من حفل بطولة غرب آسيا على ملعب مدينة كربلاء الدولي
من حفل بطولة غرب آسيا على ملعب مدينة كربلاء الدولي

تباينت آراء العراقيين بين مؤيد ومعارض لحفل افتتاح بطولة غرب آسيا 2019 في ملعب كربلاء الدولي. دعا البعض إلى محاسبة "المنتهكين لقدسية مدينة كربلاء"، لكن آخرين أن الحفل لم يشكل انتهاكا في بلد متعدد الأعراق والطوائف.

ويقع ملعب كربلاء الدولي، الذي تبلغ مساحته 24 ألف متر مربع ويتسع لأكثر من 30 ألف متفرج، في محافظة كربلاء أهم المدن الدينية المُقدّسة لدى شيعة العراق، إذ تضم مرقدي الإمام الحسين بن علي وأخيه العباس.

تم افتتاح الملعب عام 2016.

ويتوافد الملايين من الطائفة الشيعية، خلال الأيام العشرة الأولى من شهر محرم كل عام لإحياء عاشوراء واستعادة ذكرى مقتل الإمام الحسين بكربلاء. ​​

​​​​​​​"قُدسية كربلاء"

اعتبر الفريق المعارض للحفل الموسيقي الراقص الذي رافق فعاليات افتتاح بطولة غرب آسيا، أن الحفل يعدّ انتهاكاً لقدسية المدينة وحرمتها الدينية.

ووصف القانوني زاهر عباس، 43 عاما، هذه الخطوة بأنها "تخريب متعمد لتاريخ المدينة"، مشيراً إلى أن ما حدث من رقص وغناء داخل ملعب كربلاء الدولي يعتبر انتهاكاً لقانون "قُدسية كربلاء". 

وخلال فترة سريان قانون "قدسية كربلاء، تمتعت المؤسسات العسكرية والدينية في كربلاء بسلطات واسعة، حيث يُجرّم هذا القانون الإجهار بسماع الأغاني واستخدام "اللغة البذيئة" وعرض الثياب النسائية الداخلية والتي وصفها القانون بـ "الفاضحة" في واجهات المحال التجارية. ويُجرّم أيضا لعب الورق والقمار وبيع أو تداول أو تناول الكحول وإقامة أي احتفال غنائي سواءً في الأماكن العامة أو السكنية الخاصة، كما يحظر "التبرج"، ويمنع دخول النساء "السافرات" إلى المحافظة.

و"قانون قدسية كربلاء" هو في الواقع قرار لمجلس المحافظة يعتمد على مجموعة من مواد قانون الجنائي العراقي.

ملصق لإحدى مواد "قانون قدسية كربلاء" المنتشر ملصقاته في شوارع المحافظة

​​​​حفل راقص

يقول عاصم محمد، 51 عاما، إنه "يشعر بالحزن الشديد" من التجاوزات التي حدثت على "أرض كربلاء المقدسة".

ويضيف "إذا كان البعض يسرق خيرات البلد ويشجع على الفساد، فإنه ليس بالضرورة أن نرقص على الموسيقى بقرب ضريح الإمام الحسين ونعتبره رداً على فسادهم".

وازدادت حدة التوتر بين الآراء، حيث طالب رئيس الوزراء السابق والأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي الحكومة بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المقصرين.​​

وقال في بيان إنه يدين "بشدة ما حصل في ملعب محافظة كربلاء المقدسة خلال افتتاح بطولة غرب آسيا".

المالكي اعتبر حفل الموسيقي الراقص "تجاوزا على حرمة المدينة وهتكا لقدسية مدينة الإمام الحسين عليه السلام".

حركة "عصائب أهل الحق" بدورها وجهت انتقادات شديدة للحفل.

وقال المتحدث الرسمي باسمها، نعيم العبودي في تغريدة على حسابه في تويتر إن "افتتاح بطولة غرب آسيا في كربلاء بالغناء والرقص إساءة لقدسية المدينة، ولا بد أن تكون هنا وقفة، وتحقيق في الموضوع".

​​​​​الأمور تغيرت

تعيش في العراق طوائف وأقليات مختلفة. يقول حميد أمين، وهو مهندس معماري، 52 عاما، الرياضة والثقافة يمكن أن تساعدا على تعزيز التعايش بين هذه المكونات، معتبرا أن الأصوات النشاز المطالبة بقمع الحريات لم تعد تجدي نفعا.

ويرى يوسف علوان، 33 عاما، أن "الحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي أن الجهات المعارضة والرافضة (للحفل) لا تأخذ بنظر الاعتبار قدسية المكان أم لا"، ولكن تسعى لتحقيق مكاسب.​​

​​​​ويقول في حديث لـ(ارفع صوتك): "من المريح عند البعض أن تكون بغداد منفتحة وكربلاء مغلقة، لأن المكاسب تتحقق بهذا الشكل".

أما محسن كريم فيتساءل: "هل مشكلتنا الآن تكمن في تلك العروض الغنائية؟ ألا توجد بحياة مشكلات أكبر وأخطر حتى ننشغل باعتراض وتأييد على مسائل لا تعدو كونها برتوكولية".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.