في صيف 2017 مزق سامي الورقة الخاصة بنتيجة أخته استبرق بعد عودتها فرحة بنجاحها في الامتحانات الوزارية للصف الثالث المتوسط.
تقول استبرق أحمد، إن سلوك أخيها وضع مصيرها على المحك، ووصفت سنوات دراستها حتى اجتيازها للثالث المتوسط بالــ"قاسية".
نشأت استبرق وهي الأصغر سناً بين سبعة إخوة وأخوات في أسرة محافظة ببغداد، تسابق زميلاتها في التفوق بالدراسة قبل تركها.
ورغم أن والدتها لم تدخل المدرسة أو تقرأ وتكتب، إلا أنها دعمتها بشكل سريّ، خشية من تقاليد العشيرة التي لا تسمح للمرأة بالتعليم، وتعدّه "مضيعة للوقت والسّمعة".
وتم تزويج أخوات استبرق بعد إنهائهن الابتدائية، وبمجرد إنهائها المتوسطة، بدأت ضغوطات العائلة لتزويجها ابن عمها.
تقول "لم أرغب في الزواج، لكن لا مفر منهم، خاصة أنهم يتعاملون معي بسوء، كما تعرضت للضرب الشديد، فبقاء الفتاة بلا زواج يجلب العار بنظرهم".
اضطرت استبرق للزواج في العام نفسه من ابن عمها الذي لم يسمح لها أيضاً بإتمام الدراسة، وهي الآن حامل بطفلها الثاني.
في ذات السياق، تشير أرقام الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، إلى أن الإناث شكلن 47.5% من نسبة المتسربين من المقاعد الدراسية عام 2018.
"إلى متى سأصمد؟"
في عام 2006 كانت زهراء علي في الـ12 عمرها عندما قادها مقتل والدها في عملية إرهابية إلى ترك المدرسة، ومكثت في البيت، مثل كثير من الأطفال خشية الخطف والقتل. ولم تتمكن زهراء من العودة إلى المدرسة.
تقول لـ"ارفع صوتك": "لو لم أفقد أبي، لكنت الآن متخرجة من الجامعة التي حلمت بدخولها، لكن مقتله دفع أهله للتدخل في حياتنا ومنعي من إكمال دراستي مثل ما فعلوا مع بناتهم".
وتضيف زهراء ساخرة بحُرقة "أبي كان الوحيد في عائلتنا الذي آمن بتعليم الفتيات، لكنه مات. هذا أسوأ ما حصل لي".
اليوم، تمكث زهراء في البيت، بانتظار "زوج المستقبل". تقول "لا أعرف كيف سيكون نصيبي. لقد رفضت الزواج على طريقتهم ووفق اختياراتهم، لكن إلى متى سأصمد؟ لا معيل لي غيرهم، خاصة بعدما تزوجت أمي وتركتني لهم".
"لا بنات لديّ للشارع"
عندما كانت نهاد عبود تلعب مع قريناتها بين نساء العائلة وهن منشغلات بغسل قدور الطبخ المُعَدّة لوليمة زواج أخيها محمد. حينها شاهدت أمها دماً على ثيابها، فأسرعت نحوها وأدخلتها الغرفة، لتكتشف أن ابنتها بلغت. كان دم الطمث..
نهاد حتى لم تدخل المدرسة؛ فأسرتها تمنع الفتيات من الدراسة. أما دم الطمث فكان إشارة إلى أن سن زواجها اقترب، وهو ما لم يكن في حُسبانها!
تقول "لم أفهم ما يحدث لي، لكنني سمعت أمي تردد (كبرت البنت ولازم تتزوج)". كان عُمر نهاد 10 سنوات.
عمر نهاد الآن، 17 عاماً، ولديها ثلاثة أطفال أكبرهم بنت.
تروي لـ"ارفع صوتك" أن "زوجها لا يسمح لها بتسجيل ابنتها في المدرسة" مضيفةً "وعندما وجدني مصرّة على الأمر، ضربني وقال لي (لا بنات لديّ للشارع)".
سلطة رجال العائلة
رغم تعلق هناء ساجد (16 عاماً) بالدراسة وحبها للمدرسة، إلاّ أنها لم تجلس يوماً على مقعد دراسي، وتقول إن أبوها اختار هذا الوضع لها ولأخواتها الخمس، بسبب طبيعة تفكيره.
حتى صدفة، لم يأت والدها على ذكر المدرسة، كما تقول هناء لـ"ارفع صوتك". مثلاً عند ظهور تلميذات مدرسة في التلفاز، كانت وأخواتها يفضلن الخروج من الغرفة أو إزاحة بصرهن عن شاشة التلفزيون، لأن والدهن ينظر إليهن بعصبية، وكأن في الأمر "عيباً".
تتابع هناء: "أحد إخوتي تزوج من فتاة تعرف القراءة رغم أنها لم تكمل تعليمها، كان يعاملها بقسوة إذا عثر على كتاب أو جريدة بحوزتها، وأحياناً يضربها عقاباً، لأنه مثل أبي ينظر للفتاة التي تقرأ نظرة مخيفة بوصفها متمردة وخارجة عن سلطة رجال العائلة أو العشيرة".
وينص القانون العراقي على إلزامية التعليم ومجانيته في الوقت نفسه، ويعاقب أولياء الأمور في حال التنصل من هذا الواجب، وقد نجح تطبيق قانون إلزامية التعليم عام 1978 بجعل العراق أحد أفضل الدول على صعيد تعليم الصغار ومكافحة الأمية في المنطقة حتى ثمانينيات القرن الماضي، إذ بدأ التعليم في البلاد بالتدني بسبب الحروب والنزوح وفقدان المعيل وما تبعها من صعوبة الظروف المعيشية.