صورة لمريضة سرطان/ المصدر: ا ف ب
صورة لمريضة سرطان/ المصدر: ا ف ب

تقول لمياء حامد (42 عاماً) إنها وبعد تشخيص إصابتها بسرطان الثدي، أصبحت "منتهكة من قبل الجميع". 

وتوضح لـ"ارفع صوتك": "الكل يسارع بالنظر إلى ثديي لحظة معرفتهم بمرضي. طلبت أمي وكذا زوجي ألا أكترث لذلك، وأن أرتدي حمالات الصدر، وأتبضّع فساتين جديدة وأواظب على العلاج في مستشفى أورام الثدي ببغداد".

ويطمأنها كلاهما بأن المرض "مرحلة ستنتهي للأبد، والأفضل تحمّلها كيفما كانت"، كما تقول لمياء، مضيفةً "لدّي زوج وأطفال ثلاثة ينتظرون عودتي كما كنت قبل الإصابة. لكنّني لم أشعر بذلك..".

تشعر لمياء أنها في مرحلة العلاج خسرت الكثر، تقول "فقدت الثدي الأيمن بعد أسابيع من اكتشاف المرض، ثم فقدت رغبتي في الأكل والشرب بسبب الجرعات الكيمائية. كما  خسرت كل ما يخصّني: شعري ولون بشرتي وقوة تحمّل عظامي.. خسرت نظرتي للحياة".

الشعور بالاكتئاب "لا يفارقها" وأثّر على علاقتها بزوجها وبمن حولها. فـ"الشفقة" هي كل ما تراه في عيون الناس، وبدأت تشعر بأنها "عالة".

وحتى بعد الشفاء من السرطان، لم تتغير هذه النظرات "إلاّ نحو الأسوأ"، كما تروي لمياء، فزوجها "لا يبالي بمشاعرها، لا فارق بين وجودها من عدمه له. منهمكٌ في العمل، يعود بعد منتصف الليل البيت ويخرج في الصباح الباكر مسرعاً قبل أن تصحو من نومها".

لكن لمياء، رغم حزنها، مصرّة على الحفاظ بعلى بيتها وأطفالها، لذلك تحاول تجاهل كل ما سبق ذكره، كما تقول.

مرّ عامان ولكن..

توقفت هند علي (59 عاماً) عن ارتداء حمّالات الصّدر، بعد استئصال ثديها الأيمن لاستكمال علاجها من سرطان الثدي.

تقول لـ"ارفع صوتك" إنها تشعر بالضيق كلما سمعت حديثاً عن صدر المرأة، مضيفة "وأشعر كلما ارتديت حمالات الصّدر أن إصابتي بالسرطان تتفاقم".

وتضيف هند "حتى بعد أن خضعت للعلاج الكيميائي لضمان الشفاء نهائياً كنت أشعر بفجوة أو فراغ بمكان الثدي المستأصل، ما دفعني لارتداء ملابس واسعة وفضفاضة حتى لا ينتبه أحد ما لشكل صدري".

وكانت هند احتفلت مؤخراً بزواج ابنها الأصغر. تقول "رغم مرور عامين على شفائي، إلا أنني ما زلت أعاني نفسياً بسببه".

وحالها كحال لمياء، فالخسارة التي تشعرها كبيرة، بسبب فقدان الشعر والبقع الداكنة المنتشرة في جسدها حتى تغيّر لون بشرتها بالكامل، كما تقول.  

ويعد سرطان الثدي الأكثر انتشاراً بين النساء في العراق، وقدرت منظمة الصحة العالمية الإصابات في 2018 بـ 5141 بنسبة 20.33% من باقي أنواع السرطان.

"الابتعاد من حقّه"!

طغى على حديث ابتسام لنا شعورها بـ"النقص"، وهو ما دفعها للابتعاد والانفصال عن زوجها.

فقبل عامين شخص الأطباء اصابتها بسرطان الثدي وشجعها زوجها على العلاج. غير أن تجربة استئصال الثدي غيرت الحال.

تقول ابتسام (42 عاماً) إنها تلقت دعما كبيراً من زوجها  في أسابيع العلاج الأولى، ما ساعدها في تجاوز المرحلة بيُسر، ولكن بعد استئصال ثديها الأيسر "فقدت زوجها تدريجياً".

وتسرد بحزن: "كنت أشعر بالفعل بعدم قدرته على النظر إليّ. كان يبتعد كثيرا وينام في صالة البيت بعيدا عني، وصار أكثر غضباً لأي سبب، ما جعلني أتألم أكثر من آلام مرضي".

هذا الشعور التصق بها، بحيث أصبحت تعتقد بوجود خطأ في جسدها، لتقرر الابتعاد عنه "حفظاً لكرامتها" كما تقول ابتسام.

تضيف: "ينبغي أن تكون الزوجة جديرة بزوجها، وأنا أعاني من نقص بجسدي، إذن فمن حقه الابتعاد أو الاشمئزاز مني، ربما لو كنت مكانه لتصرفت مثله".

ووفق عدد من الأطباء النفسيين، فإن أكثر ما تحتاجه النساء في هذه المراحل هو الدعم النفسي، علماً بأن كل امرأة تتعامل مع المرض بطريقتها، فهناك من تقرر ألا تستلم حتى لو لم تجد الدعم، لكن إذا غاب دعم أقرب الناس قد يجعل المريضة في حالة عزلة واكتئاب.

وليس المريض وحده من يحتاج الدعم النفسي، أهله أيضاً، لأن الأهل نفسهم أحياناً لا يعرفون التصرّف في مثل هذه الحالات، وبدل أن يبدوا المساعدة والاهتمام تظهر بالنسبة للمريض شفقة، وهي أكثر ما يجرحه. 

"الجنس مفقود"

مخاوف نهاد كريم (33 عاماً) لم تكن مختلفة، فقد واجهت في مرحلة الإصابة والاستئصال معاناة جسدية ونفسية، خاصة عند التفكير في "فقدان حياتها الجنسية"، بسبب ما وصفته  "تشويه ثديها"، رغم محاولاتها للتعايش مع هذا الجزء المنفصل عن جسدها.   

تقول نهاد، وهي متزوجة منذ خمسة أعوام ولديها طفلة، إن "شعرت كما لو أنني قد فقدت كل شيء"، مضيفةً "عندما يتحدثون عني لا يقولون فلانة باسمي، بل يستخدمون كلمات منها (مسكينة، خطية)، وعندما أمر من أمامهم أسمعهم يتهامسون (بيها ذاك المرض)، حتى أن الكثير من الناس يتعاملون معي وخاصة زوجي وأهله بحذر ولا يقتربون كثيرا مني وكأنني سأصيبهم بعدوى". 

ورغم ذلك، فإن ما يدمر نهاد نفسياً (وفق تعبيرها) حين يتعلق الأمر بارتداء ملابسها وما تشعر به تجاه جسمها. تقول "في الوقت الذي أحاول فيه أن أهمل سلوكيات الناس وردود أفعالهن تجاه استئصالي للثدي، فإنني أصطدم بالضغوط النفسية السيئة التي تسببها لي حمالات الصدر والملابس".

وما يزيد الأمر سوءاً بالنسبة لنهاد، أن زوجها دائما يسخر من معاناتها بحجة المزاح تجاه ارتداء حمالات الصدر، إذ يتوجب عليها اختيار حمالات صدر سميكة ومنتفخة كي تجعل الأثداء تبدو متوازنة وبحجم واحد!

وهذه قصص أخرى لنساء ناجيات من سرطان الثدي، وطريقة تعاملهن مع المرض سواء بوجود الدعم أو غيابه، وسر تجاوزهن كل تلك الصعوبات، خصوصاً أنهن تغلبن على الفكرة النمطية والصور المعلّبة للأنوثة أو الجسد المثالي، تلك التي نعاني منها كنساء بشكل خاص بسبب قوة الترويج لهذه المفاهيم في الإعلام والمجتمعات.

​​أريج من الأردن: ضحكت على سرطان الثدي وهزمته

غنوة من لبنان: تعاملت مع سرطان الثدي كمشروع

سوسن: لن أسمح لسرطان الثدي بالعودة إلي

غادة من مصر: صرت أجمل وأكثر ثقة وابتديت أحب نفسي

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.