الصورة لوكالة الصحافة الفرنسية
الصورة لوكالة الصحافة الفرنسية

وصلت ميادة (16 عاما) إلى بغداد في كانون الثاني/يناير 2003، وأمضت الأسبوع الأول نائمة في شوارع منطقة السعدون، قبل أن تعرضها للتحرش والضرب من بعض المتسولين الذين أجبروها على القيام بـ"الجـِدية" (التسوّل) مقابل عدم إبلاغ الشرطة.

وكانت ميادة هربت من أهلها في الرمادي برفقة شاب وعدها بالزواج، إلا أنه تخلّى عنها. 

تقول لـ"ارفع صوتك" إنها مكثت مع الشاب أياماً معدودة، ثم طردها قائلاً "لا يمكنني أن أتزوجك، أنت تجلبن العار لعائلتي".

ولأنها تخشى على سلامتها إذا أعيدت قسراً لأهلها، إذا ينتظرها "غسل العار" وفق عُرف العشائر، قررت الفرار إلى بغداد.

وعبثاً حاولت ميادة الهرب من المتسولين، إذ انتهى بها الأمر في بيت متهالك تسكنه عائلة متسوّلة، وطالبتها بالعمل معهم مقابل تزويجها.

وتتابع سرد قصتها: "تحملتُ وما زلت الكثير من العنف والابتزاز والاستغلال الجنسي والمادي، خوفاً من أهلي، لأنهم سيقتلونني إن عُدت".

قتلوا أختها

آمال (44 عاماً) أيضاً هربت من عائلتها خوفاً من قتلها، بعد العثور على أختها مقتولة عام 2017.

وهي لم ترغب بالهرب من أهلها أبداً. تقول آمال لـ"ارفع صوتك": "وبعدما علمت من خلالهم أن مقتل أختي كان غسلا لعارها نتيجة إصرارها البقاء على ذمة زوجها الذي كان – حسب اعتقادهم- موالياً لداعش، قررت الهرب". 

وآمال كانت مساندة لأختها، لذا توقعت أن تقتلها عائلتها.

بعد هربها، تزوجت بالرجل الذي ساعدها في الوصول إلى بغداد، لكنها الزوجة الثانية.

تقول آمال: "في البداية كان لطيفاً وساعدني كثيراً، لكنه الآن نادم على الزواج منّي بسبب المشكلات التي تفتعلها زوجته الأولى"، مضيفةً "أصبح يسيء معاملتي ويهددني دوماً بإعادتي لأهلي كلما حدثت مشادة بيني وزوجته. حتى فكرت بالهرب منه هو أيضا".

يبيع جسدها للأغنياء

هربت خالدة (33 عاماً) من زوجها العام الماضي لتقيم مع صديقة قديمة. كان زوجها يجبرها على ممارسة الجنس مع رجال أغنياء مقابل الحصول على المال منهم.​

وتروي عن ليلة هربها لـ"ارفع صوتك" بالقول "دخل البيت في وقت متأخر وأرغمني بالسلاح على تجهيز نفسي لرجل، فهربت عند دخوله الحمّام".

وتضيف خالدة أنها تحاول البقاء بعيدة حتى عن أهلها، لأنهم "حتماً سيصدقون ما يقال عنها من سوء".

اضطرت لترك أطفالها الأربعة. هي لا تشعر بالأمان، وتتوقع أن الأمر سينتهي بمقتلها عًلى يد زوجها أو أهلها.

 "لا مفر من الهرب" تقول خالدة، مضيفةً "هربت كي أشعر بأنني لست عبدة أو جارية أو أن أكون مجبرة على فعل الرذيلة".

الضرب بشكل مستمر

لا تختلف قصة فرار هند (55 عاماً) من زوجها قبل 15 سنة، لكنها هربت مع أطفالها الستّة.

تقول هند التي لم تلتق بزوجها أبداً حتى وفاته: "كان يضربني باستمرار أنا وأطفالي، ولا يكترث للجوع والحرمان الذي عانينا منه. كان مدمناً على شرب الخمر".

وعن أحد المواقف الموجعة في ذاكرتها، تروي هند لـ"ارفع صوتك": "كنت نائمة، لأستيقظ مفزوعة على جرّه لي من شَعري، يسألني صارخاً عن سبب إزاحة ستارة المطبخ قليلاً عن مكانها".

وتقول إنه كان يضربها لأتفه الأسباب. فاض بها الكيل، فهربت وأطفالها. 

هند لم تخبر أحدا عن هروبها خشية أن يعيدها أهلها له مثل كل مرة، وفضلت أن تخبرهم بعد وفاته قبل 10 أعوام.

القانون أم الشريعة؟

تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي د. بشرى الياسري، إن أحد القوانين القبلية "يعطينا فكرة عما يمكن حدوثه للمرأة بعد هروبها وعثور الأهل عليها، إذ يُسفَك دمها كواجب مقدس تقدمه العشيرة".

وتروي واقعة مقتل شابة على يد العشيرة، بعد هربها مع شاب والزواج به. وهنا تبدو العشيرة صارمة حتى أمام ما هو مشروع إسلامياً، فقد قُتلت الفتاة رغم أنها متزوجة.

وتشير الياسري إلى أن القانون العراقي نفسه يساند العائلة ضد ابنتها الهاربة سواء كانت قاصراً أو لا، فهو بكل الحالات سيقوم بإعادتها لأهلها متغاضياً عن مصيرها المتوقع، وهو القتل.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.