أربيل - متين أمين:
رغم مرور عامين على عودته إلى بلدته تللسقف في منطقة سهل نينوى شمال وشرق الموصل، إلا أن صفاء خمرو المسيحي العراقي لم يتمكن من العودة إلى عمله إثر الركود الاقتصادي الذي تشهده البلدة بسبب هجرة أكثر من نصف سكانها إلى خارج العراق.
بعد إعلان القوات الأمنية العراقية تحرير مركز مدينة الموصل من تنظيم داعش في تموز/يوليو من عام ٢٠١٧، كان صفاء خمرو وعائلته في مقدمة العائلات المسيحية النازحة التي عادت إلى بلداتها في سهل نينوى، متشوقا للعيش في بلدته التي كانت خالية من سكانها لمحاذاتها الخط الأمامي لجبهات القتال في المعركة ضد داعش على مدى أكثر من ٣ أعوام.
لكن فرحة خمرو بالعودة لم تكتمل، فالأوضاع الصعبة المتمثلة بنقص الخدمات الرئيسية وانعدام عمليات إعادة إعمار ما دمرته الحرب والأوضاع الاقتصادية الصعبة في المدن والبلدات المحررة من داعش حالت دون عودة أكثر من نصف سكان بلدته الذين هاجروا إلى خارج العراق خلال السنوات الثلاثة التي أعقبت سيطرة داعش على الموصل.
وقال خمرو لموقع (ارفع صوتك) إنّه قبل سيطرة داعش على سهل نينوى والموصل كانت تللسقف مركزا تجارياً لجميع القرى الواقعة في محيطها.
"كنت حينها أمتلك ثلاثة محلات للألبسة الجاهزة، بعد العودة افتتحت هذه المحلات لكن انكماش حركة السوق وقلة السيولة والزبائن بسبب البطالة وفراغ المدينة من أكثر من نصف سكانها دفعتني إلى اغلاقها، فأصبح حالي كحال غالبية أصحاب المحلات في سوق تللسقف الذين أغلقوا محلاتهم".
وأشار خمرو الى أن تدهور الوضع الاقتصادي في بلدته ناجم عن عدة أسباب في مقدمتها عدم توصل حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد إلى اتفاق لحل مشكلات المناطق المتنازع عليها بينهما، التي تعتبر تللسقف واحدة منها، وهذا يمنع المستثمرين من تنفيذ مشاريعهم في هذه المناطق خوفا من تدهور أوضاعها.
هذا فضلا عن تدهور الزراعة التي كانت المهنة الرئيسية لغالبية السكان في تللسقف لأسباب عديدة منها هجرة السكان إلى خارج العراق والاستقرار الرخو الذي تشهده ونقص الخدمات والإهمال الذي تعاني منه البلدة ومنطقة سهل نينوى بشكل عام من قبل محافظة نينوى التي تتبعها البلدة إداريا.
وأضاف خمرو أن "الكثيرين ممن تبقى من أهالي تللسقف باتوا يفكرون في الهجرة من العراق بسبب الأوضاع التي يعيشونها وفقدانهم الثقة بتحسنها".
وبحسب إحصائيات رسمية كان عدد سكان تللسقف يبلغ نحو ٩ آلاف نسمة أي ما يعادل نحو ١٦٠٠ عائلة قبل سيطرة داعش على سهل نينوى عام ٢٠١٤، لكن بعد تحرير محافظة نينوى من التنظيم وعودة النازحين إلى تللسقف انخفض عدد سكانها إلى نحو ٤ آلاف نسمة أي ما يعادل ٦٥٠ عائلة تقريباً.
ودعا الأب سالار سليمان بوداغ، راعي كنيسة تللسقف، الى أن يعم الأمان في كل أنحاء العراق وخصوصا في سهل نينوى، من خلال توحيد الجهات الأمنية وإخضاعها الى مصدر أمنى حكومي رسمي بعيدا عن القوات التابعة للأحزاب أو طوائف والأشخاص، وابعاد سهل نينوى عن الصراعات الاقتصادية والسياسية.
وأوضح بوداغ لموقع (ارفع صوتك) "المشكلة الاقتصادية تحل عن طريق دراسة واقع ووضع المنطقة من قبل شركات استثمارية كبيرة، مع دعم هذه الشركات ماديا وأمنيا لإنشاء مصانع ومعامل توفر فرص العمل للشباب وأيضاً تطوير القطاع الزراعي الذي يُعتمد عليه في هذه المنطقة بشكل كبير".
وحذر بوداغ من أن حركة الهجرة والنزوح من تللسقف الى مناطق أكثر أمنا واستقرارا تتوفر بها المعيشة الجيدة، ستستمر مع استمرار الأوضاع الحالية كما هي.
وقال "مع مرور الوقت سيفقد سكان هذه المنطقة الأمل والثقة، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يؤدي الى الهجرة من المنطقة وازدياد اطماع الآخرين بالسيطرة عليها".
تتألف منطقة سهل نينوى المعروفة بموطن الأقليات الدينية في العراق من قسمين، الأول هو قضاء الحمدانية، والثاني قضاء تلكيف حيث تقع بلدة تللسقف، هذا بالإضافة إلى ناحية بعشيقة التابعة لقضاء مركز الموصل. وتقطن هذه المناطق غالبية مسيحية تتجاور مع مكونات أخرى كالأيزيديين والشبك.
وشددت الناشطة المدنية سهام جبوري يدگو على صعوبة إيجاد حلول جذرية لمشاكل تللسقف وسهل نينوى بشكل عام حالياً.
وأردفت يدگو لموقع (ارفع صوتك) "لا يمكن إيجاد حلول ما لم يُقضَ على الأفكار المسمومة، كي يتمكن الفرد أن يفكر بالاستقرار والبقاء، فكل الحلول الحالية ترقيعيه مؤقته لا تخدم الجميع، وهي مستغلة قبل فئات معينه لمصالح خاصه دون رقيب".
بدوره أكد مدير الاعلام والعلاقات في مجلس محافظة نينوى، عبدالكريم الكيلاني، أنه بعد مرور أكثر من عامين على تحرير محافظة نينوى بصورة كاملة ما زالت غالبية مناطقها تعاني من الركود الاقتصادي والوضع المزري والحالة الامنية القلقة.
وأشار في حديثه لموقع (ارفع صوتك) إلى وجود نحو ٧٠٠ ألف نازح في المخيمات الموجودة في إقليم كردستان وجنوب الموصل وفي مدن وأقضية ونواحي دهوك وأربيل والسليمانية بسبب انعدام الخدمات في المناطق المحررة.
وأضاف "وأيضا بسبب وجود عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا في قضاء سنجار، وتعدد القوى العسكرية في منطقة سهل نينوى وعدم تطبيق المادة ١٤٠ من الدستور العراقي".