية في عيادة تجميلية/ الصورة لوكالة الصحافة الفرنسية
امرأة موصلية في عيادة تجميلية/ الصورة لوكالة الصحافة الفرنسية

بعد سقوط النظام البعثي عام 2003، وانفتاح العراقيين على الفضائيات العربية والأجنبية، كانت الشابة العشرينية نجلاء تتبضّع مواد تجميل في مدينة الموصل، وفي أحد المتاجر دخلت سيدة ستينية تطلب "الكريم العجيب".

تتذكر نجلاء المشهد مبتسمة "كانت التجاعيد تملأ وجهها، ترتدي جلابية رمادية تلفها وحجاباً، ويداها تكسوهما التجاعيد أيضاً، كما بدا لي أن الشقاء قوّس ظهرها. سألت البائعة (هل لديك كريم مهما كان سعره يستطيع إعادة شبابي، مسح التجاعيد وإزالة الدهون الزائدة وجعلي أكثر رشاقة؟".

وإذا كان "الكريم العجيب" من الأمور المستحيلة في زمنٍ ما، فإن غالبية الإعلانات لكريمات مماثلة اليوم تؤكد العكس، وأكثر منه مراكز وعيادات التجميل والجراحة التجميلية، التي لم تعد أمراً نادراً في العراق، كما كانت قبل عام 2003.

"مثل رشيقات السينما" 

عجزت علياء ناظم (44 عاماً) عن إيجاد طريقة تساعدها في تخسيس وزنها والتخلص من ترهّل بطنها بعد الولادة، فقرّرت إجراء عملية شدّ البطن الجراحية.

وقبل عام من الآن، اتفقت مع مركز طبي في منطقة الجادرية تديره طبيبة متخصصة. تقول علياء "قرّرتُ تحقيق رغبتي في أن أكون مثل رشيقات السينما وأرتدي ما يحلو لي من تقليعات الموضة. هذا ما أريده وليحدث ما يحدث".

لم يكن هذا قرار علياء وحدها، فكثير من النساء في بغداد، اللاتي يوصفن بـ"البدينات"، أجرين عمليات شدّ البطن وشفط الدهون، حتى دون قناعة العائلة أو الزوج، ما أدى لإثارة مشاكل عائلية في بعض الحالات.

ومثال عليه، زوج إيمان سعيد (49 عاماً)، وتصفه إيمان بـ"المتشدد دينياً"، خيّرها بين الطلاق وإجراء عملية شفط الدهون، كما تروي لـ"ارفع صوتك".

تقول إيمان: "إصراري على إجراء هذه العملية، دفع زوجي لتركي عند أهلي بصحبة أطفالي الثلاثة، وكأنني ارتكبت ذنباً كبيراً يخالف الدين".

وتعتقد أن العملية كانت "مخرجاً" للحفاظ على ديمومة حياتها الزوجية، حيث كان زوجها يهددها دوماً بالزواج من ثانية بسبب زيادة وزنها بعد إنجاب طفلهما الأخير.

تتساءل إيمان "لماذا يفكر بعض الأزواج بنفسه فقط، ويعلل تمتّعه بالحياة بعيداً عن زوجاتهم والمبرر ديني؟" مضيفةً "ما زال الرجل يقرر كل شيء يتعلق بجسد المرأة خصوصاً إذا كان الأمر تجميلياً أو ترفيهياً".

وتتابع: "حين أكون رشيقة وجميلة، يعني أنني أرتكب الفاحشة وأخالف الدين، بنظر الناس، بينما يصفونني بالمهملة والمعطلّة إذا أصبحت بدينة".

وتشير أن المجتمع حولها يلوم المرأة على أية حال، تماماً كما ينتقد الكثير من النساء بسبب طريقتهن المختلفة في ارتداء الحجاب. تقول إيمان "يعتبر أنهن يسعين لإثارة الرجال للتحرش بهن، وهذا يدخل ضمن المحرمات دينياً بنظرهم".

إصلاح التشوهات

بعد عام 2003، بدأ إجراء عمليات التجميل الجراحية خارج البلاد لأسباب تتعلق بالتشوهات الحاصلة بعد التعرض لحوادث التفجيرات الإرهابية، إلا أن انتشارها داخل البلاد زاد مؤخراً بشكل ملحوظ لأسباب تتعلق بصرعات الموضة الجديدة.

وتقول خبيرة التجميل الدكتورة لميس حامد، التي زاد عملها في هذا المجال خلال السنوات الماضية إن "المجتمع الرافض لحق المرأة في أن تكون ما يعجبها لا يعبأ لحالتها النفسية ومدى شعورها بالإهمال. ويربط كثيراً بين إجراء العمليات التجميليّة وعفّة المرأة ودينها، في حين السماح بها يكون لأسباب صحية لا تجميلية".

وتثني نساء عراقيات على عمليات التجميل والفيلر والبوتكس والخطوط الذهبية مبررات ذلك بأنها من مكملات الأناقة عند النساء البغداديات، الأمر الذي يدفعهن إلى البحث عن مراكز طبية تجميلية متميزة.

"الفرق بين البوتكس والفيلر نعرف مبدئياً البوتكس بأنه مادة تستخلص من بكتيريا معينة يتم حقنها في الأماكن التي تحتوي على التجاعيد، فتعمل على إرخاء العضلات في هذا المكان مما يقلل من الخطوط والتجاعيد بشكل واضح. أمّا الفيلر Filler فهو مادة مالئة طبيعية أو مصنّعة يتم حقنها لجعل الوجه يبدو ممتلئاً، ويتم حقنها في الفراغات والتجاعيد كما تستخدم لتكبير الشفاه والخدود". (موقع تجميلي)

وتقول سناء عادل (33 عاماً) التي استخدمت الفيلر والخطوط الذهبية لوجهها، إن المرأة لم تعد تكتفي بشراء الملابس والذهاب لصالون التجميل (الكوافير) للاعتناء بنفسها، إذ أصبحت عمليات التجميل "مهمة وضرورية" للحفاظ على جمالها.

وتُرجع سناء تزايد رغبة النساء في إجراء عمليات التجميل إلى أنهن "يشعرن بتمتعهن بمؤهلات تسعدهن، خاصة اللواتي يعانين من أزواجهن الذين يهتمون بنساء أخريات أو يبحثون عن جميلات ومثيرات غيرهن".

في هذا السياق، ورد في مجلة عربية تهتم بشؤون النساء، رأي لامرأة عزباء، تقول "لا أقبل أن يطلب مني زوج المستقبل الخضوع لجراحة تجميل أو تغيير مظهري لأكون شبيهة بإحدى النجمات كما هو حال بعض صديقاتي، فأنا أجد في ذلك إهانة للمرأة، ودليلاً على أن زوجها لم يقتنع بشخصيتها التي هي جزء من جمالها، وبالتالي يبحث عن أي شيء يحبه فيها ولو حوَّلها إلى أحد النماذج التي تعجبه".

الرجال أيضاً

عمليات التجميل لم تتوقف عند النساء فقط، بل باتت "ضرورة" في حياة الكثير من الرجال العراقيين، خصوصاً الذين يشكون تساقط الشعر المستمر والصّلع.

حسام محمد (47 عاماً) فقد الأمل بإمكانية التخلص من تساقط شعر رأسه بالأدوية ومستحضرات الشعر، فقرر إجراء عملية زراعة شعر لرأسه في دولة مجاورة.

يقول لـ"ارفع صوتك": "لم أكن أحب شكلي بسبب الصّلع، وعانيت كثيراً، ولكن الآن أصبح مظهري أنيقاً وجذاباً".

ورغم أن تكاليف عمليات التجميل وزراعة الشعر في العراق أقل بكثير من الدول المجاورة إلاّ أن الكثير يفضل إجراءها خارج البلاد "خشية الإصابة بالأعراض الجانبية أو العدوى وغيرها من قضايا تتعلق بالنصب والاحتيال"، وفق حسام. 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.