فصول المأساة الأيزيدية في جبل سنجار تتواصل/AP
نازحون في جبل سنجار

رغم مرور نحو أربع سنوات على تحرير مدينتهم من تنظيم داعش، ما زال 82% من سكان سنجار (غرب الموصل) خارجها لأسباب عدة، أبرزها الخوف من الصراعات السياسية والأمنية بين الأطراف التي تتقاسم السيطرة عليها.

وسيطرت فصائل الحشد الشعبي على وسط سنجار وجنوبها ومساحات واسعة من الشريط الحدودي العراقي السوري، بعد انسحاب قوات البيشمركة في إقليم كردستان، منها في تشرين الأول/ أكتوبر2017 إثر تدهور العلاقات بين كردستان وبغداد على خلفية استفتاء الاستقلال الذي نظمه الإقليم في 25 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه.

وتتقاسم السيطرة على سنجار، وحدات حماية الشعب- الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (التي تتبع للـPKK) ووحدات حماية سنجار مع الحشد الشعبي، وجميعها في الجزء الشمالي الغربي من المدينة وعلى جبل سنجار الذي يحتضن مخيم "سردشتي" وفيه أكثر من ألفي عائلة أيزيدية.

وتتمركز قوات "أيزيدخان" شمال سنجار، وتنتشر بعض القطعات الصغيرة للجيش العراقي في أطراف المدينة.

لا ماء لا كهرباء

سعدون سليمان، نازح أيزيدي من سنجار يعيش منذ خمس سنوات في أحد مخيمات محافظة دهوك، ورغم صعوبة الحياة في المخيم إلا أنه يرفض العودة إلى سنجار.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن ما يمنعه من العودة، هو انعدام الخدمات الرئيسة من الماء والكهرباء، فضلا عن المشهد العام للمدينة الذي يطغى عليه الدمار. ويضيف "نحن متخوّفون من نشوب تصادم عسكري بين القوات مختلفة المراجع والأجندات المتواجدة حالياً في سنجار".

ويتمنّى سليمان أن "تصفّي الأطراف السياسية والعسكرية المتواجدة في سنجار حساباتها بعيداً عن الأيزيديين والمدينة".

واتخذت إدارة قضاء سنجار التابعة لمحافظة نينوى من دهوك مقراً لها بعد سيطرة فصائل الحشد على القضاء، لأن تلك الفصائل نصبت إدارة جديدة لسنجار تابعة لها، كما أعلنت رفضها لإدارتها الرسمية، فأصبحت المدينة محكومة بإدارتين.

"الإدارة المزدوجة"

من جهته، اعتبر شهاب أحمد، وجود إدارتين للمدينة "أبرز المعوقات التي تقف في طريق عودة النازحين".

أحمد نازح أيزيدي يعيش مع عائلته في مخيم "مام رشان" في دهوك، يقول لـ "ارفع صوتك" إن "الإدارة المزدوجة تؤثر على حياة المواطنين وتثقل كاهلهم. على الحكومة العراقية أن تعيد الاستقرار لسنجار وتنشئ إدارة مشتركة من إقليم كردستان والحكومة الاتحادية لإدارة المدينة وتنهي سيطرة الفصائل المسلحة والقوات الأخرى غير النظامية لضمان عدم تعرض الأيزيديين مجدداً للإبادة".

ويدعو الحكومة العراقية إلى "دمج الأيزيديين الذين قاتلوا داعش مع القوات الأمنية وتسليمهم الملف الأمني في سنجار لأن سكان المدينة هم الأكثر معرفة بتفاصيل مدينتهم".

والى جانب مخاوف الأيزيديين من نشوب اصطدامات عسكرية بين القوى الموجودة في سنجار، تشكل العبوات الناسفة والمتفجرات التي فخخ بها داعش المدينة قبل فراره منها خطراً آخر يهدد السنجاريين، فغالبية المباني المدمرة تخبئ كميات كبيرة المتفجرات.

وكشفت إدارة سنجار أن نسبة الدمار في المدينة بلغ أكثر من 87٪ جراء سيطرة داعش عليها لنحو 15 شهراً، ومع أن نسبة دمارها كبيرة إلا أنها لم تشهد على مدى الأعوام الأربعة التي أعقبت تحريرها أي عمليات إعمار، فالمدينة منكوبة وتفتقر للخدمات.

وأكد قائمقام سنجار السابق، محما خليل، المُسنَد إليه مؤخراً منصب مستشار شؤون الأيزيديين في برلمان إقليم كردستان، على أن "القطعات العسكرية النظامية العراقية المتواجدة في سنجار غير قادرة على فرض القانون، لذلك تستغل بعض الفصائل هذا الضعف في السيطرة على المدينة وفرض الأتاوات على من عاد إليها من النازحين، وهذه الفصائل تمنع مؤسسات الدولة العراقية من ممارسة مهامها في المدينة وهذا يعيق عودة النازحين".

وقال إن نقص الخدمات والدمار الحاصل في البنى التحتية، والصراع السياسي في المنطقة "أربك الوضع في سنجار" مبيناً أن نحو 18٪ من سكان المدينة (نحو 96 ألف عائلة) عاد إليها فقط.

وسنجار من المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد. وحدد الدستور العراقي معالجة أوضاع هذه المناطق في إطار المادة  140 منه التي نصت على حل مشكلة هذه المناطق عبر ثلاث مراحل: التطبيع ثم الإحصاء السكاني وبعدها إجراء استفتاء لتحديد ما يريده سكانها. لكن الخلافات بين الحكومتين حالت دون تطبيق هذه المادة، لتبقى جزءاً من المشكلات العالقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.