أميرة عتو في مكتبتها
أميرة عتو في مكتبتها

استغلت النازحة الأيزيدية أميرة عتو فراغ أحد الكرفانات في مخيم "بيرسفي الثاني" للنازحين شمال قضاء زاخو، وحولته إلى مكتبة عامة يقبل عليها العشرات من سكان المخيم يومياً، لقراءة الكتب والاستفادة من النشاطات الثقافية التي تنظمها.

وكانت أميرة نزحت من مدينة سنجار شمال غرب الموصل في أوائل آب/ أغسطس 2014، إثر سيطرة مسلّحي تنظيم داعش على المدينة وتنفيذهم عمليات إبادة جماعية ضد سكانها.

ونجت أميرة مع عائلتها من حصار التنظيم لجبل سنجار الذي أصبح ملاذاً لآلاف العائلات الأيزيدية التي تمكنت من الهرب. وعاشت في الجبل أياماً صعبة في ظل نقص الطعام والماء، كما شاهدت بعينها وفاة المئات من الأطفال والنساء وكبار السن بسبب نقص الدواء والغذاء والماء وارتفاع حرارة الجو.

الأوضاع الصعبة التي شهدتها أميرة وأهلها خلال النزوح والعيش في المخيمات حالت دون إتمامها تعليمها الإعدادي، وكان في مرحلته الأخيرة، لتنخرط في العمل مع المنظمات العاملة في المخيم لمساعدة النازحين والتخفيف من معاناتهم.

ورغم انشغالها بالعمل الإنساني وبواجباتها العائلية، إلا أن أميرة لم تتوقف عن البحث باستمرار عن وسيلة أفضل لمساعدة النازحين نفسياً، وإعادة تأهيلهم خلال السنوات الخمس الماضية.

وطالما راودها حلم افتتاح مكتبة عامة داخل المخيم، لتحققه قبل عام  واحد.

​​

تقول أميرة لـ"ارفع صوتك" إن هدفها "تشجيع النازحين على القراءة والكتابة كوسيلة لنسيان المأساة التي شهدوها ومحو الأفكار السلبية التي زرعها إرهابيو داعش في عقول الناس".

واعتمدت أميرة على جهودها ومالها الخاص في افتتاح المكتبة، وتقدم الخدمات للقراء فيها بشكل تطوعي.

"زرت المكتبات في أسواق دهوك لجمع الكتب، وطرحت فكرة إنشاء المكتبة على أصحاب المكتبات فرحبوا بها وقدموا لي المساعدة وشجعوني على تنفيذها، وتلقيت المساعدة من بعض المثقفين أيضا، لذلك تمكنت من جمع كتب متنوعة. رصيدنا من الكتب اجتاز 2400 كتاب في مختلف الاختصاصات وباللغات الثلاثة: الإنجليزية والعربية والكردية"، تقول أميرة.

وتمضي ساعات عديدة يومياً في إدارة المكتبة التي تستقبل الروّاد بين الساعة 9:00 صباحاً و7:00 مساءً. كما تحرص على إيصال رسائل تحث على التعايش السلمي وحب الآخرين ونبذ العنف والانتقام بكافة أنواعه.

​​

وترى أميرة  أن المكتبة تجاوزت دورها في توفير مكان وكتب للمطالعة، لتصبح "مركزاً ثقافياً تعليمياً، تُعقّد فيه الندوات على تنوّع مواضيعها، إضافة لدورات تعليم اللغة الإنجليزية والعربية والكردية".

وتقول لـ"ارفع صوتك" إن  المكتبة تساعد الناجيات الأيزيديات من قبضة داعش، عبر توفير التأهيل النفسي والتفريغ من خلال الكتابة للتخلّص إيجابياً من الذكريات الأليمة، التي خلّفها داعش.

المشروع لا ينتهي عند هذا الحد، وفق أميرة، التي تسعى لإقامة مكتبات مماثلة في باقي المخيمات. تقول "سأحاول بالتعاون مع المنظمات والمثقفين من أجل استكمال حلمي، حتى يتمكن النازحون من العودة إلى مناطقهم".

​​

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.