صورة تعبيرية/ المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية
صورة تعبيرية/ المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية

بصوت خافت مسكون بالألم، قالت (س.ق) "أريد أن أتحدث، أريد أن أخرج ما في صدري من حسرات على ما حصل لي..".

فضلّت النازحة العراقية عدم ذكر اسمها حفاظاً على سلامتها. 

تروي لـ"ارفع صوتك" عن انقلاب حياتها وعائلتها المكونة من أمّها وأبيها وأخيها الأصغر منها، خلال معارك التحرير من داعش في مناطقهم، واضطرارهم للنزوح، والعيش بأقل مقومات الحياة في المخيم.

النزوح

تقول (س.ق.): "اشتدت المعارك في منطقتنا وتعالت صيحات الدواعش. دويّ الرصاص والقنابل اقتربت أكثر فأكثر من بيوتنا، ولم نتمكن حتى من فتح عيوننا، بسبب الأتربة المتطايرة الممتزجة برائحة البارود". 

"فجأة فقدت السمع بسبب الصفير الذي ملأ أذني وفقدت القدرة على الرؤيا، وبعد دقائق معدودة شعرت بآلام في أماكن عدة من جسدي، وأخرى في رأسي. لم أقو على رفع يدي التي وقعت بثقل جسمي عليها عند سقوط صاروخ على بعد منزلين من بيتنا"، تتابع (س.ق).

وحين انقشع ضباب الغبار من البيت، سرق سمعها صوت أمها التي تبحث عنها، لتجدها ملقاة على أرضية المطبخ يغطي وجهها الدم، بسبب تطاير الزجاج نحوها، أما أبوها فكان خارج البيت يحاول الحصول على المياه من أحد الجيران كما يفعل يومياً، وكان التنظيم الإرهابي قد تسبب في قطع المياه التي تصل للناس عبر الأنابيب.

دخل الجيش العراقي والقوات الموالية وتم تحرير المنطقة من داعش، لكن الأهالي باتوا نازحين، وعائلة (س.ق) منهم.

"أصبحت مومساً"

تصف (س.ق) نفسها اليوم بـ"المومس" قائلة "أصبحت مومساً لأعيش وأعيل أمي وأخي الصغير.. لقد دُنّس شرفي الذي حافظت عليه طيلة حياتي".

أجهشت في البكاء وهي تروي وقائع حياتها في المخيم لمراسل "ارفع صوتك". صمتت ثم تابعت "أريد أن يعلم الجميع بوجود نساء دفعن شرفهن مقابل وجبات طعام لأيام قليلة".

على مدى شهور عاشت (س.ق) وعائلتها على فضلات الطعام من أكياس القمامة بجانب الخيام المجاورة لخيمتهم. تقول "كنت أرى العائلات تستلم المساعدات، لكنّي لم أكن أتمكن دوماً من الحصول عليها، خصوصا أن الطريقة تتمثل في التدافع والصراخ وتبادل الشتائم البذيئة".

مرة تلو أخرى، بدأ الشباب الذين يوزّعون المساعدات يتنبّهون لها، كما تقول. مضيفةً "راقبوني حتى وصلت خيمتي، ثم وعدوني بحياة مترفَة" والمقابل؟

تقول (س.ق): "أتى ستة شبّان لخيمتنا يحملون المواد الغذائية، وصاروا يتغزلّون بي،  وملامسة جسدي، بعدها هجم عليّ اثنان منهم ولم أقو على الصراخ كي لا أفضح نفسي من جهة، أو أخسر المساعدات من جهة أخرى.. استسلمت".

مرّت شهور والشبّان يتناوبون على خيمة (س.ق) مع المساعدات مقابل "جسدها ثمناً" كما تقول. وتضيف "أصبحتُ أماً لطفل واليوم أنا حُبلى بآخر، لكنني لا أعرف أب أيّ منهما، ولم يقبل أيّ من هؤلاء الشبّان الاعتراف بهما".

ونشر "ارفع صوتك" في وقت سابق قصصاً مشابهة لقصة (س.ق) في تقرير تضمن شهادات نازحات أجبرتهن الظروف على تقديم "الجسد مقابل الغذاء".

ورداً على كل ما وثقّه موقعنا من شهادات، قالت إدارة أحد المخيمات "فتحنا تحقيقاً في هذه المسألة وأبلغنا الجهات الأمنية، لكننا ما زلنا في مرحلة البحث عن أدلّة".

كما قال أعضاء من مجلس محافظة نينوى لـ"ارفع صوتك" إنهم سمعوا بهذه القصص المأساوية إلا أنهم لم يتلقوا أي شكوى من امرأة تتهم فيها جهة معينة أو شخصاً بعينه ابتزها جنسياً".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.