على جانبي طريق ترابي يمر وسط الخيم، تجلس مجموعة من النساء، نساء يتحادثن، البعض منهن كن يضعن مستحضرات تجميل على وجوههن مثل أحمر الشفاه والكحل ويرتدين جلابيات جذابة الالوان، بينما كان الحجاب يكشف بعض شعرهن المصبوغ.
ورغم أن هذا الوضع يمكن تقبل حدوثه، ولكنه يثير استياء غيرهن من نساء المخيم، خاصة أن ظهورهن بهذا الشكل يتعلق بظروف دفعتهن لهذا الخيار، حسب كوثر (٤٣ عاماً) التي بدا عليها عدم الرضى.
تقول لـ "ارفع صوتك" إن "بعض النساء يجاهدن في إظهار زينتهن لاستمالة الرجال والحصول على مساعدات".
العثور على لقمة العيش
كوثر التي نزحت برفقة أمها وأبنائها الثلاثة من الرمادي عام 2014، قضت في المخيم قرابة سبعة أشهر، قبل أن تتركه وتسكن مع أقارب زوجها الذي فقدته أثناء رحلة النزوح.
تقول لـ(ارفع صوتك): "دائما ما تجد في المخيم نساء يتعامل الرجال معهن بشكل يميزهن عن غيرهن في الحصول على المساعدات والمنح، وكأن الأمر يتعلق بالخدمات الجنسية، لا بحقنا في عدالة توزيع المساعدات الغذائية".
وتستدرك بالقول إنهن "لا يستطعن العثور على لقمة العيش بطريقة أخرى".
وعندما حاولت كوثر الاعتراض عما يحدث لم يصدقها أحد. وتضيف: "كانوا يسألونني باستغراب وكأنني راضية عن هذا الوضع، لماذا أنت باقية بالمخيم لغاية الآن ولا تغادرين؟ كنت آمل عودة زوجي، كما أنه لم يكن لديّ المال للسكن في مكان آخر. في الواقع كنت أتمنى التخلص من هذا الحال".
ضغوطات من نساء
ما حدث لكوثر وقع لغيرها وفق تغريد (٣٩ عاماً). تقول إنه وخلال سنوات النزوح والسكن في المخيمات "لم يسبق لها أن رأت نازحة لم تتعرض لاستغلال جنسي بسبب حاجتها إلى مساعدات غذائية أو مالية".
ورغم أن تغريد كانت حريصة على الابتعاد عن الذين يشرفون على توزيع المساعدات الغذائية والإنسانية، إلا أنها تعرّضت لمضايقات وضغوطات من نساء كن يحثنها على الاهتمام ببعض المتطوعين في تقديم المساعدات أو المشرفين عليها، باعتباره سيميّزها عن سواها.
وتقول تغريد إن المشرفين على تقديم المساعدات "قد يذهبون بعيدا لأن بعضهم يرفض تقديمها دون مقابل سواء كان بإكراه النازحات أو رضاهن".
"كنت أتفاخر"
لمياء حصلت على المال والغذاء مقابل الجنس.
تكشفت لمياء لـ (ارفع صوتك) عن الطريقة التي وقعت بها داخل المخيم، لتتحول لاحقاً إلى "كابوس يلاحقها" بعد مغادرتها المخيم والزواج من شاب في بغداد عام 2016.
تتذكر لمياء (٣٦ عاماً) الأمر بالقول "كنت أشعر بالسعادة عندما كان بعض الرجال في المخيم يبدون إعجابهم بي، وتفاخرت بتفضيلي عن غيري من النساء، لكنني شعرتُ لاحقاً أن هناك مقابلاً ما كان يجب أن أقدمه لهم حتى وإن كان دون قناعة أو رضا".
وتقول لـ"ارفع صوتك": "لم أتخيل قط كيف كنت أعيش هكذا، (خمسة الآف دينار) أو بعض المواد الغذائية مقابل جسدي، لأنه كان عليّ توفير الأكل والعلاجات لأمي المريضة وجدتي كبيرة السن".
لن يدافع عنهن أحد
تقول نورا لـ "ارفع صوتك": "كان يطلب من أمي استدعائي لتنظيف خيمته، ثم بعد حضوري وخروجها يجبرني على الجلوس قربه وتغطية النصف الأسفل من جسدي ويبدأ تمرير يديه على فخذيّ عدة دقائق يومياً. لم أستطع الاعتراض أو الصراخ".
ودام الأمر سنوات، هي مدة مكوث نورا في المخيم.
تقول نورا (١٩عاماً) إن الرجل صار يضربها مع مرور الوقت إذا أعلنت عن رفضها لتحرّشه بها، وحين أخبرت أمّها، ما كان من الأم إلا "توبيخها والتزام الصمت"، فالنتيجة قد تكون قطع المساعدات.
وتتابع: "كانت أمّي تعلم بما يفعله موظف المساعدات، ولم أتحمّل ذلك، وعانيت من تعنيفها لي، وتستعطفني دوماً بالقول إن أخواتي الصغيرات سيمتن من الجوع بسبب موقفي".
لكن الأمور لم تتغير حتى عندما اعترفت نورا بعد أشهر قليلة لما كانت تتعرض له لناشطة مدنية زارت المخيم آنذاك مع مجموعة من الناشطات المدنيات المعنيات بالعنف ضد المرأة.
وتشير إلى أن "ما حدث خلال تلك المرحلة من السكن بالمخيم لا يمكن إيجاد الحلول له، فالنساء والفتيات المعرضات للاستغلال الجنسي لن يدافع عنهن أحد، ولا يستطعن الاعتراف بذلك، لأنهن سيقتلن لغسل العار".
"لكني استطعت التحرر من أمي وهذا الرجل" تقول نورا. موضحة "تزوجت شاباً من المخيم، وكنت أخبرته عمّا حصل معي".