نساء سوريات يطبخن طعامهن في مخيم للاجئين على الحدود التركية بمحافظة إدلب
نساء سوريات يطبخن طعامهن في مخيم للاجئين على الحدود التركية بمحافظة إدلب

تأثرت بعض الأطعمة وعادات الطبخ العراقية بسبب الحروب والمعارك المختلفة، وكذلك الصراعات السياسية والطائفية التي مرتّ على البلاد، بشكل حمل الكثير من التغيير.

تقول سميرة عباس (٤٥ عاماً)، "منذ اندلاع الطائفية عام ٢٠٠٦ وأنا تركت (قلي سمك الجري) لأنه يحرم تناوله عند الشيعة بالعراق، بهدف إبعاد شبهة الطائفة الدينية عن عائلتها".

كانت عائلة سميرة المتكونة من خمسة أبناء وبنت واحدة فقط، من المذهب الشيعي. تقول سميرة: "مع مرور الوقت نسينا تناول هذا النوع من السمك، ولم يعد يتذكره أبنائي أو زوجي".

امرأة عراقية تشتري السمك في سوق بمدينة النجف

 

 

 

 

 

 

سراديب الموصل

تغيرت عادات الطبخ أيضا عند الموصلين بعد سقوط مدينتهم بيد مسلحي "داعش" عام ٢٠١٤، واندثرت الكثير من المعالم التراثية الشعبية في الأطعمة.

تقول زاهدة أمجد، التي كانت تسكن في حي الميدان بالموصل قبل سيطرة داعش، "كان لدينا سرداباً نجمع فيه كميات من المؤن الغذائية، وهي عادة ورثها أهالي الموصل وحرصوا على ديمومتها، ولكن بعد تحول هذه السراديب إلى أمكنة تحتوي على الذخيرة والمتفجرات، تغير الحال".

وكانت عائلة زاهدة من بين النازحين الذين لم يعودوا إلى الموصل وفضلوا البقاء ببغداد، حتى بعد تحريرها.

ولا ترغب زاهدة في السكن ببيت يضم سرداباً داخله، "بسبب ما سمعته وشاهدته من احتجاز الدواعش لعائلات ومدنيين في تلك السراديب وتفجيرها، لا أستطيع حتى تناول الأطعمة التي كنا نحرص على تخزينها في تلك السراديب، لأن صور الدماء والجثث لا تفارقني كما حال العشرات غيري".

الحصار الاقتصادي

وحتى اليوم يبتعد العراقيين عن الكثير من الأكلات التي اعتادوا على تناولها أيام الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي.

وليس عيبا عند وسن جليل (٤٤ عاماً) ألاّ تتقبل تناول حلوى التمر، وكذلك الباذنجان المقلي، ومرقة الشجر، وخبز النخالة بعد توقف الحصار الاقتصادي.

تقول وسن، التي تسكن في بغداد، "الحصار الاقتصادي والجوع وتناول الأكلات والأطعمة باستمرار لعدم قدرتنا على شراء غيرها دفع بالكثير من العراقيين إلى هجرتها نهائياً بل واندثارها من المطبخ العراقي".

أطباق تحوي أكلة "الباجة" العراقية

 

 

 

 

 

 

الأكلات السريعة والغريبة

ورغم حرص الكثير من العراقيين على تناول الأكلات والاطعمة التي يشاع أنها قد اندثرت مثل الطرشانة وغيرها، لكن الأمر لم يكن كذلك لدى عائلة أم أحمد (٥٦ عاماً) فهي لا تكتفي بالابتعاد عن طبخ بعض الأكلات مثل (الباجة، وتشريب اللحم، وقوزي التمن) بل تقوم بتجهيز وطبخ الأكلات الغربية مثل الكورية، لأن بناتها يرفضن تناول الأكلات الشعبية العراقية.

تقول أم أحمد "من الغريب أنني لم أعد أطبخ الكثير من الأكلات التقليدية، لأن بناتي من جيل اليوم الذي يرفض تناولها، ويفضلن الأكلات السريعة والغريبة".

القدرات المالية والصحية

أما عادل موفق الذي شارك كجندي في الحرب العراقية- الإيرانية ولم يغادر الجيش إلاّ عام ٢٠٠٣، فيقول "تميزت خدمتنا بالجيش في أننا كنا نعاني من الحرمان المضاعف للكثير من الأطعمة والأكلات بسبب الخدمة بالجيش وأيضا لعدم قدرتنا المالية، فالنظام السابق كان يهتم فقط بالرتب العسكرية المهمة".

يقول عادل في حديث لموقع (ارفع صوتك) "كنا نتناول الخبز اليابس إذا ما نفذت المؤنة التي نجلبها معنا من منازلنا عند انتهاء الإجازات".

ويتابع " هجرنا تناول الكثير من الأطعمة وخاصة الدسمة، وابتعدنا عن تناول اللحوم الحمراء واستبدلناها بالأسماك والدجاج، وكذلك المرق الدسمة والرز خشية الإصابة ببعض الأمراض، أو لسوء الحالة الصحية".

واكتشف عادل مؤخراً أن الجيل الجديد من الجنود لا يختلف حالهم كثيرا عنهم، وخاصة من الذين شاركوا في معارك تحرير الموصل، إذ كانوا يعانون من قلة الطعام أو انعدامه.

لاجئ سوري يحمل تفاح وخبز في مخيم للاجئين على الحدود السورية التركية

 

 

 

 

 

 

مطبخ سوريا

المطبخ السوري لم يكن بمنأى عن التأثر بالحروب والصراعات التي تشهدها سوريا منذ اندلاع الثورة في 2011.

فالقصف الذي تعرضت له محافظة إدلب انعكس على الوضع المادي والاقتصادي للغالبية العظمى من أهالي إدلب.

يقول فؤاد بصبوص "الكثير من الناس كانوا يطبخون بشكل يومي، اليوم أصبحوا يطبخون في كل أسبوع وجبة واحدة، أصبحت عملية الطبخ مكلفة جداً وارتفع سعر جرة الغاز من ١٢٥ ليرة سورية إلى ٧٠٠٠ ليرة"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "كما أثر الدخل على نوعية الطبخات، أصبحت الناس تطبخ كل أسبوعين أو ثلاثة وجبات فيها لحم، وهناك من لا يستطيع طبخ اللحم نهائيا".

ارتفاع الأسعار دفع الناس للبحث عن بدائل لبعض المواد الرئيسية والتقليدية في مطبخ إدلب.

يقول فؤاد "نحن في بيتنا أصبحنا نستعمل المرتديلا في أكلات المحاشي بدلاً من اللحوم".

ويتابع "البرغل بالبندورة أصبح وجبة يومية لرخص تكاليفه، بينما كنا نأكلها سابقاً فقط في فصل الشتاء ولمرة واحدة".

لاجئة سورية تبيع الخضروات في مخيم الزعتري للاجئين

 

 

 

 

 

 

تناول الطعام البائت

أمّا العاصمة السورية ورغم عدم تعرضها لحصار كما هو الحال في المدن الأخرى، لكن تراجع الوضع الاقتصادي فيها أثّر كثيرا على الدمشقيين.

تقول ريم النابلسي إن ارتفاع أسعار اللحوم والخضروات غيرت كثيرا من مائدة الموظف العادي، مضيفة في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن "ارتفاع سعر الغاز وانقطاع الكهرباء بشكل دائم أجبرنا على وضع سياسة طعام جديدة، وصرنا نأكل من الوجبة نفسها ليومين أو ثلاثة، حتى لا نستعمل الغاز بشكل كبير".

لا طعام في المناسبات

وجبات الغداء التي كانت تقدم في الأفراح توقفت هي الأخرى منذ عدة سنوات، بل وحتى في حالة الوفيات.

يقول عامر عوامة من ريف دمشق – دوما "كنا نقيم في اليوم الثالث للوفاة مأدبة غداء على روح الشخص المتوفي، لكنها انتهت بعد العدد الكبير للوفيات التي شهدته مدينتنا، وكذلك الارتفاع الكبير الحاصل في أسعار المواد الغذائية"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أنه "أثناء حصار المدينة مررنا بفترة عصيبة جداً، اضطررنا للبحث عن وجبات أكل جديدة، أحياناً كنا نضع البرغل في الحشائش بدل الخبز".

البحث عن بدائل للطعام التقليدي كان حاضرا عند أهالي مدينة حلب أيضا.

تقول أم عبد الرحمن "صرنا نحشي الأكل بلحوم الدجاج بدلاً عن لحوم الأغنام".

وتضيف "قبل الحرب كانت بيوتنا تستقبل الضيوف على وجبات الطعام أمّا اليوم فالراتب الشهري لا يكفي لإطعام أهل البيت".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.