أبو مهدي المهندس (يمين) وفالح الفياض (يسار).
أبو مهدي المهندس (يمين) وفالح الفياض (يسار).

ما يزال بيان نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، الذي يتهم فيه الولايات المتحدة بالوقوف وراء التفجيرات الأخيرة في مقرات الحشد، يتصدر الموقع الرسمي للهيئة على الأنترنت وصفحاتها على تويتر وفيسبوك.

بيان فالح الفياض المضاد، ورغم أنه رئيس الهيئة، لا وجود له تماما. آخر ذكر للفياض في الموقع الرسمي للحشد يتحدث عن لقاء بينه وبين رئيس الجمهورية برهم صالح، وقبله تهنئة بعيد الأضحى.

ويوم الأربعاء، أصدر أبو مهدي المهندس بيانا قال فيه إنه لديه "معلومات دقيقة أن الأميركان قاموا هذا العام بإدخال أربع طائرات مسيرة إسرائيلية عن طريق أذربيجان لتعمل ضمن أسطول القوات الأميركية على تنفيذ طلعات جوية تستهدف مقرات عسكرية عراقية".

لكن رئيس هيئة الحشد فالح الفياض، ويشغل أيضا منصب مستشار الأمن الوطني، أصدر بيانا مضادا قال فيه إن بيان نائبه لا يمثل وجهة نظر الحشد الشعبي ولا الحكومة العراقية.

وتابع الفياض أن الهجمات التي شنت خلال الأسابيع الماضية كانت نتيجة عمل منسق لجهة أجنبية. لكنه لم يسمها.

أما أميركا، التي اتهمها المهندس، فنفت بشدة أي دور لها فيال تفجيرات.

في المقابل، نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين كبيرين قولهما إن إسرائيل نفذت عدة ضربات في العراق خلال الأيام الماضية على مخازن ذخيرة لمجموعات مدعومة من إيران في العراق.

ومنذ منتصف الشهر الماضي، تعرضت أربع قواعد عسكرية يستخدمها الحشد الشعبي لسلسة انفجارات غامضة: معسكر "الشهداء" في آمرلي، معسكر أشرف بديالى، مخزن للسلاح في معسكر الصقر في بغداد، وأخيرا معسكر قرب قاعدة بلد الجوية.

ودفعت الخلافات بين الفياض والمهندس إيران، الداعم الرئيسي للحشد، إلى التدخل. وأمس الخميس زار الفياض مصحوبا بمدير مكتب رئيس الوزراء أبو جهاد الهاشمي العاصمة الإيرانية طهران لإيجاد حل للخلاف.

ويُصنف أبو مهدي المهندس، واسمه الحقيقي جمال جعفر آل إبراهيم، على أنه "رجل إيران" داخل الحشد الشعبي. ويرتبط بعلاقات وثيقة مع قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

ويحظى المهندس بنفوذ كبير داخل فصائل الحشد، ويقود مليشيا كتائب حزب الله المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية منذ سنة 2009. وهو نفسه على لوائح قوائم العقوبات الأميركية.

وبمجرد صدور بيان الفياض الذي يرد على المهندس، أصدرت كتائب حزب الله بيانا يؤيد زعيمها.

واستعملت الكتائب تعابير شبيهة بما ورد في بيان المهندس، من قبيل وصف الولايات المتحدة الأميركية بـ"العدو" واتهامها المباشر باستهداف مقرات الحشد.

وتسبب بيان الفياض في رد فعل غاضبة من مؤيدي المهندس، بما في ذلك إعلاميون في مديرية الإعلام التابعة للحشد، ونشر بعضهم صورا له مرفوقة بعبارات #قائد_الحشد_الشعبي و#حامي_الفتوى و"سنخوض البحر معك".

الإعلامي بالحشد الشعبي رأفت رحيم الياسر كتب على صفحته في فيسبوك قائلا: "لا يخفى على أحد أن بيان رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي تلا بيان قائد قوات الهيئة (الحاج أبو مهدي المهندس) ولد موجة غضب لدى جماهير الحشد".

وفي تقرير حول فصائل الحشد الشعبي، سنة 2014، وصفت وكالة رويترز، نقلا عن مسؤولين عراقيين، أبو مهدي المهندس بأنه "ممثل إيران الأقوى في العراق".

وبدأ المهندس في العمل إلى جانب الحرس الثوري الإيراني في ثمانينات القرن الماضي. ويتهم بالمسؤولية وراء تفجير السفارتين الفرنسية والأميركية في الكويت، بدعوى دعم البلدين للعراق في حربه ضد إيران. وحكم عليه حينها بالإعدام غيابيا.

ويتهم أيضا بمحاولة اغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح. لكنه ينفي كل هذه الاتهامات.

وبعد سقوط نظام صدام حسين، عاد المهندس إلى العراق وشارك في تشكيل عدد من المليشيات المسلحة المدعومة من إيران.

خلال تلك الفترة، يقول تقرير لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن إن المسؤولين الأميركيين كانوا يعتبرون المهندس بمثابة مبعوث قاسم سليماني إلى العراق وحامل رسائله إلى المسؤولين العراقيين بمن فيهم رئيس الحكومة حينها نوري المالكي.

أبو مهدي المهندس نفسه لا يخفي هذه علاقته الوطيدة بسلمياني. قال في تصريح للتلفزيون الإيراني سنة 2017 إنه كان "جنديا لدى الحاج قاسم ]سليماني[".

ويؤكد تقرير المعهد الأميركي أن النجاح الحالي الذي حققه فيلق القدس في اختراق الحشد الشعبي يعود الفضل فيه إلى وكلائه في العراق خلال تلك الفترة، وأهمهم أبو مهدي المهندس.

سامي العسكري، المستشار السابق لرئيس الوزراء نوري المالكي، قال في تصريحه لرويترز إن وفدا عراقيا زار طهران سنة 2006، وعندما جلس الجانبان العراقي والإيراني إلى طاولة المحادثات، أخذ أبو مهدي المهندس مكانه إلى جانب الوفد الإيراني. " كان هذا غريبا!" يعلق العسكري.

وعندما اندلعت الحرب في سوريا، كانت كتائب حزب الله من بين أولى المجموعات التي أرسلت مقاتلين إلى سوريا لدعم نظام الرئيس بشار الأسد.

وفي 2015، قال مسؤولون أميركيون لصحيفة الواشنطن بوست إن الكتائب أرسلت 1000 مقاتل إلى حلب بطلب مباشر من قاسم سليماني.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.