عائلة تركمانية تفر من مدينة تلعفر إلى مخيم خازر بالقرب من أربيل
عائلة تركمانية تفر من مدينة تلعفر إلى مخيم خازر بالقرب من أربيل

نحو 600 امرأة وفتاة تركمانية شيعية تم اختطافهن من تلعفر من قبل عناصر داعش أثناء سيطرتهم على الموصل شمال العراق قبل خمس سنوات، وفقا لعضو مفوضية العليا لحقوق الإنسان علي البياتي.

يوضح البياتي أن "نحو 25 امرأةً وفتاةً و15 طفلا عادوا، ليس بجهود حكومية أو دولية إنما بجهود فردية".

وتفيد شهادات موثقة لناجيات أيزيديات وتركمانيات بأن "الأيزيدية كانت تغتصب وتباع، أما التركمانية وخصوصا الشيعية، كانت تغتصب وتقتل ثم تحرق"، وفقا للبياتي.

ويضيف "بعض التركمانيات كنّ يخفين ديانتهن ويزعمن أنهن أيزيديات حتّى لا يتعرّضن للحرق أو القتل".

يشعرنّ بالعار

وعلى عكس الأيزيديات، فإن الناجيات التركمانيات لم يتم الترحيب بهن من قبل المجتمع التركماني، ما أدى إلى أزمات نفسية يعشنها تلك الفتيات بسبب "وصمة العار التي يواجهنها في مجتمعهن".

هذا بالإضافة إلى أن عددهن الصغير قياسا بضحايا الأيزيديات أخفى حجم معاناتهن بسبب داعش ولم يتم الإبلاغ عنها، بحسب ما يؤكد الناشط المدني التركماني حسن عبو.

يقول عبو إن المجتمع التركماني تعامل بطريقة قاسية جدا فيما يختص بهذا الموضوع، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن "العار مرتبط بالمختطفات من قبل داعش في المجتمع التركماني بشكل كبير جدا، لدرجة أنهم يبقونهن في عزلة. لم نسمع يوما عن شخص قال أنا خطفت إحدى نساء بيتي، رغم أن هذا الموضوع لا يخدش الحياء".

الخوف من المجتمع

تعامل المجتمع التركماني السلبي مع موضوع مختطفاته كان له انعكاسات سلبية على أكثر من مستوى، خصوصا في موضوع "جهود البحث عنهن".

يقول عبو "من المفترض أن يوصل ذوو المختطفات صوتهم ومظلوميتهم من أجل توفير الحماية لهن والدفاع عن حقوقهن، ولتزيد الحكومة من جهودها في البحث".

ويتابع "نفسها المخطوفة إذا شعرت أنه لا توجد مطالبات بإعادتها، لن تكون لديها الشجاعة للعودة إلى هذا مجتمعها الذي ترى فيه القسوة رغم أنها لم تختر مصيرها في الخطف".

فهؤلاء النساء لم يذهبن بإرادتهن لداعش، "احتلال التنظيم للعديد من المناطق نتج عنه أعداد كبيرة من الضحايا من جميع الطوائف من ضمنها التركمانيات"، وفقا للناشط عبو.

لا حرية

فيما يؤكد عضو مفوضية حقوق الإنسان البياتي أن طبيعة الحياة التي تعيشها الناجيات من المختطفات "لا يرقى إلى الحد الأدنى من المستوى الإنساني في التعامل معهن"، موضحا "لا يستطعنّ التحرك بحرية كالشخص العادي، ولا يحصلنّ على رعاية نفسية، إضافة إلى عدم وجود مؤسسات دولة ترعى هذه الضحايا".

وأكثر ما تحتاجه الضحية في مثل هذا الوضع هو "مجتمع يحتضنها ويسمح لها بالاندماج ضمنه للحصول على حياة طبيعية. للأسف الشديد هذا غير موجود"، وفقا للبياتي.

كل ما ورد يؤيده رجل الدين الشيعي التركماني الشيخ علي أوسط الياس.

يقول الياس "بالفعل فإن المجتمع التركماني يعتبر هذا الموضوع عاراً، ويتعامل معه وفق التقاليد العشائرية وعصبية قبلية"، موضحا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن سبب ذلك هو "اختلاف التقاليد والأعراف بين المجتمعين الأيزيدي والتركماني".

الموقف الشرعي

من الناحية الشرعية، يعتبر الشيخ الياس أنه "لا يترتب أي ذنب على الفتيات المختطفات، لأن الفتاة تعتبر أسيرة لا حول لها ولا قوة"، مضيفا "بل ربما تكون مثابة".

ويتابع "بل حتى من الناحية العرفية لا تنطبق عليها مسألة العار، وهذا ما يقّر به جميع العقلاء".

ويذهب الشيخ الياس إلى أن الشجاعة الحقيقية هي "في قبول هذه المختطفات واحتضانهن مجتمعيا وليس في رفضهن".

وعلى عكس الجالية الأيزيدية، التي أمر زعيمها الراحل "تحسين سعيد بيك" في عام 2015 باستقبال الناجيات، فإن المرجع الشيعي الأعلى في العراق "علي السيستاني"، لم يعالج القضية رغم تقديم عدد من الاستفتاءات إلى مكتبه.

يقول الشيخ الياس "كتبت إلى مكتب السيد السيستاني بإصدار فتوى بأن الفتيات التي اختطفهن داعش بالإكراه ليس عليهن جناح ولا يترتب عليهن قضية الشرف ولا غيرها، لكن لم يصلني جواب".

ويعتقد ناشطون أن الفتوى التي تتناول مباشرة قبول الناجيات من الاغتصاب ستساعد في تقليل وصمة العار التي يواجهنها.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.