صورة لأسماء صحفيين عراقيين اتهموا من قبل صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بالعمل لصالح اسرائيل.
صورة لأسماء صحفيين عراقيين اتهموا من قبل صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بالعمل لصالح اسرائيل.

عصر الخميس 8 سبتمبر 2011 عثر على الصحفي العراقي هادي المهدي مقتولا في منزله في منطقة الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد.

كان المهدي يستعد للخروج في تظاهرات للمطالبة بالإصلاح وتحسين الخدمات في اليوم التالي. لكنه قتل برصاصة في الرأس.

قبل مقتله، شُنت حملة تشهير وتحريض واسعة ضد الصحافي العراقي، استهدفت أحيانا حياته الخاصة.

يطلق العراقيون على مثل هذه الحملات اسم "التسقيط".

"كانت التهمة السائدة حينها هي الانتماء إلى البعث أو التعاطف معه"، يقول الصحفي العراقي مهند الغزي الذي كان يشارك في التظاهرات التي اندلعت بالتزامن مع الربيع العربي.

"لم تكن تهمة العمالة للسفارات منتشرة حينها. اتُّهم المتظاهرون، وعلى رأسهم هادي المهدي، بالبعثية وبالإرهاب وبأنهم مدفوعون من هيئة علماء المسلمين العراقية التي أعلنت تبنيها جزءا من مطالب المتظاهرين".

صبيحة مقتله، كتب المهدي على صفحته في فيسبوك: "أعيش منذ ثلاثة أيام حالة رعب.. هناك من يدخل متنكرا ليهددني في الفيسبوك".

أدخل مقتل المهدي الخوف في صفوف النشطاء العراقيين. يقول مهند الغزي: "جعلنا مقتله نخاف ونسكت. لمدة ستة أشهر، لم أقم بأي نشاط تقريبا. كان الوضع مرعبا. لم أعد إلى التظاهرات إلا بعد سنة 2014".

لم يُكشف عن قتلة هادي المهدي إلى اليوم. وصار الصحفي الشهير ببرنامجه "يا سامعين الصوت" على راديو "ديموزي" طي النسيان.

يقول مهند الغزي إن عمليات التحريض والتشهير تمهد الناس لتقبل القتل وتجاهل الضحية.

كان هادي المهدي الصحفي رقم 259 الذي يقتل في العراق حينها منذ 2003.

وبعد وفاته، شنت مواقع إلكترونية وصفحات وهمية حملة لتشويه سمعته والتشكيك في دوافعه ونزاهته.

استطاعت الحملة امتصاص الغضب الذي رافق مقتله، وتحولت جهود أصدقائه من الضغط لإيجاد قتلته إلى مجرد الدفاع عن سمعته.

حملات جديدة.. نغمة قديمة

اليوم، تقود صفحات وحسابات وهمية حملات شبيهة ضد صحافيين ونشطاء عراقيين بتهمة العمالة لإسرائيل.

وقبل أسبوع، نشرت صفحة تطلق على نفسها "ما تُعبر علينا" قائمة بصور وأسماء صحفيين عراقيين، قائلة إن "الدولار والشيكل (عملة إسرائيل) جذباهم من حيث لا يعلمون".

شملت القائمة الباحث المتخصص في قضايا التطرف هشام الهاشمي، ورسام الكاريكاتير أحمد فلاح، والصحفيين عمر الشاهر ورضا الشمري، ومقدمة البرامج جمانة ممتاز، والناشط المعروف عمر محمد (مؤسس صفحة عين الموصل)، والمدون مصطفى الصوفي، وآخرين.

مرصد الحريات الصحفية في العراق أدان الحملة في بيان خاص. وأورد تصريحا للصحافي العراقي عماد الخفاجي يقول فيه: "نظرا لحساسية القضية الفلسطينية.. فإن اتهام أشخاص بعينهم بالعمل مع الإسرائيليين، يُشكل تحريضا مباشرا على تصفيتهم".

وجاء نشر قائمة الصحفيين بالتزامن مع اتهامات من ميليشيات في الحشد الشعبي لإسرائيل والولايات المتحدة بالوقوف وراء استهداف مواقع ومخازن أسلحة تابعة لها بطائرات مسيرة.

وجاء أيضا عقب بث قناة "الحرة" تحقيقا استقصائيا عن "الفساد في المؤسسات الدينية" في العراق. وهو التحقيق الذي تسبب في إغلاق مكتب القناة في العاصمة بغداد.

وقبل نشر القائمة بأيام، يقول مرصد الحريات الصحفية، نشرت صفحة تعود لمدون يعمل في الحشد الشعبي قائمة بأسماء صحفيين اتهمهم بالعمل مع إسرائيل، وذكر عناوين إقامتهم، وطلب من متابعيه فعل الشيء نفسه.

"هذه عمليات ممنهجة. يتم فيها الزج بأسماء الصحفيين وصورهم وعناوين إقامتهم بغرض الاستهداف"، يقول مهند الغزي.

من يقف وراء هذه الصفحات؟

بعد نشر صفحة "ما تعبر علينا" لمنشورات وفيديوهات التحريض بيوم واحد، أغلقت تماما وحذفت من على مواقع التواصل الاجتماعي.

يقول المدون صقر آل زكريا للحرة إنه تم بالإبلاغ عن الصفحة وأغلقتها إدارة فيسبوك.

لكن، ما تزال منشورات مماثلة لصفحات أخرى باقية رغم التبليغات، وبإعلانات ممولة أيضا.

وبحسب مصدر صحفي، فإن "جهات تتبع إيران مولت هذه الصفحة من مقر في منطقة العرصات ببغداد".

ويقول المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن "هذه الجهة فضلت إغلاق الصفحة بعد أن تعرفنا على أسماء بعض القائمين عليها وارتباطاتهم وهددنا باللجوء الى القضاء".

"نفوا ارتباط الصفحة بهم، لكنها أغلقت بعد وقت قليل من الاتصال" يؤكد المصدر.

ويضيف: "لا نستطيع أن نكشف هذه الأسماء والجهات، لأننا أولا سنعرض مصادرنا داخل هذه الجهات للخطر، وثانيا قد نتعرض نحن لعمليات انتقامية".

وشهد العراق حتى سنة 2015 مقتل أكثر من 435 صحافيا، ما جعله يصنف ضمن قائمة أخطر المناطق في العالم.

ولا تسفر التحقيقات القضائية في الغالب عن معاقبة الجناة. "الأمر الذي يشكل عاملا جانبيا محفزا للإقدام على مزيد من التصفيات"، يقول مرصد الحريات.

وفي الأشهر الماضية فقط، تعرضت شخصيات عراقية معروفة في وسائل التواصل الاجتماعي للقتل، بعضها كان عرضة لحملات تسقيط.

وقتلت كل من خبيرتي التجميل رفيف الياسري ورشا الحسن، وعارضة الأزياء تارا فارس، والناشطة الحقوقية النسوية سعاد العلي.

وما يزال مصير نشطاء، مثل جلال الشحماني، مجهولا من اختفائه الغامض سنة 2015. وكان الشحماني أحد قادة التظاهرات في ساحة التحرير في بغداد.

التكفير أم التخوين

مثل هادي المهدي الذي اتهم بالتعاطف مع البعث، تعرض مفكرون كبار للقتل. وكان السلاح هذه المرة التكفير.

ومثل التخوين، تسببت النزعات التكفيرية في عمليات اغتيال كبيرة خلفت سقوط شخصيات سياسية وأدبية معروفة.

وتذكر الكتب المؤرخة لمسار حركة الإخوان المسلمين في مصر عملية اغتيال رجل القانون والقاضي أحمد الخازندار سنة 1948. وكان هذا القاضي حكم على بعض شباب الجماعة بالسجن المؤبد، ليقوم عضوان من الإخوان بقتله بدعوى كفره.

ولاحقا، مع حملة الانشقاقات التي عرفتها جماعة الإخوان المسلمين، ظهرت جماعات لا تكتفي بتكفير أفراد بعينهم بل تُكفر المجتمع بكامله مثل جماعة "التكفير والهجرة"، بقيادة شكري مصطفى، التي نفذت عملية اغتيال وزير الأوقاف المصري محمد حسين الذهبي سنة 1977.

وفي يونيو 1992، نفذ مسلحان ينتميان إلى "الجماعة الإسلامية" عملية اغتيال المفكر المصري فرج فودة بعد تكفيره بسبب كتاباته.

وبعدها بسنوات قليلة، أُهدر دم المفكر نصر حامد أبو زيد، وفرق القضاء بينه وبين زوجته باعتباره لم يعد مسلما.

​وفي التسعينات أيضا، تعرض الكاتب المصري نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال بعد تكفيره بسبب روايته "أولاد حارتنا".

ورغم خطورته، لا يعتبر التكفير جريمة إلا في دولتين عربيتين هما تونس والإمارات.

وينص الدستور التونسي على أن تلتزم الدولة "بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف" (الفصل 6).

ويمكن أن تصل عقوبة التكفير في البلدين إلى الإعدام في حالة أدى إلى ارتكاب جريمة قتل.

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

من عروض مسرح الدمى في الموصل
من عروض مسرح الدمى في الموصل

تسعى مؤسسة "السلام المستدام" وهي مؤسسة عراقية غير حكومية، عبر استخدام مسرح الدمى الى إعادة تأهيل الأطفال في الموصل وتخليص أذهانهم من الاثار النفسية للحرب والدمار.

وأطلقت المؤسسة في 5 سبتمبر الحالي مبادرة "مسرح الدمى" التطوعية عبر عرض مسرحي للدمى بالتعاون مع المخرج عادل العمري، بمشاركة أكثر 50 طفلاً تراوحت أعمارهم ما بين 5-12 عاما، وشملت المبادرة التي نظمت في الجانب الأيمن من الموصل تقديم مجموعة من النشاطات الفنية للأطفال المشاركين وجميعهم من وجميعهم من جانب المدينة، الذي مازال يعاني من دمار الحرب.

ويقول مدير مكتب مؤسسة "السلام المستدام" في مدينة الموصل، مهند حازم محمد، لـ"ارفع صوتك" أن فكرة المبادرة هي لـ"نشر السلم المجتمعي والتماسك المجتمعي عن طريق البذرة الأولى وهي الأطفال، لذلك هذه المبادرة تعمل على تنمية قدرات الأطفال وتوعيتهم عبر الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها بشكل عام والاماكن المخصصة للعب بشكل خاص"، مشيرا الى أن المؤسسة تهدف الى صناعة مسرح ثابت للدمى داخل مقرها أو مقر مركز قليتا للتنوع الثقافي، التابع للمؤسسة الواقع في الجانب الأيمن من الموصل.

وعاش أطفال الموصل أوضاعا إنسانية صعبة في ظل الخوف والجوع  خلال أكثر من 3 سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مدينتهم، ومازالت مخيلة الأطفال الذين عاصروا التنظيم تحتفظ بمشاهد القتل والتعذيب، الذي كان مسلحو داعش ينفذونها في الموصل ضد أهالي المدينة والمناهضين لـ"داعش"، الى جانب عمل التنظيم الإرهابي  عبر مكاتبه الإعلامية التي كانت منتشرة في احياء المدينة  على نشر فكره بين الأطفال وغسل ادمغتهم، ولم تتوقف مأساة الأطفال هنا، بل زادت عمقا وسط الدمار الذي خلفه التنظيم والمعارك التي شهدتها المدينة للتخلص منه. وكانت للموصل القديمة من اعمال التدمير حصة الأسد لأن المعارك النهائية لتحرير المدينة تركزت فيها.

فريق مسرح الدمى في مؤسسة "السلام المستدام"

ويوضح محمد أسباب تركيز المبادرة على الموصل القديمة، "استهدفت المبادرة المدينة القديمة وتحديدا حي سوق الشعارين المحاذي لجامع النبي جرجيس لان هذه المنطقة عانت ما عانته من دمار ولا توجد فيها ساحات أو مناطق مخصصة للعب الأطفال. تحتوي فقط شوارع، وغالبا أطفال هذه المنطقة يلعبون في الشوارع، لذلك ركزنا على موضوع لعب الأطفال في الأماكن الآمنة".

وتستعد المؤسسة حاليا لتنظيم 3 عروض مسرحية أخرى ضمن مبادرة مسرح الدمى، يشمل الأول التوعية بالنظافة الشخصية، والثاني موضوع القلم والممحاة الذي يحتوي على رسائل حول اهمية الكتابة والقراءة بالنسبة للطفل، واما الثالث سيكون عن النزوح وتأثيره على تنشئة الأطفال وفهم أهمية الاهتمام بالآخرين والاهتمام بالعائلة والقيم وبر الوالدين.

 وتعمل المؤسسة على ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي من خلال عرض مسرحيات دمى، التي تهتم مواضيعها بالتعايش السلمي والسلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية والعنف.

ويضيف محمد "نخطط لمسرح ثابت بأدوات ثابتة وبالتعاون مع أكاديميين متخصصين في مجال مسرح الدمى لتوعية هذا الجيل كي نبدأ بداية صحيحة للنهوض بواقع المدينة وحماياتها من أي فكر يؤذيها ويدمرها".

ويؤكد محمد على أن مشروع المسرح الثابت سيتضمن تصوير مسرحيات الدمى التي تعرض، ومن ثم نشرها على الانترنت ليشاهدها الأطفال في كافة أنحاء العالم وليس فقط الموصل، و"يرى العالم أن هذه المدينة التي كانت منكوبة قادرة على الرجوع لدورها الأساسي".

وفي منتصف يوليو عام 2017 عندما كانت معارك تحرير مدينة الموصل تقترب من الانتهاء، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسف" في بيان أن "جراح الأطفال الجسدية والنفسية العميقة سوف تستغرق وقتاً أطول لتلتئم. وقد تكبد نحو 650,000 طفل من الصبيان والبنات الذين عاشوا كابوس العنف في الموصل، ثمناً باهضاً وعانوا الكثير من الأهوال على مدى 3 سنوات".

وتؤكد المتخصصة في علم النفس هاجر العبدالله الزبيدي، على أن مبادرة مسرح الدمى ولعب الأطفال يعززان من قدرة الطفل على فهم البيئة المحيطة به.

وتضيف الزبيدي لـ"ارفع صوتك": "لهذه النشاطات تأثير كبير جدا يُسهم في تقوية ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على حلّ المشاكل التي يمكن أن تعترض سبيله لوحده من خلال مساعدة دميته والتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها".

وتشير الزبيدي الى حاجة أطفال الموصل للدعم والمساعدة من أجل التخلص من الصدمات التي تعرضوا لها والتخلص من الماضي واثاره وهذا يكون "عبر إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع عبر مجموعة من الوسائل كممارسة الألعاب ومنها الدمى ومشاهدة المسرحيات وغيرها من الوسائل الترفيهية".