بينما تجري المطالبات بتشريع قانون الحماية من العنف الأسري، تتزايد حوادث العنف الممارس على الأطفال باعتباره وسيلة اعتاد عليها المجتمع العراقي للتربية والحفاظ على هؤلاء الأطفال من الانحراف الأخلاقي والعصيان وغير ذلك.
وترصد الناشطة خديجة حمدان، خلال عملها بمنظمة معنية بحقوق الطفل، تزايد حالات تعرض الأطفال للعنف بشكل مخيف، بوصفها آلية تلزم الآباء والأمهات في المجتمع العراقي للدمج بين تربية الاطفال وعقابهم.
وتوجه الناشطة، انتقادات لاذعة للأمهات تحديداً، وتتسأل: "لماذا تعاقب الأم طفلها بضربه، لأن علاقتها بزوجها- أب الطفل- غير مستقرة أو فاشلة؟"، مشيرة في حديث لموقع (ارفع صوتك) إلى أن "غالبية الزوجات يعمدن بعد كل مشاجرة مع أزواجهن بضرب أطفالهم وتعنيفهم، كوسيلة للانتقام من الزوج".
السيطرة عليه
وتروي سميرة أسعد (٤٤ عاماً) أن والدتها كانت تضربها مع أخوتها على أي خطأ يرتكبونه، مضيفة في حديث لموقعنا "كان أبي لا يعلم بذلك، وإذا علم فإنه يقوم بضربنا ومعاقبتنا بشكل أكبر منها، لذا كنا نخاف من ممارسة ما لا يقبلا به".
هكذا اعتادت سميرة على تربية أطفالها الأربعة أيضا، وتضيف أن "الطفل الذي لا يُعاقب بالضرب لن نستطيع السيطرة عليه، لذا الضرب وسيلة للمعاقبة، هكذا تربينا، ولم يحدث لنا شيئا، لم نهرب، أو نموت".
ولا تتردد كريمة ناظم (٣٩ عاماً)، بتعنيف أطفالها، سبب ذلك تجرب علاقتها مع زوجها الذي يعنفها ويضربها على أقل خلاف بينهما.
لكنها تعترف في الوقت نفسه بأن اللجوء لضرب الأطفال طريقة خاطئة.
وتقول كريمة إنها "أحيانا تضطر لتعنيف أطفالها خشية محاولاتهم المتكررة من اخبار الجيران بكل أسرار البيت وخاصة عندما يضربها زوجها، أو عندما يفرط زوجها بتناول الخمر فيجبر أطفالهما على ضربها".
أسلوب تربية خطر
الخبيرة بعلم النفس الاجتماعي بشرى الياسري تحذر من تعنيف الأطفال كأسلوب للتربية.
تقول الياسري "ضرب الأطفال أسلوب تربية خاطئ، لأنه يزيد من متاعبهم بعد أن يكبروا، ويمزق روابط الأسرة الواحدة"، مضيفة في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "ضرب الأطفال المستمر يترك أثراً نفسياً مؤلماً في حياتهم لا يمكن نسيانه، كما سيمنعهم من إقامة علاقات طبيعية مع الآخرين".
الإناث أكثر من الذكور
وتبنت قيادة شرطة محافظة ديالى، مؤخراً، أسلوباً جديداً لرصد ومتابعة العنف ضد الأطفال، عبر إحالة أي شخص يقوم بتعنيف الأطفال مهما كانت درجة قرابته إلى المحاكم المختصة وفق المادة (٤٣١) من قانون العقوبات.
تقول الخبيرة الياسري إن متابعة العنف ضد الأطفال بمستويات حكومية لا يعني توقفه، "لأن هناك حالات لتعنيف الإناث من الأطفال أكثر من الذكور".
وتتساءل الخبيرة، "كيف يمكن لطفلة أن تصل لمركز شرطة أو محكمة؟ وإذا هي لم تستطع من سيجرؤ على فعل ذلك والإبلاغ عن تعنيف طفلة بداخل بيت أهلها؟"، مضيفة أن "المشكلة بالأساس ليست في القانون، بل في بيئة المجتمع العراقي وعاداته وتقاليده، وحتى عقائده الدينية".
وتتابع الياسري "إذا تقدمت امرأة وليست طفلة للإبلاغ عن تعرضها لعنف أسري، فالأرجح أن رجال عشيرتها سينالون منها، أبسطها بقتلها غسلاً للعار، بوصفها خرجت عن الطاعة – حسب ما سيبرره المجتمع لاحقاً- فكيف الحال بطفلة؟".
وتشير إلى أنه غالباً ما ينظر المجتمع إلى ضحايا العنف من الأطفال على أنها فعل من أفعال التربية الصحيحة، وأن تعنيف الأطفال، ثقافة يؤمن بضرورة وجودها بالمجتمع لتربيتهم بطريقة مضبوطة ومعاقبتهم حتى لا يتم تكرار الخطأ- على حد قولها.