بورتريه للكاتب موسى الشديدي، تنشر بإذنه
بورتريه للكاتب موسى الشديدي، تنشر بإذنه

عاش طفولته المبكرة خلال الحصار الاقتصادي للعراق بعد حرب الخليج الثانية (غزو الكويت)، فيما شهدت مراهقته الغزو الأميركي للعراق وما تلاه من وقائع دمويّة ثم الحرب الطائفية (2006- 2008)، حتى بروز الجماعات الإرهابية التي انبثق عنها تنظيم داعش لاحقاً، فيغادر موسى البلاد عام 2012، أي قبل إشهار التنظيم نفسه بزعامة أبو بكر البغدادي بعام واحد فقط.

لم يعرف موسى الشديدي (27 عاماً) بغداد التي "يتغنّى بها العرب" على حد قوله. ويضيف "عرفتها مقموعة من نظام البعث والحصار ضاعف من ديكتاتوريته، عرفتها فقيرة جداً، وشعبها متعب جداً".

عبر مقابلة هاتفية مع الكاتب الشاب، يتتبّع "ارفع صوتك" حياة الشديدي في العراق وخارجه، وبروزه ككاتب في قضايا الجنسانية.

مؤلفاته: يوم لم يكن لنا أب (2016)، و الجنسانية اللامعيارية في السينما العربية(2018)، و جنسانية أم كلثوم (2019).

ويعرّف الشديدي نفسه بعروبته "أنا عربي ولدتُ في بغداد" فخوراً بالثقافة واللغة والتاريخ المشترك بين العرب إلى حاضرهم الثوريّ.

"كاتب عربي كويري"

كما يُبرز الشديدي هويّته الجنسانية في إعلان ذاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي "كاتب عربي كويري"

​​واختياره الآن لـ"كويري" لاحق لـ"مثلي وشاذ"، إذ يراه بلا حد، وبلا افتراضات مسبقة، لكن ومع ذلك، يخاف على الكلمة من التحوّل لنقيض ما وُجدَت لأجله أو التعرّض للتدجين. 

ويُطلق لفظ "الكوير" على كل ما هو "على خلاف مع العادي والشرعي والمُهيمِن. الكويرية هي هوية انسيابية، لا تعترف بجوهر واحد، ولا بدور اجتماعي أو هوية جنسية مقولبة جاهزة للاستهلاك المجتمعي". (موقع قديتا)

وأيضاً تشير الكلمة إلى كل ما هو "غريب وغير طبيعي. وتاريخياً استخدمت كإهانة ضد الأشخاص الذين لا يتوافقون جنسانياً مع السائد والمتوقع من الذكور والإناث في المجتمع، لكنها اليوم تعدّ احتفالاً بعدم الاحتكاك بالمعايير". (LGBTQIA resource center)

الكوير أداة أكثر منها هويّة بالنسبة لي. 

​​يقول الشديدي لـ"ارفع صوتك": "منذ وقت طويل حين بدأت نقاشاتي مع ذاتي وبيني وآخرين في منصّات نسويّة وكويريّة، برزت فكرة الهويّة بإيجابياتها وسلبياتها. كانت تسمية شاذ الأولى، ولم أعتبرها سلبية، وفي آخر سنوات المراهقة رأيت كلمة مثليّ معبرة أكثر عنّي" دون أن يعد ببقاء "كويري".

ولم يستبعد التحرر من أي اسم لاحقاً، خصوصاً إذا فقد قدرته على التماهي مع شخصه. يقول الشديدي "الأصل في الكلمة أن تلبي مطالبك لا العكس".

ماذا تعني لك "كوير" الآن؟ "هي بمثابة عدسة تساعدني في تحليل موازين القوى الاجتماعية وتفكيك هيكليات العنف التي تُمارَس على الناس. وحين نرى العنف بشكل أوضح، تصبح محاربته أسهل. أرى التعبير كأداة أكثر منه هُويّة"، يوضح الشديدي.​

السينما تضيء عُزلته

وعن ترعرعه طيلة سنواته العشرين في بغداد، يقول الشديدي لـ"ارفع صوتك": "كنتُ منعزلاً في مجتمع يتشظّى".  

هذه العُزلة عن أترابه الذين قضوا غالب الوقت في اللعب داخل الأحياء التي قد تتفجر بعض أركانها أيّة لحظة، منحته الوقت لاستكشاف الذات، والتمتّع بإنتاجات السينما العربية، وكان يمكنه مشاهدة 5 أفلام خلال يوم واحد. 

يصف الشديدي المراحل الدمويّة التي شهدها في العراق "اعتاد الناس الخوف لدرجة أنهم فقدوا الإحساس به. الانفجارات في كل مكان، أنت قد تموت في أيّ لحظة. مع الوقت تطوّر جلداً سميكاً. لكن العزلة منحتني الفرصة لاكتشاف الذات".

وفي بيئة الحرب وازدياد سطوة الميليشيات الدينية في العراق، لم تكن الجنسانية موضوعة مقبولة للطرح أو النقاش في الحيّز العام. يقول الشديدي "جنسانيتي كلها تسببت لي بمشاكل أساساً".

يستخدم الشديدي كلمة "امتياز" للتعبير عن تمكنه من مغادرة العراق، في إشارة إلى أنها رغبة الكثير لكنها ليست بمتناولهم جميعاً.

 ويقول إنه "يجد نفسه داخل المنطقة العربية أكثر ممّا لو هاجر إلى دولة غربية". 

مبادرة "سينمجي"

نظراً لولعه بالسينما العربية وتحليل الصور الجنسانية والنسوية في إنتاجاتها منذ الأبيض والأسود، كانت "سينمجي" مجرّد فكرة عام 2016، وفي كانون الثاني/يناير دخلت حيّز التنفيذ بأول نشاطاتها في عرض الأفلام ومناقشتها في السياق الجنساني.

يقول الشديدي لـ"ارفع صوتك": "كنت ومجموعة أصدقاء نفكر بأهمية مناقشة قضايا الجنسانية لكن دون استفزاز المجتمع، فوجدنا السينما هي الأكثر قرباً من الناس فهي مساحة حرة للنقاش والتحرّك حولها. وكانت الثيمة الأساسية تصوير الجسد في السينما العربية".

وفريق "سينمجي" متنوع، نشاطاته ليست دوريّة، لكن موجود في منصّات إلكترونية لعرض ما تم نقاشه أو طرح الجديد فيما يتعلّق بالجنسانيّة اللامعيارية والقضايا النسويّة.

​​​وعن ردود الفعل في النقاشات على الأرض أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام أو خاص من خلال الرسائل، يقول الشديدي "التفاعل كان جميلاً جداً، تعرفنا لوجهات نظر مثيرة جداً للاهتمام، كما أن العديد أخبرونا بأنهم صاروا يشاهدون الأفلام بعين جديدة بعد نقاشاتنا".

أم كلثوم: مثليّة؟

في كتابه الصادر حديثاً "جنسانية أم كلثوم" يبحث الشديدي عن هويّة أم كلثوم الجنسانية، وربما التأويلات لها، وفق سير ذاتية وشهادات لمقرّبين منها مثل رتيبة الحفني، ووقائع وحقائق في حياة "سيدة الغناء العربي" أو "كوكب الشرق" كما أطلق عليها. 

يقول الشديدي إنه وجد في أم كلثوم "القشّة التي تعلّق بها" كغريق وسط رفض اجتماعي كبير للجنسانيات اللامعيارية وهربها من الشرق إلى الغرب والانسلاخ عن الثقافة العربية.

فأم كلثوم، المحاطة بالقداسة والقبول الجماهيري من أجيال عديدة، وعلى مدى سنوات طويلة، لم تكن امرأة عادية بمعايير النساء المتوقعة في عصرها ولا حتى الآن، فجنسانيتها مثار للجدل، لكنه جدل غير معلن، وفق الشديدي.

ويرى الشديدي في "السّت" المرأة القويّة التي عاشت حياتها كما تريد، غير خاضعة لمعيارية النساء في تلك الحقبة من الزمن الذي عاشته، ورفضت الزواج لفترة طويلة من حياتها كما قررت عدم الإنجاب.

في المقابل كانت "الشخصية المعيارية" بمعنى الأنثى كاملة الأنوثة وفق معايير المجتمع، هي منيرة المهدية، التي دفعت أحد الصحافيين لكتابة مقال يتضمن هروب أم كلثوم من قريتها إلى القاهرة بسبب جنسانيتها في محاولة "للقضاء عليها" كما يقول الشديدي.

صورة غلاف الكتاب

​​

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.